من الخضار إلى السيارة الفاخرة
مستويات الأسعار المرتفعة تضرب الفقير والغني في الخليج
- د. أحمد صالح التويجري - 14/04/1429هـ
كل شيء ارتفع، المستورد والمصنع محليا أو المزروع محليا، ولا يدخل فيه أي جانب من الاستيراد .. لكن الاستيراد بأي عملة؟ .. بالدولار طبعا، والدولار كل يوم ينخفض وبالتالي الريال السعودي المرتبط بالدولار وبأسعار الفائدة الخاصة به .. إذن، فإن أي شيء تستورده المملكة من الخارج سيرتفع سعره لأننا نشتريه بعمله .. ضعيفة، وهي الدولار .. وبالطبع فهو قرار سيادي، وليس أمام المشتري السعودي إلا أن يدفع ريالات أكثر ليحصل على ما يحتاج إليه سواء سيارة فاخرة أو مواد غذائية معلبة أو دواء أو غيرها .. إلا أننا أصبحنا أخيراً نشتري الدواء بالريال السعودي (بعد القرار الوزاري الأخير بعدم الشراء بالدولار) بعد أن تضررت شركات الدواء السعودية المستوردة، ووصلت خسائر البعض منها حدا يهدد وجود الدواء في السوق السعودية، والحل هنا ممكن ولكنه ليس مستحيلا وهو رفع قيمة العملة السعودية شريطة رفع أسعار العملات الخليجية في نفس الوقت واحتفاظ البنوك بنسبة تبلغ نحو 5 في المائة، وبالتالي ارتفاع سعر الفائدة السعودية، ما يقوي من قيمة الريال السعودي.
هذا فيما يخص ارتفاع الأسعار الخاصة بالسلع المستوردة، أما التضخم لأسباب محلية – فحدث ولا حرج – فما أسباب ارتفاع الإيجارات المحلية مثلا؟ وما أسباب ارتفاع الخضراوات والفاكهة المزروعة محليا؟ وما دخلها بالدولار، وغيره من العوامل؟ وارتفاع التضخم في السعودي بأكثر من الضعف في عدة أشهر – حسب إحصائيات بعض مراكز رصد الأسعار – من 3.4 في المائة إلى نحو 8.6 في المائة خلال شباط (فبراير) الماضي.
الجواب هو ارتفاع السيولة المحلية، وارتفاع المعروض النقدي، وانخفاض أسعار الفائدة المحلية بالتبعية للدولار، وارتفاع الإنفاق الحكومي بشكل هائل .. وتعال الآن نلجأ إلى التحليل:
أولاً: أنه لا يد لنا كمستهلكين في العوامل الخارجية التي ساعدت على التضخم المحلي لكن لنا يد في العوامل المحلية وأولها الإقلال من الإنفاق الحكومي الهائل كبناء خمس من المدن الاقتصادية في نفس الوقت ما رفع أسعار مواد البناء وكلها محلية أي زيادة الطلب مع ثبات العرض من الإنتاج المحلي ما رفع من أسعار الأسمنت والحديد، وخلق سوقا سوداء للأسمنت المحلي يجب محاربتها بشتى الطرق، بزيادة الرقابة على الأسعار وزيادة المفتشين من قبل وزارة التجارة لإحكام الرقابة على أسعار مواد البناء وزيادة الطاقة المحلية من الأسمنت والحديد وتوفير أعداد كافية من المراقبين في إدارة حماية المستهلك، وسمعنا أن فيها ستة موظفين فقط، وإمكانية استحداث وكالة لشؤون التموين للإسراع في إحكام الرقابة وتبسيط إجراءات تسجيل الشركات الجديدة وتوفير العمالة اللازمة بإيجاد مراكز معلومات إلكترونية لتسجيل الأسعار بصفة يومية والإسراع في إنشاء هيئة خاصة بالمقاولين تكون مسؤولة عن نقص المعروض في مواد البناء تجنبا لانعكاسات ارتفاع الأسعار، وأثر ذلك في مستوى التضخم بصفة عامة، وإنشاء بنك لتمويل المقاولين السعوديين وبتكاليف منخفضة أسوة بتمويل المقاولين في الخارج.
أما أسعار المواد الغذائية فالحل هو التوسع في الدعم الحكومي للسلع المستوردة، وضمان وصول الدعم للمستهلك النهائي عن طريق الإدارة العامة لحماية المستهلك بعد دعمها بأن يكون ذلك من أولويات وزير التجارة الجديد.
أما السياسة الحكومية المالية والنقدية فلها دور كبير في رفع الأسعار فهي المسؤولة عن ثبات مستويات الرواتب الحكومية فلا تكفي زيادتها بنسبة 5 في المائة سنويا، ولمدة ثلاث سنوات مع ارتفاع التضخم بنسبة 100 في المائة خلال عدة أشهر، فإذا تحكمنا في ارتفاع الأسعار بالرقابة الداخلية، ورفعنا الرواتب بنسبة معقولة - لا تقل عن 30 في المائة - فستزيد القوة الشرائية للمواطن والمقيم. وقد يقول أحد الخبراء إن ارتفاع أسعار البترول يزيد من مداخيل الأفراد، ونقول له عدم استفادة المواطن من زيادة الدخل الحكومي من ارتفاع أسعار البترول إلا إذا رفعت الدولة الرواتب للقطاع الحكومي والقطاع الخاص أيضا .. أو زيادة الدعم المباشر لأسعار المواد الغذائية المستوردة كالأرز والحليب الجاف المستورد والزيوت والأدوية، وإحكام الرقابة على أسعار الخضراوات المحلية، فنحن لا نستورد الخضار، بل زيادته جاءت كالزيادة بالتبعية، ويقول بائع الخضار لماذا أنا لا أرفع الأسعار فكل شيء ارتفع، وأنا كمواطن أقاسي منه، فلا بد من رفع أسعار ما أتاجر فيه، وهكذا دواليك. فسعر سلعة مهمة كالأرز مثلا يجر من ورائه ارتفاع الأسعار الأخرى حتى يعم التضخم جميع أنحاء المملكة. عامل آخر مهم وهو ارتفاع السيولة في أيدي فئة معينة من المواطنين، ما رفع من أسعار الإيجارات لزيادة الطلب مع ثبات المعروض واحتياجه لمدة طويلة ليتوازن مع الطلب العام على الإيجارات (نسبة المتملكين لمنازل من السعوديين هي 20 في المائة فقط) ولم يرتفع الإيجار فقط، بل شمل ذلك العديد من السلع الأخرى، وكما قلنا في العنوان (من الخضار إلى السيارة الفاخرة) أي من السلع البسيطة إلى السلع الكبيرة أي السلع المحلية والسلع المستوردة، وسيستمر التضخم في الارتفاع فقد وصل حسب إحصاءات مؤسسة النقد إلى 8.6 في المائة في شهر شباط (فبراير)، وذلك لعاملين: نمو المعروض النقدي رغم تصريح محافظ (ساما) بأن التضخم سيهبط في منتصف العام الحالي – والاقتصاديون لا يصدقون ذلك – والعامل الثاني هو انخفاض المعروض من المنازل، ما يعني استمرار ارتفاع الإيجارات الذي وصل في مدينة جدة 50 في المائة، ورغم أن الدولة اتخذت خطوات كفيلة بخفض التضخم، إلا أنها لم تبدأ في العمل حتى الآن. أما بالنسبة لأثر العوامل الخارجية واستمرار خفض أسعار الفائدة الأمريكية (حتى لو نزلت إلى الصفر) حسب قول محافظ البنك المركزي الأمريكي لمحاربة الكساد إن الهدف منه ليس خفض التضخم، بل لتفادي الركود العالمي. وأن استمرار ارتفاع السيولة النقدية سببه محلياً هو استمرار خفض مستويات الفائدة بالتبعية للدولار الأمريكي. فالمعروض النقدي لدينا زاد إلى 815 مليار مقارنة بـ 667 مليارا في نفس الوقت العام الماضي، حسب الإحصاءات الحكومية، وكانت للإجراءات الحكومية التي اتخذت أخيراً لخفض السيولة نوع من عوامل السياسة النقدية، وذلك بزيادة الاحتياطي الإلزامي للبنوك المحلية لمرتين متتاليتين حتى لا تؤدي تكلفة الإقراض المنخفضة إلى توسيع أعداد المقترضين من البنوك، ما يزيد من حدة التضخم – والذي زاد فعلا – خفضت (ساما) سعر إعادة الشراء (الريبو العكسي) ثلاثة أرباع نقطة مئوية أي إلى 2.25 في المائة .. فإن ذلك سيشجع تكاليف الاقتراض من البنوك الذي سيؤدي إلى زيادة التضخم، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت! ولنا عودة مرة أخرى بمشيئة الله إذا زاد أو انخفض التضخم!
والله الموفق،،،
وكيل وزارة الصناعة والكهرباء (سابقا)
ومدير عام بشركة الموارد القابضة حاليا
http://www.aleqt.com/news.php?do=show&id=124944