إرهاب الوطن في يوم الوطن!!
د. عبدالرحمن يحيى القحطاني
غريب أمر وطني في يومه الوطني!!.. دول العالم تحتفي بأيامها الوطنية في جو بهيج هانئة مطمئنة، ونحن نحتفل به تحت استنفار أمني وهلع..
عرقلة للسير.. إغلاق للشوارع.. استهتار بالأنظمة.. تفحيط وتصرفات عبثية من بعض الشباب..
عوائل تستكين في بيوتها خوفاً.. ومحال وأسواق كاملة تغلق هلعاً من ذلك العبث!!
انقلبت الموازين لدى فئة من المجتمع في اليوم الوطني؛ فلم تعد تُقيم للوطن احتراماً..
ما هذا الخلل؟ ولماذا لا نجد هذا العبث باليوم الوطني سوى في مجتمعنا؟.. أين مواطن هذا الخلل الفادح؟ هل هو من سياسة التربية والتعليم ومخرجاتها المتخلخلة؟!!.. أم من ضعف استراتيجية الجهات الأمنية في زرع ثقافة الاحترام والالتزام بالأنظمة؟.. أم من بعض الأسر والتربية السيئة؟..
خللٌ مركب، وخليطٌ متداخل، ينبئك بهشاشة الاستراتيجيات الوطنية لزرع احترام وقيم المجتمع والمواطنة في قلوب أبنائها.. في ظل انتشار ذلك لدى فئام من المجتمع عندما تبرز بعبثها في ذلك اليوم وفي غيره.
من المحزن والمخجل أن تختزل وزارة التربية والتعليم اليوم الوطني في قطعة تراث يُحضرها الطالب، أو ملبس تراثي تُحضره الطالبة!! ضاربة بعرض الحائط حقيقة أن اليوم الوطني فرصة لتعزيز قيمنا ومبادئنا واحترام الأنظمة، والمحافظة على مكتسبات الوطن في نفوس الناشئة.
في الجانب الآخر، دعونا ننظر لما تصنعه وزارة الإعلام في يومنا الوطني؟ مجرد استعراض للرقصات الشعبية والقطع التراثية!! تتكرر المأساة هنا أيضاً في اختزال الوطن في مجرد قطع تراثية!!.. أين استراتيجية وزارة الإعلام في تعميق مفهوم المواطنة وتعزيز القيم في نفوس شبابنا من خلال حملات وطنية مبنية على منهجية علمية وأطر مبتكرة غير تقليدية تصنع الأثر في نفوسهم؟ ألستِ وزارة الثقافة والإعلام؟ أين شقكِ الآخر؟ أين تعزيز ثقافة المجتمع في اليوم الوطني؟
أما الجهات الأمنية - أعانها الله - فهي غارقة في استنفار أمني لحفظ الأمن في يوم الوطن!!.. وهنا دعوني ألوم أيضاً تلك الجهات الأمنية - وعلى رأسها وزارة الداخلية وسياستها - في تعزيز مفهوم المواطنة، فالمجتمع بأمسّ الحاجة إلى حملات وطنية لتعزيز قيم حفظ الأمن والحفاظ على مكتسبات الوطن. وعندما أتحدث عن حملات وطنية فلا أقصد بذلك بضعة إعلانات تُنشر هنا وهناك، بل حملات إعلامية توعوية تُسخر لها الإمكانات والموارد لضمان التخطيط لها بمنهجية علمية، تستند إلى دراسة وتحليل واقع المجتمع وفئة الشباب تحديداً، وكيفية الوصول إليهم وتعزيز تلك القيم بطرق ابتكارية متجددة تتوافق وخصائصهم. نريد حملات وطنية يتحدث بها الشباب، ويدافعون عنها، ويشاركون فيها من أعماق قلوبهم حباً لهذا الوطن وقيمه. وفي الشق الآخر، ألوم أيضاً الجهات الأمنية لعدم ردعها لمن يقوم بذلك العبث بيدٍ من حديد.
أما الجانب الآخر المحزن في هذا السياق فهو الاحتفاء الصوري باليوم الوطني لدى القطاعات الخاصة!! وتهافت العديد منها في صرف مئات الآلاف، بل لا أبالغ إذا قلت صرف الملايين، في دعايات لا طائل منها، تُبثّ هنا وهناك، في حين أنه بإمكانهم استثمار تلك الأموال في مبادرات ثقافية قيمية أو ريعية، تنفع الوطن في يومه الوطني، وهو الاحتفال الحقيقي به.
أخيراً، رسالتي لشباب هذا الوطن.. وتحديداً لفئة محددة منهم، ممن يسيئون ليوم الوطن.. إلى متى تظلون مصدراً لتشويه سمعة هذا البلد وتشويه مكانته في العالم كله؟.. إلى متى هذا الاستهتار والعبث؟
سيقول البعض ماذا قدم لي الوطن؟.. وهو سؤال يجب على قيادات البلد الاستماع إليه والإنصات له بعمق.. ولكن، مهلاً أيها الشباب.. علينا أن نعي جميعاً أن الوطن مِلك للجميع.. والحفاظ على سمعته وأمنه ومكتسباته خط أحمر، لا يجب الاقتراب منه مهما بلغت قسوة الوطن!!
أدام الله علينا الأمن والأمان..
http://sabq.org/xp1aCd