بمناسبة الرشوة الحلال!
خلف الحربي
لا شيء أخطر من الفتوى التي تصدر في خمس دقائق لتعطل الأمة خمسة قرون، ولعل أشهر الفتاوي التي أعادت الأمة الإسلامية 300 عام إلى الوراء فتوى فقهاء الدولة العثمانية بتحريم الطباعة بل وتكفير من يتعامل مع هذا الاختراع والحكم عليه بالإعدام، كان الفقهاء العثمانيون حينها يخافون من تحريف القرآن الكريم وقطع أرزاق الخطاطين فكانت هذه الفتوى واحدة من الأسباب الرئيسة لحالة التخلف والجهل التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم، فقد انتظر العرب والمسلمون حتى غزا نابليون مصر حاملا معه أول مطبعة ساعدت العرب والمسلمين على الخروج من حقبة القرون الوسطى.
بعد تلك الفتوى الشهيرة صدرت مئات الفتاوى بتحريم القهوة والتصوير الفوتغرافي وأطباق استقبال البث التلفزيوني وغير ذلك من المخترعات الحديثة، وقد انتهت صلاحية هذه الفتاوى مع مرور الزمان لأنها كانت ضد العقل وضد المنطق وضد حركة التاريخ، ولكن كل هذه الفتاوى تبدو (مفهومه) أو يمكن تبريرها تحت خانة الخوف من كل جديد، فالأسهل لمن لا يريد قراءة المستقبل هو تحريم كل جديد كي يعيش الناس في الماضي دون حراك، ولكن مالا يمكن فهمه أو تبريره هو الفتاوى التي تصدر لتتناول أمرا محسوما ولا يجهله عاقل لتعيد الناس إلى نقطة الصفر المكعب.. مثل الفتاوى التي ازدهرت هذه الأيام حول إباحة الرشوة إذا لم يجد المسلم سبيلا لأخذ حقوقه إلا بهذه الطريقة!.
الرشوة حلال ؟!.. هل يمكن أن يصدق عاقل أن ديننا الحنيف يمكن أن يبيح مثل هذه الجريمة التي يعرف خطرها حتى الأطفال؟، هل نحن بحاجة إلى الدخول في جدال فقهي طويل حول موقف الإسلام من الرشوة بل ومن الفساد الإداري بمختلف أنواعه كي يتبين لنا الرشد من الغي؟، وبأي منطق لا يكون الراشي شريكا في الجريمة بينما يقع الذنب كله على المرتشي؟، وأي نظام إداري هذا التي تكون فيه الرشوة سبيلا لنيل الحقوق؟.
حسنا.. مادامت الأمور بهذه البساطة فإنني أتوقع صدور فتاوى تبرئ ساحة المرتشي إذا كان راتبه الشهري لا يكفيه أو تعرض للظلم الوظيفي ولم يحصل على الترقية التي تكفل له العيش الكريم!، بل إن كل جريمة في هذا الكون يمكن تبريرها إذا أردنا أن نسير في هذا الطريق العجيب فالسارق يستطيع تبرير جريمته بأنه فعل ذلك كي يسد جوعه والقاتل يمكنه القول أنه ارتكب جريمته في حالة غضب، وهكذا فإن كل جريمة لا تحدث إلا بتوفر الدوافع.. فهل تكون الدوافع بابا جديدا لتحليل الحرام بعد أن توقفت الأمة طويلا أمام باب تحريم الحلال؟!.
فتاوى إباحة الرشوة التي يتم ترويجها هذه الأيام ليست الأولى من نوعها فقد صدرت العديد من الفتاوى المشابهة منها واحدة صدرت قبل عام واحد فقط من عالم معتبر عرف بدعواته الدائمة للإصلاح السياسي والإداري!، ولا أظن أننا بحاجة للدخول في جدال فقهي لمناقشة مسألة بديهية يعرفها كل عاقل، خصوصا وأن هذه المسألة ليست مجالا للاجتهاد فنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام لعن الراشي والمرتشي، وفي بعض الروايات لعن الرائش أيضا وهو الوسيط بينهما.. فمن أين تهبط علينا هذه الفتاوى العجيبة؟!.
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...0512502408.htm