وديع أحمد كابلي
والآن.. ما تأثير الأزمة العالمية على اقتصادنا المحلي؟
والآن...بعد أن اتضحت الصورة وظهرت تفاصيل الأزمة النقدية والمالية العالمية، وعرفت أسبابها؟ يتساءل المواطن العادي وهو يتابع الصحف والفضائيات العالمية، والتحليلات الاقتصادية والمالية المفصلة حول آثار تلك الازمة على الاقتصاد العالمي، ما تأثير كل ذلك علينا هنا في بلادنا؟ وما تأثير ذلك عليّ أنا كفرد ومواطن عادي؟
والحقيقة تقال، إنه بالرغم من أنني قضيت أكثر من ربع قرن في دراسة وتدريس علم الاقتصاد، فإن نقص المعلومات الاقتصادية والمالية، وضعف الشفافية، قد جعلني وكثيراً من زملائي في هذه المهنة نقف مكتوفي الأيدي أمام كثير من الأحداث الاقتصادية التي تمر أمامنا، وعندما نحصل على المعلومة، فإنها تكون متأخرة جدا وغير كاملة.
فإن الذين يعلمون لا يتكلمون، والذين يتكلمون لا يعلمون حقيقة ما يجري لدينا! فتكون توقعاتنا ضبابية ومشوشة. ولذلك نلجأ إلى النظرية الاقتصادية العامة التي درسناها، لنتوصل إلى المجهول مما هو متوفر من المعلومات القليلة!.
وذلك مثل ما يقوم به عالم الرياضيات من الوصول إلى القيمة الحقيقية للمجهول مما يتوفر لديه من معطيات عن طريق المعادلات الرياضية المعقدة. وهذه الطريقة مجهدة وتستغرق وقتا أطول، لا يستطيعها سوى القليل من الباحثين المتمكنين والمتفرغين لمثل تلك الأبحاث والدراسات.
ولذلك سأحاول هنا وبعجالة وتبسيط قدر الإمكان أن أشرح النتائج المتوقعة لتلك الأزمة على الاقتصاد المحلي بمجمله، وعلى المواطن العادي كفرد أي الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي.
إن دول الخليج ومن ضمنها السعودية تعتمد بشكل مباشر وكبير علي عائداتها النقدية من بيع البترول إلى مختلف دول العالم، فإنها تعتمد على الطلب الكلي لتك الدول على البترول، وحيث إن هناك أزمة مالية خانقة في أمريكا وأوروبا، ستؤدي إلى حدوث ركود اقتصادي في تلك الدول (عدم نمو الطلب الكلي) أو كساد اقتصادي (تناقص الطلب العالمي)، فإنه من المؤكد أن يتناقص الطلب على البترول أو ينكمش إلى درجة كبيرة من الصعب تحديد حجمها الكلي في الوقت الراهن (يتوقف ذلك على مدى نجاح السياسات الاقتصادية الغربية في حل الأزمة المالية، ومستوى ومدة الكساد). ولذلك نتوقع أن يستمر انخفاض الطلب وبالتالي سعر البترول بحيث يتراوح مابين 40 إلى 60 دولارا خلال الربع الرابع من هذا العام.
وطبعا الأثر الكلي لهذا الانخفاض لن يحس به المواطن العادي (حيث إنه لم يحس به عندما بلغ السعر 147 دولارا)، وذلك بسبب وجود الاحتياطي النقدي الكبير الذي تكون خلال فترة الارتفاع المتتالي منذ عام 2005، وتحسب الحكومة لمثل تلك الأحوال.
يسألني الجميع ودائما وبشكل ملح عن مصير سوق الأسهم بعد هذه الأزمة العالمية الطاحنة؟
وكنت دائما أتحرج من الإجابة عن مثل ذلك السؤال لخطورة تلك الإجابة على السائل، لأن السؤال يكون دائماً من شخص يريد أن يبني بعض قراراته على تلك الإجابة، فإذا تحقق ما توقعته، لا يشكرك على ذلك، وإذا لم يتحقق يلومك على خسارته!
ولكن بالرغم من ذلك فإنه يمكن إبداء الرأي في مثل هذه الحالة الاستثنائية عن طريق الاستعانه بالمثل البلدي الذي يقول: (ضربوا الأعمى على عينه، فقال هي خايسه خايسه)، أي بالعربي الفصيح: لقد كانت سوق الأسهم السعودية مضروبة مضروبة منذ انفجار الفقاعة الأولى في فبراير عام 2006، واستمرت في المعاناة والترنح من حينها، وزاد الطين بلة إغراق السوق بالإصدارات الجديدة خلال الـ20 شهرا الماضية، حتى تفوقت على بورصة لندن العالمية!
والنصيحة المثلى للمتعاملين في سوق الأسهم اليوم (وبدون أية أهداف شخصية) هو أنه لا داعي للهلع واصبر فإنه ما بعد الهبوط إلا الصعود وانحنِ للعاصفة واثبت مكانك، فمن كان في الداخل، فلينتظر الفرج، ولا يخرج إلا إذا كان مضطراً، ومن كان بالخارج فلا يدخل، فإنه في وقت الأزمات يستحسن الانتظار وعدم فعل أي شيء، حتى تمر العاصفة ويهدأ الجو، فإن الهلع والخوف الزائد يضران ولا ينفعان في مثل هذه الأوقات.
والشيء الإيجابي هو أن وضع معظم البنوك والشركات المدرجة في السوق السعودي من الناحية المالية جيد، وقد تتعرض لبعض المصاعب أو تراجع الربحية، ولكن هذا شيء طبيعي جدا في مثل هذه الأحوال، وهذا هو حال الاقتصاد صعود وهبوط.
بالنسبة لسوق العقار، فإن الأمر مختلف فهناك قوتان متعارضتان تعملان ضد بعضهما نتيجة للأزمة المالية العالمية إحداهما موجبة لصالح سوق العقار وأخرى سالبة.
بالنسبة للأخبار السارة هي انخفاض أسعار الحديد نتيجة للأزمة، لانخفاض الطلب العالمي الكلي نتيجة للتباطؤ الاقتصادي، وسيتلوها انخفاض أسعار الأسمنت وبقية السلع الأخرى في مجال البناء، وقد تنخفض أجرة اليد العاملة، وكل هذا سيزيد الطلب على البناء بالتأكيد، مما يرفع سعر الأراضي أو على الأقل عدم انخفاضها في المستقبل.
أما بالنسبة للعوامل السلبية فهي تتمثل في العامل النفسي والإحساس بنقص الثروة الشخصية، فإن الشخص الذي خسر في السوق العالمية أو الأسواق المحلية سيكون أقل رغبة في الاستثمار أو الشراء في الوقت الحالي، والنتيجة الإجمالية ستكون محصلة تضارب تلك القوتين، الحرص أو الاستثمار.
رب ضارة نافعة، فإن حالة الركود الاقتصادية العالمية التي ستنتج من الأزمة المالية الحالية، ستخفض الطلب الكلي على جميع السلع والخدمات بدون استثناء، مما سيؤدي إلى تراجع أسعارها بالضرورة، وهذا سيخفض التضخم الحاصل منذ ثلاثة أعوام، والذي بلغ هذا العام حوالي 12% حسب الأرقام الرسمية.
وانخفاض مستوى التضخم سيترجم إلى زيادة القوة الشرائية للريال، وسيعني تحسن وضع الموظفين أصحاب الرواتب والأجور المحددة وأصحاب المعاشات التقاعدية (وأنا أحدهم)، مما سيعني تحسن حالتهم المعيشية التي كانت تتدهور باستمرار كلما زادت حركة الرواج الاقتصادي وزادت الأسعار نتيجة لذلك، وخصوصا أن الأجور والرواتب لدينا لا تساير حركة الأسعار كما يحدث في بعض الدول المتقدمة!
وارتفاع الدولار سيعني ارتفاع الريال وانخفاض سعر الواردات، ولكن ستنخفض أرباح التجار وينكمش هامش الربح الذي يحصلون عليه، وستزيد المنافسة فيما بينهم وسيخفضون الأسعار لإغراء المشتري، وسيكون المشتري هو سيد السوق كما يقولون!
ولا تتوقعوا أن يحدث هذا غداً أو خلال أيام، ولكنه سيحدث بالتدريج، كما كانت الزيادة في الأسعار بالتدريج، ولكن في حالة انخفاض الأسعار سيكون أبطأ.
بالنسبة للمتغيرات الاقتصادية الكلية (الناتج الكلي، الصناعة والزراعة والخدمات) فإن انخفاض الدخل الكلي من البترول سيؤثر على حجم الناتج الكلي بالسالب، ولكن لن يؤثر كثيرا على إجمالي النشاط الاقتصادي المحلي لأنه كما قلنا أن الإنفاق الحكومي الكلي يمكن ألا ينخفض نتيجة تراكم الاحتياطيات المالية خلال الفترة الماضية (هل فهم الناس الآن لماذا لم تنفق الحكومة كل ذلك الدخل خلال فترة ارتفاع أسعار البترول؟).
هذه في علم الاقتصاد تسمى سياسة التحوط، وبالبلدي الفصيح سياسة القرش الأبيض!
وهذه التوقعات ليست من عندي، ولكن هي توقعات صندوق النقد الدولي لتأثير هذه الأزمة المالية على دول الخليج، وأنه بالرغم من الركود (عدم النمو) في بعض الدول، والانكماش (النمو السلبي) في بعضها الآخر، فإن الدول الخليجية ستحقق نمواً إيجابياً قوياً خلال الفترة القادمة قد يتجاوز الـ4% خلال عام 2009.
قد تكون هذه الأزمة المالية العالمية سبباً قوياً لمراجعة النفس ومعرفة الأخطاء وأخذ الدروس والعبر، في أنه لا يصح إلا الصحيح.
*أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة الملك عبد العزيز
http://www.alwatan.com.sa/news/write...7852&Rname=238