هل نرى أسعار أيام زمان...
د. عبد العزيز الغدير
ارتفع سعر علبة زيوت السيارات من ثمانية ريالات حتى وصل إلى 16 ريالا تمشيا مع الارتفاع في أسعار النفط التي لامست 150 ريالا إلا قليلا التي أدت كذلك لارتفاع مبالغ فيه في أسعار السلع خصوصا المواد الغذائية، وها هي أسعار النفط تتهاوى بسرعة كما صعدت بسرعة، فهل تتهاوى أسعار السلع والخدمات التي نشطت صعودا بنشاط تصاعد أسعار النفط؟
الكل يعرف أن معظم الارتفاعات بما في ذلك ارتفاع أسعار النفط هي بفعل المضاربات حيث تتجه الأموال الساخنة (الأموال التي يراد لها أن تلد أموالا) للأسواق وتستخدمها لتتضاعف في فترة وجيزة على حساب عناصر تلك الأسواق من منتجين ووسطاء ومستهلكين، ولقد عانينا أشد المعاناة من تلك الأموال التي أتاحت لها التقنية وثورة الاتصالات التنقل السهل والسريع حتى بات الكثير يضارب في كافة الأسواق وهو مستلقيا في غرفة نومه ليسهم دون أن يعلم في تضخيم الأسعار دون مبرر حقيقي قائم على مفاهيم العرض والطلب وتكاليف الإنتاج وخلافه.
والتصريح الذي أدلى به ثلة من تجار الأرز من باكستان يشير بوضوح إلى خروج الأموال المضاربية من أسواق الأرز وهو ما جعلهم يقولون بثبات أسعار الأرز، وهو خبر محزن حيث توقعنا أن تتهاوى الأسعار لتعود لطبيعتها قبل أزمة المضاربات، وكلي ثقة أنها ستتهاوى إذا أحسن التجار السعوديون التعامل مع المنتجين والوسطاء، وإذا استمرت الدولة في تطبيق السياسات والحلول التي شرعت في تطبيقها عند ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني، وإني لأرجو المسؤولين عن تطبيق تلك البرامج عدم التباطؤ في تطبيق الخطط المقررة لتحقيق الأمن الغذائي.
لم يستطع أحد حماية المستهلك من التضخم الكبير في أسعار السلع والخدمات رغم المطالبات المتكررة ولم تستطع الحكومة الركون للارتفاعات المفاجئة في أسعار النفط لرفع الرواتب والأجور بما يتناسب وتلك الارتفاعات لأنها على يقين أن تلك الارتفاعات مضاربية وأنها زائلة بزوال المضاربين الذين تعصف اليوم بهم أكبر عاصفة مالية بخرت أموالهم وجعلتهم والعالم في أنين متواصل من وطأة الانهيارات في أسواق المال.
الاقتصادان الأمريكي والأوروبي إلى ركود ومن المتوقع أن يتبعهما كافة اقتصادات العالم حيث انخفاض الطلب على السلع والخدمات بسبب المشكلات المالية وهذا شيء جميل، فكل صعود جنوني يتبعه هبوط جنوني وإلا لأصبحنا في حالة فقر مهما كانت دخولنا الشهرية، ولكن من يحمي المستهلك من جشع بعض التجار الذين لا يرون في الأسباب التي أدت لرفع أسعارهم أسبابا منطقية لنزولها؟
هل نرى وزارة التجارة مثلا تنادي شركات الألبان التي تحالفت في وجه المستهلك لترفع منتجاتها نحو 30% لتعود إلى سابق أسعارها بعد أن انخفضت أسعار المواد الأولية؟ وهل نرى وزارة التعليم العالي تنادي الجامعات الخاصة التي رفعت رسومها الدراسية على الطلبة بحجة ارتفاع التكاليف؟ وهل وهل وهل؟
"سابك" شركة وطنية تمثل نموذجا في الصعود والهبوط بناء على العرض والطلب وعلى تكاليف الإنتاج ولنا في تخفضياتها المتواصلة في أسعار الحديد مثال، فلماذا لا نرى بقية الشركات تحذو حذوها؟ بالطبع الجشع ومحاولة تحقيق أكبر أرباح ممكنة على حساب المستهلك الضعيف الذي لا يجد من يدافع عنه دفاعا حقيقيا أصبح هدفا، حيث البيع بأسعار الطفرة والتضخم والشراء بأسعار الكساد.
الوضع المالي في بلادنا جيد ومبشر ويؤكد متانة الاقتصاد السعودي وواعديته ولكنه بالتأكيد سيتأثر بانخفاض أسعار النفط، وبكل تأكيد ستنخفض معدلات النمو الاقتصادي وقد يفقد البعض جزءا من دخله الشهري وقد يفقد البعض وظيفته وهو ما يؤدي إلى انخفاض في معدلات الاستهلاك، ومن يراهن على قدرته على البيع في ظل أسعار عالية وأهم من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، ومن لا يبادر بتخفيض الأسعار بما يتناسب وانخفاض التكاليف أولا بأول سيجد الجفاء من المستهلك الذي لن يلتفت إليه إذا خفض أسعاره فيما بعد لأن المستهلك سيكون قد اعتاد على نوع جديد من المواد الاستهلاكية الأنسب سعرا وجودة، وهذا المفهوم يدركه التجار الحقيقيون لذا تجدهم يبادرون إلى تخفيض أسعارهم بما يتناسب وانخفاض تكاليفها، ولكن من يضغط على الجشعين؟
أعتقد أن الآلية التي اتبعتها أمانة مدينة الرياض في عرض أسعار المواد الغذائية كوسيلة ضغط يجب التوسع فيها ولو لستة أشهر لتشمل كثيرا من المواد والخدمات الأساسية للضغط على الجشعين من ناحية ولتشجيع التجار الحقيقيين أصحاب الذمم على الاستمرار في العمل التجاري الأخلاقي من خلال دفع المستهلك باتجاههم، كما أعتقد أن على وزارة التجارة والوزارات ذات الصلة بالخدمات التواصل مع المؤسسات الخاصة التي تطرح سلعها وخدماتها في السوق السعودية لمراجعة أسعارها بما يتوافق والظروف المالية والأوضاع الاقتصادية الحالية والمقبلة.
*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.