07-02-2008, 12:13 PM
|
#1
|
التميمية المراقب العام
رقـم العضويــة: 715
تاريخ التسجيل: Aug 2007
مــكان الإقامـة: محفر تمر سكري
المشـــاركـات: 40,561
|
لماذا حرّم السدلان والعبيكان المقاطعة الشعبية؟
محمد حسن علوان
لماذا حرّم السدلان والعبيكان المقاطعة الشعبية؟
كانت تلك صدمة قاسية لكل المتحمسين والفاعلين في المقاطعة الشعبية ألا يجيزها الشيخان صالح السدلان وعبدالمحسن العبيكان، ويصفانها بـ(الإثم الكبير). وطبعاً من حق الشيخين، كما هو حق الجميع، أن يكون لهما وجهة نظر في قضية (رأي عام) كهذه، ولكن هل هي وجهة نظر شرعية، أم شخصية؟ هذا هو اللَّبْس الذي صار يحدث مؤخراً كلما تحدث عالم دين في السعودية. وهو أن المتابع لم يعد لديه ما يساعده على التفريق بين ما هو (فتوى رسمية) وما هو (رأي فردي). وهذه المعارضة الثنائية من قبل الشيخين للمقاطعة الشعبية مثالٌ آخر على هذا الالتباس، لأنها جاءت على شكل تصريح مباشر منهما لوسيلة إعلامية. فهل تراهما يقصدان تحريم المقاطعة والترويج لها تحريماً مستنداً على دليل شرعي، أم إنهما يعارضانها فقط استناداً على رؤيتهما الخاصة للأمور كمواطنيْن سعوديين؟
لم تعد الفتاوى تصدر كما كانت في السابق، موثّقة رسمياً، وبصيغتها الشرعية التقليدية التي تبدأ بحصر الأدلة، وتبيان الحكم، ودحض الحجج، ومذيّلة بختم المفتي أو توقيعه أو بصمة إبهامه. بل صارت أقرب إلى التصريح الصحفي في طريقة طرحها ونشرها. ثمة صحفي يلاحق الشيخ، ويطرح عليه أسئلة عابرة، ثم ينشرها في الصحيفة بجوار صورة الشيخ. وفي صباح اليوم التالي يسعى الصحفي نفسه وراء تصريحات جديدة من مسؤولين حكوميين أو دبلوماسيين أو لاعبي كرة أو روائيين. ما الفرق إذن بين الفتوى الرصينة، والتصريح الإعلامي؟ وكيف يمكن أن نصنّف معارضة الشيخين للمقاطعة الشعبية؟
الظاهر أنها شيءٌ بين الفتوى والتصريح، فلنطلق عليها إذن اسماً يسهّل الإشارة إليها في بقية المقال، وليكن (تصريحاً إفتائياً)، ولنتجاوز ذلك إلى السؤال الأساس: لماذا صَدَم الشيخان كل المتحمسين للمقاطعة الشعبية بهذا (التصريح الإفتائي) القاسي الذي لم يكن متوقعاً منهما؟ ولماذا نَسَفا معاً كل جهود المقاطعة وحوّلاها من (ممارسة اجتماعية فاعلة يردفها الوعي الاستهلاكي والحقوقي للمواطن) إلى ما أسمياه (إثماً كبيراً يستحق عقوبة كبيرة من الله عز وجل)؟
لنراجع حجج الشيخين المذكورة في تصريحهما الإفتائي، فقد تحجج الشيخ السدلان بأربع حجج: (1) أن مقاطعة المنتجات تضرّ بالمنتجات!!! (2) أنها تثير البلبلة (3) أنها تثير النزاع بين الناس (4) أن فيها تعدياً على صلاحيات ولي الأمر. أما الشيخ العبيكان فقد اكتفى بحجتين فقط رغم أنه أسهب في التحذير من الإثم الكبير للمقاطعة، وحجتاه هما: (1) أنها قد تتسبب في فقدان الموظفين في هذه الشركات (2) أنها تعد على اختصاصات ولي الأمر.
القضية اقتصادية في المقام الأول، واجتماعية في المقام الثاني. وبالتالي فإن البتّ فيها أولاً لعلماء الاقتصاد الذين شابت رؤوسهم وهم يدرسون نظريات العرض والطلب والتضخم والمرونة والسيولة والاحتكار والاقتصاد الجزئي والكليّ والسوق الحر وآليات الرقابة والعولمة الاقتصادية وهيكلة السوق والاقتصادات المقارنة، كل هذا من أجل أن يجيبوا على أسئلة من نوع (لماذا ارتفعت الأسعار في السعودية بشكل عام؟). يأتي بعد ذلك علماء الاجتماع الذين شابت رؤوسهم أيضاً وهم يدرسون نظريات السلوك والتنظيم والعقل الجمعي وعلم النفس الاجتماعي وعلم السكان والعلاقات والاتصال والتفاعل الاجتماعي، كل هذا من أجل أن يجيبوا على أسئلة من نوع (ما الدافع الاجتماعي وراء المقاطعة الشعبية؟). أما في المقام الثالث فيأتي دور رجال القانون ليجيبوا على السؤال (هل يحق للمواطن قانونياً أن يقاطع منتجاً لا يعجبه سعره، وأن يدعو معارفه إلى ذلك؟)، وبعد ذلك في المقام الرابع يأتي دور بيروقراطيي الحكومة وتكنوقراطييهم ليجيبوا على السؤال (هل يوجد ضرر جسيم لمثل هذه المقاطعة يدفع الحكومة للتدخل ومعاقبة المقاطعين على مقاطعتهم، وإجبارهم على الشراء بالأسعار المرتفعة؟)
أتمنى أن يكون الشيخان، وهما أهلٌ لذلك، قد أخذا في اعتبارهما كل (المقامات السابقة) التي لها الأولوية في البتّ في هذا الشأن. وبما أن الشيخين الكريمين رجلا علم، فمن المؤكد أنهما يحترمان رجال العلم الآخرين من علماء الاقتصاد والاجتماع والقانون والبيروقراط. وهذا ما نتوقعه منهما طبعاً. ولكن التساؤل هنا هو: لماذا لم يتضمن (التصريح الإفتائي) للشيخين هذه الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والحكومية التي جعلت من المقاطعة الشعبية (إثماً يستحق العقوبة)؟ بمعنى آخر: لماذا لم يفدنا الشيخان بأدلة (اقتصادية) مدعمة بالأرقام والرسوم البيانية تقول إن المقاطعة ضارة باقتصاد الوطن؟ وبأدلة (اجتماعية) مدعمة بالنظريات والقراءات تقول إن المقاطعة ضارة بالمجتمع الحر الذي يختار لنفسه شراء المنتج الذي يناسبه سعره؟ ولماذا لم يفدنا الشيخان بالحكم الشرعي الواجب تطبيقه على المقاطعين والمروجين للمقاطعة بما أنها تجرُّ (عواقب وخيمة) كما ذكر الشيخ العبيكان؟ ألا تدخل العواقب الوخيمة في باب الإفساد في الأرض، وبالتالي تستحق العقوبة؟
المشكلة أنه رغم خلو هذا (التصريح الإفتائي) الثنائي الذي تبناه الشيخان من كل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والقانونية المتوقعة، إلا أنه خلا أيضاً من الأبعاد الشرعية التي تصب في تخصص الشيخين من الأصل. فلم نقرأ ضمن التصريح أي دليل من القرآن والسنة. بل جملة من العبارات شديدة العمومية مثل (إثارة البلبلة والنزاع). وكنتُ أعتقد أنه عندما يصبح للمواطن صوتٌ استهلاكي موحّد واع بحقوقه فإن ذلك من إشارات التكاتف الاجتماعي، وليس فيه (بلبلة) ولا (نزاع). وكنتُ أعتقد أن المستهلك هو أهم عنصر من عناصر الاقتصاد لأن المعادلة الاقتصادية كلها تدور حوله، ولو لم يكن هناك مستهلك لما كان هناك اقتصادٌ أصلاً. فإذا كان العنصر الأهم مطالباً بالسكوت فمن يتكلم إذن؟ أليس المواطن هو الذي سيدسُّ يده في جيبه في النهاية ليشتري المنتج الذي يقصم ميزانيته؟
أعتقد أن قراءة الشيخين لواقع المعارضة وعواقبها لم تستوف كل الجوانب بالدقة التي يتوقعها منهما الناس. فاقتصادياً، تعتبر المقاطعة الشرائية جزءاً من سلوكيات السوق الحر، وكل تجارة في الأرض قامت على نظرية العرض والطلب، وهي التي يحتكم إليها كل تاجر وكل مستهلك، لتفصل بينهما بآلية ترضي الطرفين في النهاية وإن تأزمت الأمور مؤقتاً. فالتاجر مضطر لتخفيض السعر حتى يبيع، والمستهلك حر في الشراء بالسعر الذي يناسبه فقط، وسيتفقان في النهاية على سعر يرضيهما معاً ويبقي على السوق قائماً وحيوياً وحراً. لأنهما يدركان المعادلة بشكل فطري، بوصفها أقدم معادلة على وجه الأرض، ولا يحتاجان في تطبيقها إلى أي (تصريحات إفتائية). واجتماعياً، تعتبر المقاطعة الشعبية جزءاً من العمل الاجتماعي الذي يقرر فيه المجتمع بنفسه ما هو في صالحه. وهي ممارسة يومية وشائعة في العالم. ولم نسمع يوماً أن شعباً من الشعوب قد ضلّ لأن أفراده أجمعوا على عدم الشراء بالأسعار التي لا تناسبهم. وقانونياً، لا يوجد ما يجرّم المقاطعة سواء كانت تصرفاً فردياً أو جماعياً، أما حكومياً، فنحن في الطور الذي تطالب فيه الحكومة المواطنين بأن يتصرفوا من منطلقات وعيهم الاستهلاكي، وأغلب تصريحات الوزراء المعنيين مؤخراً تشير إلى أهمية هذا الوعي، وأنه العامل الأقوى في محاربة ارتفاع الأسعار. فلماذا يطالب الشيخان إذن بأن نترك الأمر برمّته للحكومة. هل من الواقعي أن نطالب الحكومة بالتدخل حتى في قراراتنا الاستهلاكية اليومية من نوع (نشتري أو لا نشتري)؟
* كاتب سعودي
http://www.alwatan.com.sa/news/write...=4292&Rname=27
|
|
|
|
___________________________
التميمية تويتر
للتواصل مع ادارة المقاطعة
|
|
|