مرحلة من أين لك هذا

حمود أبو طالب


الكشف عن الذمة المالية ومتابعتها لشاغلي الوظائف العامة لا يعتبر تشكيكا في نزاهتهم، أو اتهاما مسبقا لهم. إنه جزء من إجراءات وشروط الوظيفة في الدول التي تطبق قوانين المساءلة على الجميع، وتلتزم بالشفافية مع المجتمع في كل ما يتم بشأن المال العام. الوظائف القيادية التي تمنح صلاحيات القرار والتصرف في الميزانيات والتعميدات المالية والمشتريات لا يتم التعامل مع شاغليها من مبدأ حسن الظن و «ترك الدرعا ترعى» دون متابعة للمسارب التي يتوزع فيها المال وضمان أن بعضها لا يؤدي إلى رقم حساب المسؤول، أو أحد أفراد عائلته أو أصدقائه، فقبل أن يباشر وظيفته عليه تقديم كشف حقيقي بكل ما يملكه من مال وعقار وأسهم وغيرها، وأثناء الوظيفة هناك متابعة لأي تغيرات في نمط حياة الموظف لا تتناسب وحجم دخله من وظيفته، وعند تسليم الوظيفة لغيره عليه تقديم كشف آخر والخضوع للسؤال المرعب: من أين لك هذا، عند أدنى اشتباه..

ورغم أن هذا المبدأ أو الإجراء المتعلق بالوظيفة العامة من أهم مبادئ الدين الإسلامي، وكما رأى الجميع في مسلسل عمر رضي الله عنه أنه لا تهاون فيه ولا مجاملة ولا استثناء، إلا أنه أصبح غريبا بين المسلمين في هذا الوقت، رغم الاعتداءات الصارخة والنهب الممنهج للمال العام في كثير من المواقع. يأتي الموظف متواضع الحال، وبعد وقت في وظيفته يتضخم لديه كل شيء، والجميع يعرف أن دخل وظيفته لا يساوي ثمن أبسط الأشياء التي أصبح يمتلكها، وحين يغادر الوظيفة بعد طول مكوث لا يتورع في إظهار كل ما يثبت الشبهات عليه، دون خوف من مساءلة، فمجرد تعليق لوحة «هذا من فضل ربي» امام أي سؤال تكفي لإنهائه.

مناسبة هذا القول إن هيئة مكافحة الفساد تعتزم متابعة أرصدة وممتلكات مديري الشؤون المالية والمشتريات في القطاعات الحكومية من خلال نظام تقول الأخبار إنها سوف تطبقه قريبا، والحقيقة أن الهيئة ستقدم شيئا مهما بهذا الإجراء إذا شمل مستويات أخرى من المسؤولية، وعند ثبوت المخالفات يجب أن تعلن الأسماء ويشهر بهم حتى يعتبر الآخرون.. كما يجب على الهيئة الالتفات إلى الجوانب الخفية التي يتسرب منها المال العام إلى غير مستحقيه،، وليكن هذا النظام الجديد تطبيقا حقيقيا لمشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتكريس النزاهة ومحاربة الفساد.

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...0828527753.htm