في تقرير حديث للبنك السعودي الفرنسي:
واردات السعودية تسجّل في 2009 أول انخفاض منذ 15 عاما
«الاقتصادية» من الرياض
توقع تقرير مصرفي حديث أن يسجل حجم الواردات السعودية عام 2009، أكبر انخفاض له منذ 15 عاماً لأن ظروف التباطؤ الاقتصادي أشاعت الحذر في صفوف المستوردين والمستهلكين، وعززت نزعة القطاع التجاري إلى تلافي المخاطر المرتفعة. ويؤكد التقرير الصادر عن البنك السعودي الفرنسي، أن هذه الظاهرة لا تقتصر على السعودية وحدها؛ فقد أظهرت بيانات منظمة التجارة العالمية أن إجمالي الواردات العالمية انخفض بنحو الثلث خلال الربع الثاني من العام الجاري، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي. ورغم المؤشرات التي تدلّل على عودة الثقة والاستقرار إلى الاقتصاد السعودي بشكل تدريجي، إلا أنّ آخر بيانات الواردات تُعدُّ دليلاً واضحاً على أنّ معدّل النمو ودرجة الاستعداد للمخاطرة سيكونان متواضعيْن، في أحسن الأحوال. ويرجح التقرير أن ينخفض الفائض في الحساب الجاري للمملكة إلى 12.8 مليار ريال خلال هذا العام (فائض في الميزانية العامة)، وهو الأقل على مدى عقد من الزمن.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
توقع تقرير مصرفي حديث أن يسجل حجم الواردات السعودية عام 2009، أكبر انخفاض له منذ 15 عاماً لأن ظروف التباطؤ الاقتصادي أشاعت الحذر في صفوف المستوردين والمستهلكين، وعززت نزعة القطاع التجاري إلى تلافي المخاطر المرتفعة. ويؤكد التقرير الصادر عن البنك السعودي الفرنسي، أن هذه الظاهرة لا تقتصر على المملكة العربية السعودية وحدها؛ فقد أظهرت بيانات منظمة التجارة العالمية أن إجمالي الواردات العالمية انخفض بنحو الثلث خلال الربع الثاني من العام الجاري، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.
ورغم المؤشرات التي تدلّل على عودة الثقة والاستقرار إلى الاقتصاد السعودي بشكل تدريجي، إلا أنّ آخر بيانات الواردات تُعدُّ دليلاً واضحاً على أنّ معدّل النمو ودرجة الاستعداد للمخاطرة سيكونان متواضعيْن، في أحسن الأحوال.
جون اسفيكيا ناكيس
يرجح التقرير الذي أعده الدكتور جون إسفيكياناكيس مدير عام وكبير الاقتصاديين في ''السعودي الفرنسي''، وتركي عبد العزيز الحقيل المدير الأعلى للقسم الاقتصادي في البنك، أن تنخفض قيمة إجمالي الواردات السعودية إلى 89 مليار دولار عام 2009 ـ أي انخفاض بنحو 12 في المائة من المستوى القياسي المرتفع البالغ 100.6 مليار دولار عام 2008، وهذا أكبر انخفاض سنوي في قيمة واردات المملكة منذ عام 1994.
تركي الحقيل
ويمكن اعتبار هذا الانخفاض مؤشرا على أن حذر التجّار دفعهم إلى تقليص كميات السلع المستوردة التي يحتفظون بها في مستودعاتهم.
ويضيف التقرير أنه في الوقت الذي تراجع فيه معدل إنفاق المستهلك مقارنة بالعام الماضي، أحجم تجار التجزئة عن شراء كميات كبيرة من السلع المستوردة التي ارتفعت تكاليفها.
كما أن الانخفاض القياسي الذي سجّله سعر صرف الدولار مقابل اليورو خلال الأربعة عشر شهراً الأخيرة، أثر سلباً في حجم الواردات السعودية، وقد يحمل انعكاسات سلبية على مجمل اقتصاد المملكة.
وفي حال استمرار ضعف الدولار، ستزداد تكاليف الواردات السعودية في الأشهر الأخيرة من عام 2009، ما قد يُرغم بعض المستوردين على تصريف جزء من السلع المخزّنة في مستودعاتهم بانتظار عودة الزّخم إلى عملية التعافي الاقتصادي.
فائض الحساب الجاري
وحسبا لتراجع الواردات والصادرات، يتوقع أن ينخفض الفائض في الحساب الجاري للمملكة إلى 12.8 مليار ريال خلال هذا العام (فائض في الميزانية العامة)، وهو الأقل على مدى عقد من الزمن.
أما بالنسبة لعام 2010، فإن التقرير يبدي تفاؤلا حذراً إزاء الانتعاش الاقتصادي في أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم، وذلك نتيجة لآخر بيانات القروض الممنوحة إلى القطاع الخاصّ التي تشير إلى إمكانية حدوث تحسّن طفيف ومتواضع في الاقتصاد غير النفطي خلال الفصول القادمة. غالباً ما ننسى أنّ التعافي الاقتصادي التامّ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتعافي الكامل للسوق الائتماني؛ وهو ما يحتاج، في الغالب، إلى بعض الوقت.
سينمو السوق الائتماني السعودي في السنة المقبلة، لكنه لن يستعيد عافيته كاملة.
نمو بشكل بطيء
ويوضح تقرير ''السعودي الفرنسي'' أن القطاع الخاصّ غير النفطي في المملكة خلال السنة المقبلة قد ينمو بشكل بطيء، وليس بشكل متسارع يمكن أن يؤدي إلى عودة الانتعاش للأعمال بسرعة خلال ربع واحد. لكن ذلك سيكون ذلك تطوراً إيجابياً ولا سيما نظراً للمؤشرات والدلائل التي تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه تعافياً اقتصادياً متعثراً ويعاني البطالة، في وقت تزايد فيه الحديث عن أن فقاعة جديدة في طور التشكل في أسعار الأصول العالمية.
موسم الحج
اقتراباً من موسم الحجّ خلال الشهر الجاري، يبدو أنّ المملكة تدرك تماماً أنها ستشهد في هذه السنة تراجعاً في سياحتها الدينية، التي تسهم بجزء مهم في الناتج الإجمالي لقطاعها غير النفطي.
وتواجه المملكة حالياً عاملين أساسيين يؤثران سلباً في عدد الحجاج والمعتمرين عام 2009: الكساد العالمي الذي ضرب السياحة العالمية وإنفلونزا الخنازير.
عالمياً، انخفض إجمالي عدد السياح بنسبة 7 في المائة بين شهري كانون الثاني (يناير) وتموز (يوليو)، طبقاً لمنظمة السياحة العالمية، كما تأثرت السياحة أيضاً في مجمل منطقة الشرق الأوسط.
فبين شهري شباط (فبراير) وحزيران (يونيو)، تقلّصت حجوزات الفنادق من جانب السياح الأجانب الذين زاروا المملكة بنسبة 45 في المائة وتراجع عدد رحلاتهم السياحية بنسبة 41 في المائة، طبقاً لبيانات المركز السعودي للمعلومات والأبحاث السياحية.
وخلال تلك الأشهر الخمسة، تراجع أيضاً معدّل إنفاق السائح الأجنبي داخل المملكة بنسبة 15 في المائة.
وأظهرت المقابلات التي أُجريت مع العاملين في القطاع السياحي السعودي أنّ عدد السياح واصل الانخفاض خلال النصف الثاني من العام الجاري، حتى خلال شهر رمضان المبارك الذي بدأ في أواخر شهر آب (أغسطس).
ولطالما زار ملايين المسلمين مكة المكرمة خلال شهر رمضان لأداء العمرة، لكنّ أعداد المعتمرين انخفضت خلال العام الجاري، لأنّ المخاوف من إنفلونزا الخنازير دفعت عديداً من المسلمين إلى الإحجام عن أداء العمرة.
التقرير يعد السياحة الدينية أحد مصادر الدخل المهمة وقطاعاً قادراً على تعزيز إمكانات توفير فرص عمل جديدة، ما يجعله نشاطاً حيوياً بالنسبة لباقي قطاعات الاقتصاد السعودي.
كما يتوقع أن العدد الإجمالي للسياح الذين سيقصدون المملكة في العام الجاري قد ينخفض بنحو 15 في المائة، رغم الارتفاع الطفيف الذي سُجّل مع بداية فصل الصيف.
ويتوقع أيضاً أنْ ينخفض معدل إنفاق الحاج بنحو الثلث عام 2009، وأنْ تتراجع المساهمة الكلية للسياحة لتنخفض من 6.9 في المائة العام الماضي إلى 5.6 في المائة هذا العام من الناتج الإجمالي للقطاع غير النفطي.
ويضيف تقرير ''السعودي الفرنسي'' أن تراجُع السياحة لن يغير توقعاته لإجمالي الناتج المحلي للمملكة عام 2009، لأن هذا التراجع كان متوقعا؛ كما أنّ مساهمة القطاع السياحي في إجمالي الناتج المحلي السعودي لا تزال صغيرة نسبياً.
لذا، ما زلنا نتنبّأ بأنّ اقتصاد المملكة سينكمش بنسبة 0.9 في المائة في العام الجاري قبل أنْ ينمو بنسبة 4 في المائة عام 2010.
تباطؤ الواردات
لوحظ تباطؤ
الاقتصاد السعودي خلال العام الجاري بوضوح من جانب جميع المستوردين السعوديين الذين تراجعت وارداتهم من السلع الغذائية ومواد البناء والآليات بسرعة كبيرة، وذلك ابتداءً من أواخر العام الماضي حيث تراجع الطلب المحلي وانخفضت قيمة الواردات بشكل حادّ.
كما انخفضت قيمة الواردات السعودية في عام 2009، لأنّ المملكة ظلت لما يزيد على ستة أشهر تحقق تراجعاً للأسعار وارتفاعاً في القدرة الشرائية.
لكنّ واردات أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط ازدادت بنسبة 400 في المائة بين عامي 2000 و2008، بينما نمت واردات مواد البناء الممولة بواسطة فتح الاعتماد المصرفي بنسبة 500 في المائة خلال العقد الذي امتد حتى نهاية عام 2008.
وخلال الفترة نفسها، تزايدت أيضاً فتح الاعتمادات المصرفية التي استُخدمت لتمويل واردات السلع الغذائية والسيارات والآليات والأجهزة الأخرى بأكثر من 300 في المائة.
بالتالي، كان التحوّل الذي بدأ في مطلع العام الجاري مفاجئاً، ولكنه كان مبرّراً بسبب انكماش القطاع الخاصّ وتراجع معدّلات الاستهلاك.
وأظهرت البيانات الأولية لمصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات أنّ قيمة واردات المملكة بلغت 57.77 مليار دولار خلال الشهور الثمانية الأولى من عام 2009، وهو ما يمثّل تراجعاً نسبياً قدره 16 في المائة مقارنة مع بيانات الفترة نفسها من العام السابق.
أما قيمة الواردات في آب (أغسطس) 2009، وهي آخر البيانات المتوافرة، فقد أظهرت تراجعاً دراماتيكياً قدره 28.8 في المائة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
وينبغي فهم بيانات آب (أغسطس) في سياق الارتفاع غير المألوف لتكاليف الواردات في منتصف عام 2008، إثر القفزات التي سجّلتها الأسعار العالمية للمواد الغذائية والسلع، بما فيها النفط.
وشهد آب (أغسطس) 2008، القيمة القصوى لفاتورة الواردات السعودية.
بعد ذلك، بدأت تكاليف هذه الواردات بالانخفاض نتيجةً لازدياد القوّة الشرائية للدولار الأمريكي حتى نهاية النصف الأوّل من عام 2009، إضافة إلى تراجُع الأسعار العالمية للمعدات الثقيلة، والآليات على سبيل المثال.
في هذه الأثناء تراجع الشحن الإجمالي المصرح به في المرافئ السعودية إلى 15.2 في المائة عاماً بعد عام خلال الأشهر التسعة الأولى.
وتراجع إجمالي حجم الشحن في شهر أيلول (سبتمبر) مقارنة بشهر آب (أغسطس)، وذلك استناداً إلى معلومات المؤسسة العامة للموانئ.
أسباب تراجع الواردات
يمكن أن نعزو الانخفاض في قيمة الواردات السعودية، بالدرجة الأولى،
إلى تراجع الطلب المحلي، وليس إلى الانخفاض في القيمة المطلقة للسلع.
كما سدّدت الأزمة الاقتصادية العالمية ضربة قويّة للأثرياء، فقد أظهرت الإحصاءات أن مبيعات التجزئة للمنتجات الفاخرة في المملكة تراجعت بنسبة 40 في المائة تقريباً.
ونظراً إلى النمو الاقتصادي البطيء، فقد يواصل وكلاء البيع بالتجزئة اعتمادهم على طلبات التصدير المباشر، بدلاً من تخزين السلع في مستودعاتهم لشهور قادمة.
كما يبدو أنّ بعض كبار تجّار البيع بالتجزئة لا يزالون في مرحلة تقليص مخزوناتهم من السلع المستوردة.
وشهدت واردات آب (أغسطس) تراجعاً بنسبة 28 في المائة في قيمة الآليات والأجهزة الإلكترونية، وتراجعاً في أسعار المواد الغذائية بنسبة 8.6 في المائة.
كما أن قيمة الواردات، التي تراجعت بأكثر من 10 في المائة في شهريّ حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، ارتفعت قُبيل شهر آب (أغسطس) بمعدّل نسبي قدره 1.33في المائة.
نحن نعزي هذا الارتفاع إلى تفضيل المستوردين استيراد بضائعهم قبل شهر رمضان المبارك، الذي بدأ في آب (أغسطس).
وفي صيف العام الجاري، ارتفعت تكاليف الواردات السعودية بثبات بسبب ربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي.
إذ تراجع سعر صرف الريال السعودي مقابل العديد من العملات نتيجةً لضعف الدولار الأمريكي، الذي هبط في الشهر الماضي إلى أدنى مستوى له خلال أربعة عشر شهراً مقابل اليورو وسلة ست عملات رئيسية أخرى.
في شباط (فبراير)، انخفضت قيمة الواردات السعودية إلى أدنى مستوى لها خلال العام الجاري. وجاء ذلك عندما اقترب الدولار من ذروة قوته مقابل اليورو خلال السنة.
لكنْ منذ ذلك الحين، تراجع سعر صرف الدولار مقابل العملات العالمية الرئيسية بشكل ثابت، ما رفع تكلفة الواردات غير المسعّرة بالدولار الأمريكي.
وطبقاً لبيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات الصادرة في آب (أغسطس)، فإن مصدر 62 في المائة من الواردات السعودية هو الاتحاد الأوروبي وآسيا، بينما يأتي 15 في المائة فقط من هذه الواردات من أمريكا الشمالية.
والأهم من ذلك هو حقيقةُ أنّ أكثر من 65 في المائة من السلع المستوردة تُسعر ويتم تسديد ثمنها من قِبل الوكلاء السعوديين بالدولار الأمريكي.
الاعتمادات المصرفية تعكس تراجع الطلب
يتجلى ضعف روح المخاطرة لدى المستثمرين عبر بيانات فتح الاعتماد التي يستخدمها معظم المستوردين السعوديين لتمويل كلّ شيء، من الأرز إلى الرافعات إلى السيارات.
فقد تراجعت القيمة الإجمالية لفتح الاعتمادات الجديدة، التي تمثّل أحدث طلبات الاستيراد، بنسبة 6.9 في المائة من بداية حتى نهاية شهر أيلول (سبتمبر)، بينما تراجعت قيمة الاعتماد القديمة، التي تمثل الواردات الفعلية، بنسبة 19 في المائة في الشهر نفسه؛ وذلك طبقاً لبيانات مؤسسة النقد.
ويُعزى هذا التراجع في القيمة الإجمالية لفتح الاعتمادات إلى انخفاض القيمة الإجمالية للاعتمادات القديمة لواردات موادّ البناء في شهر أيلول (سبتمبر) بنسبة 41في المائة، لتصل إلى 794 مليون ريال، وهو أدنى مستوى لها خلال العام الجاري.
وأظهرت بيانات الشهر نفسه أيضاً أنّ قيمة واردات السلع الغذائية تراجعت بنسبة 26 في المائة، بينما انخفضت قيمة واردات الآليات بنسبة 27 في المائة بحسب البيانات المتوفرة.
ويرى التقرير أن التجار المحليين يحاولون تصريف البضائع المخزنة لديهم ويشعرون بالقلق تجاه تخزين بضائع جديدة، وذلك لعدم التأكد من وتيرة التعافي الاقتصادي ومن الوضع المستقبلي للدولار.
كما يمكن أن يُعزَى التراجع إلى عامل موسمي وهو شهر رمضان المبارك. فدورة الأعمال في الدول الإسلامية تتغير خلال هذا الشهر؛ لأن الشركات تُعدِّل مساحات الدوام وتغلق أبوابها، كما هو الحال في الملكة العربية السعودية على مدى أسبوع كامل للاحتفال بعيد الفطر في نهاية شهر رمضان.
الواردات في أرقام
نتوقع أنّ تتراجع الواردات السعودية إلى 89 مليار دولار عام 2009، بعدما بلغت 100.6مليار دولار عام 2008.
مع ذلك، هناك مجال لتعديل مستوى هذا الانخفاض إذا كانت بيانات تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لفتح الاعتمادات المصرفية بالضعف نفسه الذي سُجّل في أيلول (سبتمبر).
ومع ارتفاع تكاليف الواردات خلال الأشهر الأخيرة من عام 2009، نتوقّع أنْ يحافظ المستوردون على توجههم الحالي لتجاوز فترة ضعف الدولار.
سيترك انخفاض قيمة الواردات المصحوب بتراجع عائدات الصادرات النفطية أثراً واضحاً على ميزان المدفوعات السعودي.
نحن نتوقّع أنْ يبلغ فائض الحساب الجاري للمملكة في هذه السنة 12.8 مليار ريال سعودي؛ وهو فائض قليل مقارنةً بالفائض القياسي المرتفع الذي سجّلته المملكة في العام الماضي وقدره 502.7 مليار ريال. في هذه الحالة، سيكون فائض عام 2009، الأصغر منذ عام 1999.
حديث العملة: التمسّك بالوضع الراهن
في الوقت الذي ازداد فيه الدولار ضعفاً وتعززت المخاطر التجارية العالمية، بدا أنّ بعض المحللين عادوا إلى أسواق العملات الخليجية.
فقد ارتفعت الأسعار الآجلة لصرف الريال السعودي بشكل طفيف في تشرين الأول أكتوبر حيث تبين أنّ المستثمرين رفعوا سعر صرف الريال بنسبة 0.6 في المائة إلى 3.7275 ريال لكلّ دولار، بالنسبة لعروض العقود الآجلة لشراء الريالات السعودية في غضون سنتيْن ـ وهذا أعلى سعر آجل لصرف الريال السعودي في العام الجاري. وتزامنت هذه المضاربة النقديّة مع تراجع الدولار ليصل إلى 1.5 دولار مقابل اليورو في أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، وذلك لأول مرّة منذ آب (أغسطس) 2008.
كما لاحظنا بعض الاهتمام من جانب المضاربين بالدينار القطري والدرهم الإماراتي.
في المرّة الأخيرة التي وصل فيها الدولار إلى درجة مماثلة من الضعف، كان السعر الآجل لصرف الريال مقابل الدولار يُعدَّل بنحو 1.6في المائة ـ وفي ذروة المضاربات في ربيع عام 2008، كان من المتوقّع أن يصل هذا الهامش إلى 2.7 في المائة بالنسبة للعقود الآجلة لشراء الريالات السعودية في غضون سنتيْن.
ورغم احتمال اشتداد المضاربات التي تُغيّر الأسعار المثبّتة في الأنظمة الخليجية لصرف العملات إذا تردى وضع الدولار في الشهور القادمة، إلا أننا لا نتوقّع أنْ تعود المضاربات النقديّة بالقوّة نفسها التي سُجّلت خلال الدورة الأخيرة لضعف الدولار.
وعندما تصاعد الاهتمام بربط العملات الخليجية بالدولار في عامي 2007 و2008، كان ذلك ولو جزئياً لأن الازدهار الاقتصادي الإقليمي لم يكن متوافقاً مع الاتجاهات الاقتصادية في الولايات المتّحدة، حينذاك، حيث بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في أيلول (سبتمبر) 2007، مجبراً دول مجلس التعاون الخليجي على أن تحذو حذوه رغم معدّلات التضّخم المتزايدة فيها.
اقتصادات الخليج
حالياً، تمر اقتصادات الخليج بدورة اقتصادية أضعف، فيما تواجه بعض دول المجلس، مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر، انكماشا مرحلياً.
لكنّ اهتمام اقتصادات الخليج ينصبّ بالدرجة الأولى على قضايا النمو، لا التضخم.
وسوف تهتم اقتصادات الخليج وبعض اقتصادات الشرق الأوسط الأخرى بقضية التضخم في مرحلة لاحقة.
وفي المرحلة الراهنة، على الأقل، سيظلّ جلّ اهتمام الاقتصاد الأمريكي منصبّاً على توفير حوافز النمو لدفع عجلة الاقتصاد، وليس على مكافحة التضّخم على الأقل في الوقت الراهن.
ونتيجة لذلك، تقلّصت الفوارق التي كانت قائمة قبل سنتيْن بين اتجاهات اقتصاد السعودية ودول الخليج، من جهة، واتجاهات الاقتصاد الأمريكي، من جهة أخرى.
وعندما يبدأ نمو سوق الائتمان بإظهار أيّ تحسن ملحوظ ـ وهو ما لا نتوقّع حدوثه قبل الربع الأول من عام 2010 ـ قد تبدأ مؤسسة النقد مجدّداً برفع أسعار الفائدة من دون إحداث درجة كبيرة من المضاربات في سوق صرف العملات.
وما زلنا نعتقد أنّ احتمال تخلّي المنطقة عن ربط عملاتها بالدولار الأمريكي أمرٌ مستبعد في المديين القريب والمتوسط.
تتبنى المملكة مقاربة نقدية بعيدة المدى، ما يجعل من المستبعد أن تضغط تدابيرها قصيرة الأجل على مجمل نظامها النقدي. يمكن للمضاربين أن يستمروا في المراهنة على الريال السعودي لكنهم سيستمرون في خسارة أموالهم ورهاناتهم.
استقرار معدلات التضخم
طبقاً لتوقّعاتنا، سيخفّ التأثير التضخّمي المحتمل للدورة الحالية لضعف الدولار نتيجةً لتباطؤ النشاط الاقتصادي وتفادي المخاطر، إضافة إلى توقّف التضخم الواسع النطاق في أسعار السلع.
وتمثّل أحد الدوافع المهمة للتضّخم المالي خلال عاميّ 2007 و2008، بتزايد تكاليف واردات السلع الغذائية من جرّاء ضعف الدولار الأمريكي.
لقد ارتفع معدّل التضّخم في أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 4.4 في المائة في أيلول (سبتمبر) بعدما بلغ 4.1 في المائة في آب (أغسطس).
ونجم ذلك عن ارتفاع تكاليف السلع الغذائية بمعدّل نسبي قدره 1.3 في المائة مقارنةً بالشهر السابق. كما ترتفع الأسعار عموماً بوتيرة أعلى في شهر رمضان المبارك.
لكنّ البيانات المتوافرة تدعم وجهة النظر القائلة إن متوسط معدّل التضّخم سيبلغ 5.1 في المائة هذا العام.
ونتيجة لذلك، فقد راجعنا تقييمنا لمعدل التضخم في عام 2009 ليصبح 5.1 في المائة بينما يتسارع ارتفاع الأسعار في الربع الأول من عام 2010 إذا استمر ضَعْف الدولار على المدى القصير.
وهو الأمر الذي سيرفع من معدل التضخم المستورد. نميل إلى الاعتقاد أن الدولار سيستعيد قوته خلال عام 2010 ولكن التضخم المحلي مرشح للبقاء عند مستوياته المرتفعة التاريخية. ونتوقع أن معدل التضخم سيبقى بحدود 4.6 في المائة عام 2010، علماً أن معدل التضخم في المملكة بقي عند 0.98 في المائة بين عامي 1990 و2007.كما أنّ اتّجاهات الوفرة النقدية السعودية تدعم أيضاً وجهة نظرنا بشأن انعدام الضغوط التضخّمية الكبيرة في المدى القريب إلا أننا نتوقع ارتفاع عرض النقود بشكل قوي إلى 12.9 في المائة في نهاية هذه السنة و11 في المائة في السنة القادمة.
أما معدّل نمو الأصول الوطنية M2، الذي يقيس معدل نمو القيمة الإجمالية للمدّخرات النقديّة والشيكات وحسابات التوفير، انخفض بنسبة 0.2 في المائة في سبتمبر مقارنة بالشهر السابق، وذلك نتيجة لتراكم الانخفاضات في ودائع الادخار على مدى ثلاثة أشهر سابقة.
وفي العام الماضي، تراجع معدّل نمو الأصول الوطنية، الذي يُعدّ مؤشراً مهماً للتنبّؤ بضغوط التضخّم، إلى 10.6 في المائة في أيلول (سبتمبر) بعدما بلغ 11.9 في المائة في آب (أغسطس).
القطاع الخاص مرجح لتحقيق تعاف تدريجي
مع أنه من المتوقّع أنْ يتعافى الاقتصاد السعودي في عام 2010، إلا أنه من المستبعد أن يحقق نمواً مرتفعاً خلال ذلك العام.
لذا، ما زلنا نتنبّأ بأن القطاع الخاصّ غير النفطي سينمو بمعدّل 4 في المائة في عام 2010، لكنّ تحقيق هذا النمو سيعتمد على عاملين مترابطيْن: حماسة القطاع الخاصّ للتوسّع والاستثمار بعد التباطؤ الذي شهده في عام 2009، ومدى استعداد البنوك لإقراض هذا القطاع.
نحن نعتقد أنّ البنوك ستزيد مساهمتها في تمويل أنشطة القطاع الخاصّ لأنها بدأت تُدرك أنه من غير المجدي اقتصادياً إيداع مبالغ ضخمة لدى مؤسسة النقد العربي السعودي، كما أن حجم السيولة سيزداد مع نضج السندات الحكومية.
ويبدو أنّ الحكومة والبنك المركزي (مؤسسة النقد) ملتزمان بتحفيز النمو عبر استثمار 400 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة في إطار الخطة الاستثمارية التي أقرّتها الدولة. لقد ظهر أخيراً بعض القلق في السوق من احتمال عدم وصول هذا التحفيز الحكومي إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة. لكنّ هذا البرنامج المالي الضخم يكفي لتحفيز الشركات الكبيرة والصغيرة، على حدّ سواء.
وتستغرق عودة الأعمال الخاصة فترة من الزمن، ونتوقع أن تستغرق فترة التعافي في عام 2010 وقتاً أطول من المتوقع وسيحدث بشكل تدريجي.
فنحن لا نتوقع أن تحدث عملية التعافي خلال ربع واحد. كما أن برنامج الإنفاق التشجيعي الذي تنفذه الحكومة يعتبر عاملاً إيجابياً ومساعداً لأنه يمكّن المملكة العربية السعودية من التوجه نحو التعافي من دون أن يؤدي إلى تراكم ديون جديدة، وذلك على خلاف الاقتصادات الأخرى المثقلة بالديون في أماكن مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية