عبارة صكت مسمعي حتى أنها ذهبت للعقل قبل العاطفة، فعلاً قد آلمتني كثيراً وجعلتني أقف مشدوها، هي تلك العبارة أعلاه حيث قالها لي جندي متقاعد، حيث جرى الحديث حول العام الدراسي الجديد

قال: العيال ما درسوا إلى ها الحين.

قلت: لماذا لم يدرسوا

قال: المصاريف المدرسية لا أتحملها، فهناك شنط ودفاتر وأقلام وفسحة، وخلها على ربك.

قلت: أنت متقاعد وتستلم كل شهر مرتبك التقاعدي فأين يذهب؟

ضحك ضحكة كلها حزن دفين عميق

وقال: يذهب في إيجار البيت، ويذهب في الكهرباء والماء والتلفون والأكل والشرب، ولا يبقى منه ما يسد الحاجة يا أبا ناصر.

قالها وتنهد بصوت مكلوم منغص على محدثه.

عرفت فيما بعد أن تقاعده أقل بقليل مما يكفي أسرة من سبعة أفراد، وأن سيارته أخذها بالدين من شركة ذات ربحية كثيرة، وعدت إلى مسألة كيف يمنع أولاده من الدراسة من أجل ألا شيء لديه، استغربت ولكن استغرابي زال عندما عرفت تكاليف أربعة طلاب وتهيئتهم للمدرسة فما بالك بسبعة أكثرهم بنات؟

والمؤلم جداً هو: ما ذنب هؤلاء الذين قرن مصيرهم بمصير عائلهم المتردي جداً، وكيف المخرج له من أزمة يجب أن يتجاوزها بسرعة لئلا تفوت الفرصة عليهن وعليهم، ثم أين ما نسميه الجمعيات الخيرية التي تصرف للأسف أغلب مصروفاتها إلى من هم في غنى عنها، أو من يأتون لهذه البلاد ويقيمون فيها بعبء يزيد من عبء الحياة الثقيلة علينا.

نهاية الحديث معه قال: بيسهلها ربك، لا تخاف وربك الله.

وتلك عبارة نستعملها من باب التوكل على القادر والمغني والمغيث، لا على من هم مثلنا ولو كنزوا الدنيا كلها وحرصوا على إنمائها بحذق وانتهازية. ومثل هذا كثيرون في القرى التي يتعفف أهلها من السؤال وذل المسألة، خاصة القرى التي أغلب أهلها (إن لم نقل كلهم) من مستوري الحال الذين يعيشون على تقاعد هو أقرب إلى الفقر منه إلى سد الرمق.. لابد من وقفة نخوة وشهامة ورجولة يقفها من أعطاهم الله من فضله، ولابد من ترتيب الوضع بشكل دقيق مع التركيز على القرى التي هي جذورنا والتي لازالت تحتفظ بشيم وأخلاق تمنع من السؤال والتسول..

يا عون الله لهم لهؤلاء المتعففين البالعين الحسرة بابتسامة المستسلم للألم وسد الأفق، اللهم أغنهم من فضلك.
من الجزيره