المقال
ارتفاع أسعار الأسمنت نموذج «للرقابة الشكلية» !
عبدالرحمن الخريف *
المنهجية التي تتبعها وزارة التجارة والصناعة فيما تطلق علية بالرقابة على الأسعار أوجدت انطباعا بأن هناك رقابة على أسعار المواد الغذائية واللحوم والشعير ومواد البناء..، في حين أن كل ما تقوم به هو ردود أفعال وتعامل متأخر مع ما ينشر بوسائل الإعلام عن ارتفاع الأسعار وغالبا بنفي تلك الارتفاعات او تحجيمها واتهام العمالة الأجنبية بها! وهو ما كان يُجبر إمارات المناطق للتدخل بعد استفحال الوضع والتعامل وفق منظور مختلف مكن فرقها من الكشف عن سياسات التخزين بالاستراحات ومن قبل شركات كبرى ومع ذلك سُجل ذلك الانجاز باسم وزارة التجارة والصناعة!
فالطريقة التي بُحثت بها مشكلة ارتفاع سعر الاسمنت من (13) ريالا الى (18 او 20) ريالا في بعض المناطق تمت كالمعتاد بفكر محدود - وليس بتحقق وتحقيق - على الرغم من أن الجميع يعلم بأن مصانع الاسمنت تعاني أساسا من تكدس ملايين الأطنان بمستودعاتها التي كانت تُستخدم للضغط على نفس الوزارة للسماح لها بالتصدير! فالتعامل مع مثل تلك الارتفاعات لم يكن يُمارس كمهمة رقابية من الدولة وإنما للإسراع بحل المشكلة لإسكات الصحف، فلم يُبحث عن السبب الحقيقي ومن الذي يشتري إنتاج المصنع قبل أعمال الصيانة ويتسبب في خلق أزمة أمام الشاحنات بالانتظار الطويل ومن يوفر لتلك الشاحنات أي كمية تريدها وبالسعر العالي؟ وجميعنا يتذكر كيف كانت تبيع مصانع للاسمنت والحديد إنتاجها للبعض قبل سنوات «على النوتة»! فمشكلة تطبيق الرقابة بجهاتنا هي عدم التحقق من صحة المبررات وتتبع الخيوط والتوسع في البحث، وذلك بسبب الخوف من التورط بمشكلة كبرى في حال انكشاف حقائق جديدة تُشغل المراقب وتُحرج الوزارة! وهذا الأمر ينطبق ايضا على الشعير والدواجن ..الخ، والمحرج عندما تقوم وزارة المالية بدور تنفيذي كما هو الوضع في استيراد الشعير وتقديم الدعم وتضطر الجهة المختصة للصمت في حال حدوث مشكلة او نشر إحصاءات رسمية بانخفاض الأسعار العالمية لسلعة مازالت ترتفع محليا! أما تحميل المواطن مسؤولية الإبلاغ عن ارتفاع الأسعار والتنصل من المسؤولية بعدم تلقي بلاغات من المواطنين فقد حول مهمة الرقابة للمواطنين وحصر دور الوزارة في التأكد من صحة البلاغ على الرغم من أن البيع يتم علنا وبجميع المحلات!
كما انه في هذا الشأن سنكتشف أيضا انه ليست هناك رقابة فاعلة على المال العام من قبل ديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق وان كل ما تقوم به هو التدقيق الورقي الشكلي والتنظير والتحقق مما ينشر بالصحف او بلاغات تردها من جهات وأفراد عن مخالفات او تعثر مشاريع! والغريب أن تلك الجهات لم تتحرك على الرغم من أن المتضرر من التلاعب بأسعار الاسمنت ومواد البناء واللحوم والأغذية ليس فقط المواطن وإنما الدولة بشكل كبير التي تقدم الدعم ومازالت تصرف مئات الملايين لتعويض مقاوليها ومتعهدي الإعاشة عن ارتفاع الأسعار سواء بأحكام ديوان المظالم أو عبر آلية التعويض الشهري للمقاولين.
وإذا كان هناك من عقد الآمال على ال (500) وظيفة الرقابية الجديدة للوزارة، فان استمرار الرقابة الحالية والتبرير إعلاميا وعدم التفاعل العاجل مع الأحداث والعقوبات غير الرادعة، سيحول تلك الوظائف إلى عبء ستُحاسب عليه الوزارة مستقبلا! فممارسة مهمة الرقابة على الأسعار حُصرت في ممارسة شكلية ومن خلال أفراد يتجولون بسيارات رسمية لمعرفة السعر بالسوق وبدون التعرف على مدى صحة ومعقولية سبب ارتفاع السعر والاهم صرامة العقوبة واقترانها بالسبب وليس بالمخالفة! كما أن الدراسة التحليلية لارتفاع أسعار معظم المواد بأسواقنا بأعلى من الأسعار العالمية سيكشف عن طرق تلاعب يعلمها «المسؤولون بشكل شخصي» ولكن تجهلها «جهاتهم الرقابية رسميا»! فأسعار الدواجن عالميا ارتفعت (6%) ومحليا (55%) ولم نجد من يدقق ويمنع التضليل! هنا أليس من الواجب الاستعانة بجهات أمنية تنظر لمشكلة ارتفاع الأسعار الأخير للاسمنت والدواجن وبعض منتجات الألبان كجريمة يجب الكشف عن أسرارها وتتتبع خيوطها؟ فقد يكون ذلك أقوى تأثيراً من التهديد بالتشهير عبر إعلان يُنشر في يوم إجازة رسمية وخلال مناسبة وطنية ممتلئة صفحات جرائدنا بتهاني البنوك والشركات!