قدر الغذاء والدواء
محمد سليمان الأحيدب
معظم مشاكلنا الحالية تكمن في تعدد الجهات المسؤولة عن شأن ما دون توفر الحرص لدى كل جهة بالقيام بدورها ويتزامن ذلك مع غياب المحاسبة وبالتالي فقدان الدافع لقيام كل جهة بدورها فتضيع الخدمة.
خذ على سبيل المثال مشاكلنا مع الغذاء فإن الصورة السائدة أننا نعاني فقط من مشكلة زيادة الأسعار التي عجزت وزارة التجارة عن حلها.
لكن الحقيقة أن مشاكلنا مع الغذاء لا تقتصر على الأسعار، فثمة أمر لا يقل أهمية وهو مواصفات الأغذية والتأكد من عناصرها وتركيباتها، فهذا يدعي أن ألبانه تحتوي مواد مهضمة، وآخر يكتب أن عصائره غنية بالفيتامينات والكالسيوم ومقويات العظام، وثالث يقول إنه ينتج عصيراً طبيعياً مائة بالمائة وأنت بما آتاك الله من حاسة الذوق والشم تدرك بسهولة أنه خليط من مواد ملونة!!، وهذه الادعاءات والأكاذيب تشكل تغريراً بالمستهلك واستغفالا له.
وإذا استعرضت الجهات المسؤولة عن فضح هذه الادعاءات فستجد أنها أكثر من ثلاث:
أولها وزارة التجارة التي يفترض أن تحلل مكونات كل مادة غذائية وترفض ترخيصها ما لم تكن مطابقة لادعاءات الشركة المصنعة، وتمنع الدعايات المضللة للمستهلك، أما الجهة الأخرى فهي هيئة الغذاء والدواء والتي يفترض أن تبدأ في ممارسة دورها بوقف هذه المهازل بأسلوب علمي يوضح حقيقة أن هذا اللبن مجرد لبن وليس إنزيمات مهضمة وذلك العصير ليس فيتامينات أو كالسيوم أو دواء لهشاشة العظام وأن العصير الطبيعي 100% ما هو إلا صناعي 99% . أما الجهة الثالثة فهي حماية المستهلك التي يفترض أن تحمي المستهلك من كل ما ذكر سواء منها الحماية الرسمية أو التطوعية .
وزارة التجارة ممثلة بالجهة المعنية بالغش التجاري تحولت مع الزمن إلى حماية للماركات التجارية.
وهيئة الغذاء والدواء رغم أنها بلغت الحلم قياسا بعمرها الزمني فإنها لا تزال تعتبر نفسها في سن الرضاعة، وتكتفي بدورها الجيد في التعليق على بعض الشكاوى، لكنها لا تزال غير مستعدة لا نفسيا ولا هيكليا لتحمل أدوار أكثر حيوية فهي لا تستعجل ممارسة صلاحياتها لا في شأن الغذاء ولا الدواء.
أما حماية المستهلك فإن تجربتنا فيها لم تنضج بعد ففي وزارة التجارة بدأت لجنة ثم إدارة عامة ثم ألغيت أعواما مديدة والآن عادت في شكل حاميتين أحدهما رسمية والأخرى تطوعية ويبدو أن كلا منهما تنتظر أن تبدأ الأخرى .