أحلام مواطن بسيط
د. عبدالرحمن الشلاش
سليمان مواطن بسيط يحب وطنه السعودية..لايساوم على هذا الحب مهما كان المقابل..طموحه المشروع أن يرى هذا الوطن في طليعة كل أوطان الدنيا..لايسبقه للمجد أي وطن كان..كيف لاوهو يملك كل مقومات التفوق والتميز.. وقيادة محبة لشعبها يقل نظيرها في كل أرجاء المعمورة.. تعطي بسخاء.. لاتريد مقابل هذا العطاء سوى إخلاص وتفاني من أوكلت لهم المسؤولية لخدمة وطنهم وتحقيق طموحات المواطنين.
في ليلة شتائية قارسة منعت شدة البرد سليمان من الخروج من منزله فأثار البقاء قريبا من زوجته وأبنائه.. ولطول الوقت والذي بدأ يمر على صاحبنا بطيئا أخذ يتسلى بكل ما حوله من مأكولات فأثقل في الأكل ثم غادر المكان إلى فراشه باكرا.
في هذه الليلة رأى سليمان وطنه بالصورة التي يطمح لها هو وكل مواطن غيور على هذا البلد الحبيب رأى نفسه وقد استقل سيارته "الداتسون" أبو عراوي عازما قضاء كل أعماله جملة واحدة.
بدأ يسير في الصباح الباكر في شوارع الرياض الفسيحة فراعه هول الإنسانية في المرور.. والذي مكنه من الوصول إلى مقر عمله في عشر دقائق فقط.. وهو ما كان يحتاج إلى ساعة كاملة في العادة.. وأعجبته مثالية السائقين والتزامهم التام بقواعد المرور.. وأسعده امتثالهم لآداب الدخول والخروج من "الدوار".. ورأى بأم عينه كيف أن قادة المركبات يعطون للآخرين أحقية التجاوز والعبور بكل أريحية.. وكاد يطير من الفرح وهو يشاهد ابتسامات الجميع وهدوئهم.. وسره كثيرا تواجد سيارات المرور في كل تقاطع..وحول جميع الإشارات يقدمون للمواطنين كل التسهيلات التي تمكنهم من مواصلة السير دون عوائق.. وعند وصول سليمان إلى مقر عمله أخذته الدهشة وهو يرى ذلك الإعلان الكبير عن وجود وظائف شاغرة وبرواتب مجزية..وفي ذات الوقت يهيب الإعلان بالمواطنين ويناشدهم بسرعة التقدم لشغل تلك الوظائف تلبية لنداءات سابقة..فآلاف الوظائف تنتظر الشباب.. أما الشباب فهم مشغولون بالمفاضلة بين تلك الوظائف واختيار الأنسب منها.
واصل سليمان طريقه إلى مكتبه وهو يشعر بالارتياح حيث ابتسامات زملائه الموظفين وحماستهم في العمل منذ حضورهم الباكر..وعندما جلس على المكتب فتح جهاز الحاسب وبضغطة زر تمكن من متابعة كافة المعاملات.. والتي يتم انجازها في ثوان معدودة عبر "الحكومة الالكترونية" صرخ سليمان بأعلى صوته "لا أرشيف بعد اليوم".. "لا بطالة".. "لابيروقراطية".
عند نهاية الدوام في الثانية والنصف ظهرا خرج سليمان من الدوام مع بقية زملائه الموظفين وقد أنجزت كافة الأعمال..وتم وضع خطة عمل اليوم التالي بكل تفاصيلها.. ركب سيارته وعاد إلى منزله وهو في قمة السعادة دون أن يتعرض لأية منغصات في الطريق.. واستقبلته الزوجة المحبة لزوجها حد الهيام بباقة من الورود..وأدلف إلى البيت فابتهج بالروائح الزكية المنبعثة في كل أرجاء المنزل.. وبراعة ترتيب السفرة.. وغرفة النوم..استقبله أبناؤه الصغار القادمون من المدرسة يحكون لوالدهم الأجواء الجميلة في مدرستهم.. طرق التعليم الجديدة.. وسائل الترفيه.. الاهتمام الشديد بهم كطلاب من معلميهم وإدارة مدرستهم.
في المساء أخذ سليمان الأسرة الكريمة بجولة في أرجاء الرياض.. طرح في البدء أمامهم الكثيرمن الخيارات..اما الذهاب إلى مدينة ألعاب.. أو أسواق.. أو مطعم فكلها متوافرة وبأسعار معقولة جدا..فمبلغ مائة ريال كافية جدا للقيام بهذه الجولة.. وبخدمات متميزة أيضا..ومطاعم نظيفة تطبق كل الشروط.. ومواقف سيارات غير مزدحمة.. وشباب سعوديون يشغّلون كل تلك المرافق بكفاءة.
احتار الأبناء أين يذهبون؟؟ فكل الخيارات المطروحة حلوة..ومغرية..ومدينتهم الرياض الحالمة..هي الأخرى لا تبخل عليهم بكل جميل..المهم في النهاية رضاهم.. وبينما هم كذلك استيقظ المواطن سليمان من حلمه الرائع برفسة خلفية من زوجته المصون أقعدته من نومه مفزوعا.. مبددة بذلك كل الصور والوقائع الجميلة التي عاشها.. وود وهو يعيش أسى استفاقته المفاجأة لو أنه استغرق في حلمه ما تبقى من أيام عمره.
http://www.alriyadh.com/2008/06/27/article354149.html