تمتلي قوائم البنوك بأسماء عملاء ، لم يتمكنوا من تسديد ماعليهم من مطالبات مالية سواء كانت قروض أو تسهيلات أو مقابل خدمات مصرفية أخرى ومايتبعها من فوائد ، كذلك تزدحم ممرات الحقوق المدنية وجهات النظر في الحقوق الخاصة بأكوام البشر مابين طالب ومطلوب ودائن ومدين ، ومن يجمع بينهما ، ولست هنا بصدد التطرق إلى الحلول فقد طرحت بالتفصيل ذلك أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة ، ولكن أجدني هنا بصدد البحث عن المسببات ، سيما إذا علمنا أن هنالك أشخاص مطالبون بعشرات الملايين ، ولايملكون حتى منزل ، وهنالك من عليه مطالبات بالملايين ومع ذلك لازال يمارس تجارته ، التي لاتعود عليه بدخل حتى متوسط ، ولكنه مع ذلك لازال يستمر في رفع مديونيته دون مبالاة أو إكتراث ، في ضل غياب آلية تحصيل جادة ومواكبة
ومن خلال المعايشة والمتابعة والتي لاتخضع لإحصائية دقيقة ، أجد أن غالبية أولئك هم من تجار مرحلة مايسمى بالطفرة ، واللذين سمحت لهم الظروف والعلاقات الشخصية بأن يقتحموا سوق الإستثمار من أوسع أبوابه ، لكن دون خلفية أو قواعد وأسس مدروسة ، ولايعني ذلك أنهم جميعا إستهلوا تجارتهم بمبالغ خيالية بل بالعكس ، قد يكون الكثير منهم ، قد بدأ بإفتتاح بقالة أو صالون حلاقة أو بوفيه وجبات سريعة ، ولكن لأن البداية كانت نشوة وليس حرفة ولاخبرة وإنما كان من باب ( مع الخيل ياشقراء) فكان مصيرها الفشل ، من خلال ممارسة قائمة من المجالات التجارية ، التي كان يمارسها الواحد من أولئك وكأنها شغل للفراغ ، ففي بداية العام يفتتح صالون حلاقة وبعد ستة أشهر أو أقل أو أكثر يقبله بأقل من 10% من التكلفة ثم يفتتح مطعم أو محل أجهزة كهربائية أو أكترونية أو إتصالات وهكذا دواليك ، لنجده خلال سنوات قليلة ، قد مارس أكثر من مجال ، مما حمله ديون ومستحقات مهما كان وضعه لايستطيع الوفاء بها ، وعود نفسه على حياة صرف وبذخ لايستطيع أن يتنازل عنها بسهولة ، فوجد طريق القروض والتسهيلات والخدمات المصرفية الأخرى كبطاقات الإئتمان وخلافه ، هي الملاذ الوحيد مما ضاعف المديونيات وذهب من خلالها إلى نفق مضلم لامخرج منه ، ولو أن أولئك اللذين سلكوا هذا الطريق تبصروا قليل وتلمسوا مواقع أقدامهم ، لما تاهوا عن الجادة ، ولنا في شريعتنا الغراء الكثير من المواعظ والإرشادات التي تبصر الشخص بأمور حياته اليومية ، وأن في التجارة ( تسعة أعشار الرزق ) فقصة الفأس والإحتطاب خير دليل على ذلك ، فكثير من الشباب يستعجل النجاح ، فيتكل على غيره ولايفكر في دراسة الجدوى ، ولايملك من الصبر وقوة التحمل وإنتظار النجاح مزيدا من البذل وطول البال ، فالتجارة مهما كان ليست بالسهولة ولا بتوفر السيولة ، بقدر ماهو إعتماد بعد الله على الذات ودراسة الجدوى والوقوف على رأس العمل بالإلمام والمتابعة وتطوير الحال ، وأذكر هنا بالمناسبة هذه المعلومة ، التي تعبر عن ميلاد واحدة من كبريات الشركات العالمية ، منذ أكثر من مائة عام ، وتتلخص في أن الدكتور/ جون ستيث بمبرتون / من إتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية مخترع مشروع (كو كولا ) وذلك في عام 1886م ، بلغت مبيعاته في العام الأول ( 45) دولار فقط لاحظوا بدون أصفار ، ومع ذلك لم يصبه الإحباط بل واصل طموحه،إلى أن بلغ مبيعات كوكولا في اليوم الواحد أكثر من ( مليار عبوة )
هذه المعلومة المختصرة ، ترمز إلى تلك الشركة الكبيرة ، والتي ولدت من ألا شيء فكانت كل شيء في مجال المشروبات الغازية ، بفضل الصبر وتلمس أسباب التوفيق والتطوير والمواكبة ، التي تؤمن بأن الطريق ليس سهلا ، وأن الذكاء والفراسة وطول النفس وقوة التحمل ، والمصداقية وتقدير أهمية سر المهنة ، ووضع الأسس السليمة في مجال الدراسات والإدارة والتسويق ، فالطرق البدائية لم تعد ذات جدوى في هذا العصر ، ولو سلمنا بأن في عصرنا هذا من لازال يعيش بتلك الأفكار ، فهو نتاج محيطة وطموحة ، أو أن عمره المستقبلي قصير ، في ضل مايكتنف مجال التجارة من تطور وتحديث يفوق كل تصور، وجاء سوق الأسهم في السنتين الآخيرة ليزيد الطين بلة ووتتفاقم معه المشاكل وتتعقد الأمور وتدهور الأحوال إلى الأسوأ ، ولعل هذا يجبرنا على ان نشير إلى دور وزارة التجارة الذي وللأسف لازال مفقودا ولا أقول قاصر ، والسبب أن الوزارة لم تواكب عصرها ، ولم تسعى لربط جسور التعاون مع المرافق الأخرى ، بما يكفل دعم تواجدها الفعلي وهنا لابد أن أشير إلى أننا نطمع في أن تكون جهود هذه الوزارة المناطة في خدمة الإقتصاد السعودي ، مواكبة التطور السريع الذي يعيشه العالم بأسره ومايتبع ذلك من مستجدات هامة ، لذلك لنا بعض الملاحظات التي لاتشو نصاعة الصورة ، ولكنها قد تدعم تلك الجوانب المشرقة ، إذ أنه من المؤسف أن تسن الأنظمة والقوانين ، ثم تجايه بهذا التجميد الغريب ، وحينما تحرص جهات الإختصاص على سن القوانين فأنما ذلك ينبع من الحرص الأكيد على تنظيم الأمور ، وإيجاد قنوات تنظيمية ، تساعد جمع الأطراف ذات العلاقة على تسيير الأمور ، ولعلنا هنا نسلط الضؤ على بعض الجوانب التي يهمل معها الجانب التنفيذي او الجزائي ، أو القنوات التكليفية الى درجة التجمد ، حتى نجد أن الشيك قد فقد قيمته ، رغم أنه أدأة تحصيل لاتقبل التسويف أو حتى مجرد الإجتهاد ، تعليمات الغش التجاري من تقليد وتزوير هي الأخرى تعج بها الأسواق دون رقيب ، مما أنعدمت معها الثقة وأهتزت توابتها ، المخططات العقارية مدن مكتملة المرافق على الورق وصفحات الجرائد ، أراضي فضاء على أرض الواقع ، المسابقات التجارية ، والتقسيط حدث عنها ولاحرج ومشاكلها أكثر من أن تحصى ، تعليمات وزارة التجارة وعقوباتها بشكل عام لاترقى الى درجة التنفيذ إلا في أضيق الحدود ، واخير وبعد معاناة سوق الاسهم جاء إرتفاع الأسعار دون ان يكون هنالك دور ملموس لوزارة التجارة
أننا في ظل وجود أكثر من مرجع تابع للوزارة لابد أن يراجعه التاجر ، نرى أن تكون عوامل مساعدة ، لمحاصرة المماطلين والمتهربين من تطبيق العقوبات ، كالغرف التجارية ، وتجديد السجلات وإفتتاح الفروع وغيرها مما يمكن تسخيرها لتطبيق التعليمات ، كذلك لابد ان تكون خير من يحمي حقوق المساهمين التي بدأت من وزارة التجارة وأنتهت تحت وطأة هيئة سوق المال ، وكان على وزارة التجارة ان تكون الأحرص على حماية المساهمين
لذا فوزارة التجارة لابد أن أن تحدث آلياتها ، وأن تؤمن بأن العمل الميداني ، بدء من الجولات التفتيشة وإنتهاء بالتنسيق مع كافة الجهات ، مطلب عصري وملح ، إذ لايعقل أن تجمد الأنظمة والتعليمات بهذه الصورة ، فهنالك آوامر سامية صدرت لحفظ حقوق الناس ، ولعل من ضمنها ( الشيك بلا رصيد ) إذ لاشك أن ( الشيك ) يعتبر عصب النمو الإقتصادي ، فالثقة في الأوراق المالية بشتى صورها وقيمها ، هوحزام الأمان ، والذي يطلب الدعم من خلال آلية تحصيل قوية ومواكبة ، إذ أنه من المؤسف أن تسن الأنظمة والقوانين ، ثم تجايه بهذا التجميد الغريب ، وحينما تحرص جهات الإختصاص على سن القوانين فأنما ذلك ينبع من الحرص الأكيد على تنظيم الأمور ، وإيجاد قنوات تنظيمية فعالة، تساعد جميع الأطراف ذات العلاقة على تسيير الأمور ، ولعلنا هنا نسلط الضؤ أيضا على جانب هام يغيب عنه الجانب التنفيذي او الجزائي حيث نلاحظ أن المسابقات التجارية الإعلانية والترويجية ، لاتخضع لأي ضوابط ،مما يؤكد أن تلك المسابقات لاتخضع لأي شروط جادة ، ولعل ذلك مادعى الشركات العالمية ، حينما تعلن عن جوائز ، تشير أن العرض يشمل فقط السعودية ، وذلك حتى تتهرب من الضوابط المشددة التي تعترض مثل تلك الممارسات في البلدان الآخرى ، التي يغلب عليها أنها جوائز وهمية والأدلة أكثر من أن تحصى كل ذلك وما خفي اكبر ، تحملنا وصبرنا على مره ، لكن أن يمس الإهمال لقمة عيش المواطن فهذا مايجعلنا نتسأل ونحن على اعتاب شهر رمضان المبارك : من رفع الأسعار ؟ ومن المستفيد ؟ واين وزارة التجارة ..
منقول للكاتب
صالح المعيض