«التجارة» .. والأرز المغشوش


صالح الشهوان

حين تبادر لجنة مكافحة الغش التجاري في غرفة الرياض بالاجتماع مع بعض التجار للنظر فيما تعانيه سوقنا المحلية من تسرّب شحنات من الأرز المغشوش، فذلك يعني أن الآليات التي تضعها وزارة التجارة بشأن ضبط السلع المغشوشة، وخصوصا المواد التموينية ومنها الأرز، ليست فعالة طالما الحصاد غش.

إن الأرز يشكل بالنسبة للمواطنين الغذاء الرئيسي، ما يعني الافتراض جدلا أن يكون التركيز على حمايته من الغش أو التلاعب في أسعاره أو في توفيره أولوية قصوى، وطالما أن تجار الأرز الحرصاء على سمعتهم التجارية والمعنوية قد بلغ بهم التبرم والقلق حد التأكيد أن سوقنا تستهلك كميات مغشوشة تعتبر من الأرز الرديء يشتريها بعض ضعاف النفوس من المستوردين من بلد المنشأ بأسعار منخفضة جدا للطن الواحد (500) دولار، فيما سعر الطن الأصلي (1300) دولار، ويقومون بخلطها بقليل من الأصلي في معامل محلية ثم يعبئونها في عبوات تحمل العلامة الأصلية ويدفعون بها إلى السوق مباعة بسعر يقل قليلا عن الأصلي حتى لا يثيروا شكوك المستهلك، حين يحدث هكذا سلوك وهكذا تغرير ولا يجد أمامه ما يردعه، فمن حق التجار المحترمين أن يرفعوا صوتهم خوفا على أبناء وطنهم بشكل عام وخوفا مشروعا محقا على تجارتهم وسمعتهم.

وإذا كانت نقطة الضعف التي أشار إليها اجتماع لجنة مكافحة الغش التجاري مع التجار قد حددت دون لبس أن المسألة تعود إلى الطريقة التي تتعامل بها وزارة التجارة والصناعة مع ما تضبطه من مغشوش الأرز، (وقد يكون الأمر كذلك مع بقية السلع والبضائع)؛ إذ إن "التجارة" تترك بتصرفها النظري هذا ضعاف النفوس موكولين لضمائرهم بمجرد التأكيد عليهم بألا يبيعوا أو يتصرفوا في كميات أرزهم المغشوش حتى تنتهي إجراءات التحقيق.. الأمر الذي لن يعني إلا إلى ما يؤدي إليه المثل المصري: (ياما جاب الغراب لأمه)، إذ كيف يطلب من الغراب ألا يجلب الشؤم؟!

إن الرهان على الضمير الذي صمم منذ البداية على شراء الغش وبيعه رهان على الماء في الغربال .. ويحق للجنة مكافحة الغش في غرفة تجارة الرياض وكل الغرف أن تطالب وزارة التجارة بأن تتحمل مسؤوليتها عند المنافذ وفي المدن أيضا، واقتراح إنشاء مخازن للأرز في المدن ريثما يتم إقرار التحقق من جودته من عدمه هو اقتراح في صميم العمل المهني والأخلاقي، طالما أن وزارة التجارة غير قادرة على حجز الغش من المنفذ نفسه فما بالنا في التطلع بأن يكون من المنشأ!!

إن ما قام به المستوردون من ضعاف النفوس من عمل مشين حمل جنايات مركبة: فالبضاعة المغشوشة تتصل بقوت الوطن الرئيسي ثم إن الاستهتار بلغ حد التدليس بخلطها بقليل من الأصلي السليم، كذلك تمت تعبئتها محليا في معامل محلية في عبوات تضلل المستهلك تحمل العلامات التجارية الأصلية.. استمراء للإمعان في الغش وفوق ذلك كله بيعها بأسعار تقارب سعرها الأصلي كإمعان أشد في الاستهتار والاستغلال.. وهذا الركام من الجنايات لا يعني سوى استهتار بالأوامر النظرية لوزارة التجارة في عدم البيع، واستهتار بأنظمة الوطن ولوائحة واستهتار بصحة البلد كلها.. أفمثل ذلك يجوز أن يترك لكي يمر دون مساءلة وعقاب؟!

وإذا كان اجتماع اللجنة المشار إليه آنفا قد تحدث عن إزماع "التجارة" إطلاق تنفيذ آليات أكبر خطة توعوية لمكافحة الغش التجاري تستهدف توعية الشركات والمؤسسات والجمهور، فلن تؤتي هذه الخطة ثمارها ما لم تبدأ وزارة التجارة بنفسها وتسعى إلى تكثيف حضورها في الميدان، أسواقا ومنافذ وجهات معنية بالاستيراد وحبذا لو كان معها بلدان المنشأ ما أمكن، لأن من شأن أي خطة مهما كانت محكمة الصياغة والشمول، صرف فيها العرق والمال، أن تظل مجرد معزوفة إعلامية وحبرا على الورق ليس إلا .. وسوقنا المحلية شاهدة على ذلك بما يعج فيها من سلع رديئة ومقلدة وإغراق وما هو خطر أو سام آخرها ما شهرت به هيئة الغذاء والدواء من أدوية ومستحضرات قبل شهرين، ثم هذا الغش في الأرز .. ما يعني بصريح العبارة: إن المسألة تحتاج، أولا وأخيرا، إلى حضور لوزارة التجارة والصناعة عيانا بيانا .. أن تكون آليات وزارة التجارة كفؤة وأنظمتها ولوائحها وقوانينها تملك السمع والبصر وبأقدام تمشي على الأرض تقف على ما يحدث لا أن تنتظر كي يأتي إليها!!

http://www.aleqt.com/2011/02/22/article_507210.html