ما هكذا تكون حماية المستهلك
لست أدري لماذا غاب دور وزارة التجارة بالنسبة لحماية المستهلك؟ هل لأن هذا المستهلك لا يستحق الحماية أصلا، أم لأن الوزارة لا تستطيع حمايته لأسباب لا نعرفها؟
الدكتور هاشم يماني كان واحدا من ألمع أساتذة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وكان صديقه الدكتور علي الدفاع لا يفتأ يمدحه في كل حين - وهو فعلاً يستحق ذلك -، ولهذا كله كنت ومازلت أستغرب موقفه من حماية المستهلك الذي احترق - لم يكتو فقط - بنيران الغلاء، ولم نر للوزارة موقفا مقنعاً من كل ما جرى ويجري، وقد تكون هنا أشياء يعرفها معاليه وغابت عنا وهي ما جعل علامات الاستفهام تبقى حائرة تبحث عن إجابات مقنعة.
الوزير هاشم يماني أعلن عن ولادة جمعية حماية المستهلك وقال "إن هذه الجمعية ستعمل على مساندة جهود الأجهزة الحكومية المعنية بحماية المستهلك وتحقيق تطلعات المستهلكين".
وقال الوزير أيضاً واصفا هذه الجمعية إنها "جمعية أهلية تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة".
وقد قرأت المواد المنظمة لهذه الجمعية المنشورة في صحيفة الوطن الاثنين 26 محرم 1429، فوجدت أن بعض ما جاء في هذه البنود ينافي تماما وصف هذه الجمعية بـ"الأهلية" إلا إذا كان لهذا الوصف معانٍ لا أعرفها، وكانت هذه الجمعية "الأهلية" تختلف عن بقية الجمعيات التي تحمل ذات الصفة في الدول الأخرى.. فمن صفات الجمعيات الأهلية أن يتقدم مجموعة من الأشخاص بطلب إنشاء جمعية إلى الجهات ذات الاختصاص، وغالبا تكون وزارة العمل هي الجهة المختصة، هؤلاء الأشخاص في حالة الموافقة على طلبهم يتولون هم كافة أمورهم الإدارية والمالية دون أي وصاية عليهم من أي جهة حكومية.
ولكن حال هذه الجمعية مختلف جداً فالوزارة تعين خمسة على الأقل - تأمل كلمة على الأقل - ليقوم هؤلاء "بالتحقق من توافر تلك الشروط - المذكورة في المادة 6 - فيمن يتقدم بطلب إنشاء الجمعية ومن يتقدم بطلب الانضمام إليها".
وهؤلاء الخمسة - على الأقل - هم من يتولى الإعداد لعقد اجتماع الجمعية العمومية الأول والدعوة إليه. ثم تنتهي مهمتهم بانعقاد ذلك الاجتماع.
الجمعيات الأهلية - التي نعرفها - لا تحتاج إلى خمسة "على الأقل" للإشراف عليها لا أولا ولا أخيراً إذ المفروض أن المتقدمين قادرون على فعل كل ما يسهل عملهم، وليسوا بحاجة إلى سواهم..
والأمر الآخر أن الجمعيات الأهلية هي التي تضع نظامها بالكامل، ولا علاقة لجهة الموافقة بهذا النظام سوى إقراره أو إبداء الملاحظات عليه، ولكن فيما قرأته اختلفت الصورة تماماً فالوزارة هي التي وضعت النظام وهي التي تشرف على تطبيقه!!
في النظام أشياء كثيرة تستحق المناقشة لكنني لن أتوقف عندها، وأكتفي بمناقشة المادة (18) من النظام الذي يؤكد أن هذه الجمعية "أهلية" بنسبة 100%!! فهذه المادة قالت: إن إيرادات الجمعية تتكون من مصادر متعددة أولها: الإعانات الحكومية.. والمرجح أن هذه الإعانات ستكون أولها وآخرها على غرار بعض الجمعيات "الأهلية" التي سبقتها!!
على أية حال المعروف أن الجمعيات الأهلية لا تأخذ إعانات من الدولة لكي يكون لها كامل استقلالها لأن الذي يعطي لا بد أن يأخذ، والجمعيات الأهلية لا تملك أن تعطي شيئاً إلا أن تحني رأسها أحيانا وترفعه حينا وهذا - بطبيعة الحال - يتنافى مع كونها "أهلية" هدفها الوقوف المستمر مع المواطن المستهلك في كل الظروف وبصورة قوية وواضحة.
حتى نسبة الـ10% من رسوم التصديق على الوثائق التجارية التي تتقاضاها الغرف التجارية يجب ألا تعطى لهذه الجمعية لكي تكون لها حريتها التامة في مصادرها المالية ومن ثم يكون لها حريتها التامة في طريقة عملها..
الجمعيات الأهلية تعتمد في مواردها على اشتراكات أعضائها وتبرعات المؤمنين بأهدافها وعلى تنمية مواردها - إن وجدت - بطريقة تضمن لها إمكانية الاستمرار في عملها..
المادة العشرون من نظام الجمعية تبدو عسيرة الفهم وعسيرة الهضم، وهي تتحدث عن حل الجمعية فتقول "يجوز حلّ الجمعية إذا خرجت عن أهدافها" لست أدري هل هذه الأهداف واضحة المعالم؟؟ وفي هذه الحالة هل ترى الوزارة "التي ستحل الجمعية كما يظهر" فرقاً بين الجواز والوجوب؟؟
بطبيعة الحال فهمي للمادة آنفة الذكر أن الوزارة هي التي تعرف متى ستحل الجمعية وهي أيضاً التي ستمارس عملية الحل. وإلا فمن الواجب أن يترك هذا الحل من عدمه لأعضاء الجمعية وحدهم، ولكن لكون الجمعية "أهلية" فلا بد أن يكون للوزارة اليد الطولى على أعضائها!
أما الحديث عن "الآداب العامة والتقاليد المرعية" فهو كلام هلامي يستطيع كل فرد أن يفسره على هواه، ويبدو أن هذه "الهلامية" مقصودة أيضاً للتأكيد على "أهلية" الجمعية!
وبعد كل ذلك وقبله فالمواطن لا تهمه كثيرا هذه الجمعية ولا مثيلتها في وزارة التجارة وأعني بها الجهة المختصة بحماية المستهلك فالكلام وحده لا يطعم جائعاً ولا يكسو عريانا ولا يرد حقا.
الغلاء استشرى، قد يكون بعضه بسبب الغلاء العالمي، وقد يكون بعضه بسبب جشع التجار وقلة المراقبة، وقد يكون بعضه بسبب ارتباط ريالنا بالدولار، وقد تكون كل تلك الأسباب وراء موجة الغلاء التي أكلت الأخضر واليابس.
وإزاء هذا كله فالمواطن لا يرى أمامه إلا وزارة التجارة، باعتبار أن هذه الوزارة هي المسؤولة عن مسائل الغلاء والاستيراد، ومعرفة الأسعار، ومراقبة الأسواق، وما شابه ذلك، ولذلك فإن على الوزارة أن تكون شديدة الوضوح مع المواطنين، وأن تخبرهم أين موطن الخلل، وهل له علاج فيقومون به، أم أن عليهم الاستسلام لقدرهم المحتوم؟!
وأيضا يجب أن يعرف المواطن ما هي المقترحات التي قدمتها الوزارة للدولة، وكيف هي اتصالاتها مع التجار وغير ذلك من الأشياء التي قد تخفف من هذه الأزمة.
أعرف أن الوزارة ظلمت كثيرا في هذه الأزمة، ولكن صمتها الطويل هو السبب وراء كل ذلك، فالمواطن لا يعرف كل شيء، وهو يبحث - ومن حقه - عن علاج لمشكلاته التي أتعبته، فهل تتحرك الوزارة هذه المرة بعيدا عن جمعيتها "الأهلية"؟
* أكاديمي وكاتب سعودي
http://www.alwatan.com.sa/news/write...=4575&Rname=60