أسعار الأراضي والإيجارات خارج السيطرة بعد فشل الحلول التقليدية
صالح الزهراني ـ جدة
على الرغم من تسارع الخطوات نحو حل أزمة الإسكان خلال الأشهر الأخيرة، بعد الارتفاع الجنوني في إيجارات المساكن وأسعار الأراضي، وذلك من خلال إنشاء وزارة للإسكان وتخصيص 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية، ورفع القرض العقاري إلى 500 الف ريال، إلا أن بطء التحرك على صعيد الحلول العاجلة يشير إلى أن المشكلة في طريقها إلى التفاقم في السنوات المقبلة. وتتجلى الأزمة بوضوح في عدة اتجاهات أبرزها ارتفاع الإيجارات بنسب تراوح بين 50 ــ 70% في الأعوام الخمسة الأخيرة، وكذلك وجود زيادات غير مبررة في أسعار الأراضى يرجعها الخبراء إلى مضاربات وهمية بين المطورين العقاريين، يذهب ضحيتها في النهاية المواطن البسيط الذى يحلم بقطعة أرض يحقق من خلالها حلمه في منزل صغير أو شقة بسيطة بعد حياة حافلة بالعرق والتعب.
ولم يفلح برنامج المنح على مدى سنوات طويلة في تحقيق طموح المواطنين وذلك لتسليم هذه الأراضى في مناطق نائية بعيدة عن الخدمات، وما زالت غالبية المنح التى تم استلامها قبل 30 عاما جرداء لم يصلها قطار الخدمات بعد.
أزمة مفتعلة
وفي مقابل هذه الرؤية يقف آخرون ليؤكدوا أن الازمة في السوق العقارية مفتعلة إلى درجة كبيرة بدليل كثرة العروض حاليا لبيع عقارات مختلفة دون وجود مشترين حقيقيين، فضلا عن وجود ما يشبه اتفاقا جماعيا غير مكتوب على أهمية بقاء السوق متماسكة، حتى لو كلف ذلك المالك إغلاق الشقة لمدة عام كامل دون إيجار.
بدايات الأزمة
بدأت مشكلة الاسكان في المملكة في 1395هـ، أي 1975م مع بداية عصر الطفرة في السبعينيات، وانطلقت الدولة في حلها عبر عدة محاور من خلال الاسكان العاجل، والاسكان الشامل، كما تولت الجهات الحكومية جزءا من المسؤولية بالتوسع في انشاء اسكان لمنسوبيها، وتوسعت القطاعات العسكرية بإقامة مشاريع لمنسوبيها ايضا في مختلف المدن. وحتى عام 1991م بلغ اجمالى تكلفة مشاريع الاسكان في مختلف المناطق حوالى 126 مليار ريال، وبلغ عدد المشاريع المقامة في الرياض 39 مشروعا و16 بمنطقة مكة المكرمة و17 بالمنطقة الشرقية. ووفقا لإحصاءات وزارة التخطيط بلغ عدد الوحدات في هذه المشاريع حوالى 686 الف شقة وتم تطوير 793 الف قطعة ارض. وتزامن مع بداية المشكلة في 1394هـ اطلاق صندوق التنمية العقاري برأسمال بلغ 2.5 مليار ريال، فيما بلغ اجمالى ما تم انفاقه من قروض عقارية حتى 2001 اكثر من 100 مليار ريال. وواجه الصندوق صعوبات كبيرة في تمويل قوائم الانتظار الطويلة لعدم التزام بعض المقترضين بالسداد في المواعيد المحددة. وفي عام 1409هـ بلع اجمالى عدد المنح الموزعة حوالى 375972 منحة ارض، 80 الفا منها فى الرياض وفي جدة 45 الفا. وعلى الرغم من الهجرة الكبيرة من القرى والهجر الى المدن الرئيسية بعد فترة الطفرة الا ان المشكلة السكانية لم تظهر بهذا الشكل الصارخ الا في السنوات العشر الاخيرة فقط،
دراسات شاملة
وفي عام 1419هـ اجرت وزارة الاشغال العامة والاسكان دراسات شاملة لموضوع الاسكان بالتنسيق مع صندوق التنمية العقاري، وفي العام التالى 1420 تم دراسة انشاء هيئة مستقلة تعنى بشؤون الاراضى، وفي عام 1421هـ وأمام المشاكل التى واجهها الصندوق العقاري لضعف معدلات السداد، تم التأكيد على ضرورة تعويض الصندوق عن القروض والحسومات التي يتم الإعفاء منها سنويا ودفع المستحقات المتراكمة للصندوق لدى وزارة المالية والاقتصاد الوطني، وتطوير إجراءات التحصيل السائدة بما يضمن استعادة الصندوق لقروضه وحث الصندوق على إعداد نماذج ومواصفات اقتصادية قليلة التكاليف للوحدات السكنية بالتعاون مع الجامعات ومراكز البحث العلمي وإيجاد استراتيجية إسكانية شاملة تأخذ في اعتبارها احتياجات المواطنين والظروف المالية والاقتصادية. وفي عام 1422هـ تقرر الإسراع في وضع استراتيجية وطنية للإسكان تأخذ في الاعتبار النمو السكاني والظروف الاجتماعية والاقتصادية. وأمام بروز مشكلة الاسكان نتيجة ارتفاعات متوالية في الايجارات وصعوبة الحصول على مساكن تقرر انشاء الهيئة العامة للاسكان في 1427هـ ليكون من ابرز اهدافها العمل على تيسير حصول المواطن على سكن مناسب وبسعر ميسر الا ان الهيئة وبرغم ما توفر لها من دعم قدره 15 مليارا لم تنجح فى مواكبة تطلعات المواطنين، ولم تقدم لسوق الاسكان سوى عدة آلاف محدودة من الوحدات السكنية. وفي الفترة من 2003 ــ 2006م شهدت سوق العقار تراجعا كبيرا في معدلات الانجاز نتيجة تسرب غالبية الاموال الى سوق الاسهم التى كانت تحقق ارباحا فاقت 100%، الا انها سرعان ما تبخرت في فبراير من 2006. ولم تكد السوق تتحرك قليلا ببعض المال العائد بخفي حنين من سوق الاسهم حتى ضربت السوق الازمة المالية العالمية في 2008، وارتفع حجم التضخم في المملكة للمرة الاولى الى 11% نتيجة زيادة الايجارات والاغذية بالدرجة الاولى. وأدى غياب آلية تنظم سوق الايجار الى موجات متتالية من الارتفاعات في الايجارات في السنوات الخمس الاخيرة مما ساهم في تفاقم معاناة المواطنين.
حلم المسكن
وتشير الاحصاءات الى ان ثلث رواتب السعوديين على الاقل تلتهمها الايجارات، وبات الحديث عن تملك المواطن لمسكن مناسب حلما يصعب تحقيقه الا لمن زادت رواتبهم على 12 الف ريال، لارتفاع اسعار الاراضى وتكاليف البناء والتشطيب. ومثل مارس من عام 2011 نقطة تحول جوهرية في حل ازمة الاسكان بصدور قرارات خادم الحرمين الشريفين بإنشاء وزارة للاسكان، ورفع قرض الصندوق العقاري الى 500 الف ريال وتخصيص 250 مليار ريال لإنشاء 500 الف وحدة سكنية. وعلى الرغم من استبشار الغالبية بهذه القرارات الا ان التحرك الذى يراه البعض بطيئا لوزارة الاسكان يجعل من الصعوبة بمكان استشراف حلول قريبة للمشكلة التى باتت تمثل كابوسا لغالبية الاسر السعودية التى يرتفع معدل المواليد بها سنويا الى قرابة 4% وهو من اعلى المعدلات العالمية فضلا عن ان 50% من السعوديين في عمر الشباب. ويتطلع خبراء الاقتصاد الى تنفيذ مشروع الوحدات السكنية الذى امر به خادم الحرمين خلال 5 ــ 6 سنوات في ظل احتياجات تقريبية سنويا تصل الى 150 الف وحدة سكنية.
تعطيش السوق
يقول المواطن سعد العلي ان السنوات الأخيرة شهدت طفرة ملحوظة في اسعار الاراضى والايجارات نتيجة لقلة المعروض كما يردد البعض، الا انه عاد ليشكك في هذه الاقاويل.
وأوضح ان المكاتب العقارية لديها عروض اراض وشقق كثيرة عن الاحتياج الفعلى لكن تماسك الاسعار هو الذى يؤدى للشعور بوجود ازمة. وقال بات واضحا في السوق السعودية ان المالك لديه استعداد لأمرين الاول اغلاق الشقة لمدة عام كامل دون ان يؤجر الشقة بتخفيض 50 ريالا عن السعر الذى يريده والامر الثاني رفض التأجير للسعوديين حتى لو سأل واستفسر عن اوضاعهم المالية وهو ما يثير غصة في النفس. ودعا الى ضرورة تدخل الجهات الرسمية لاحداث حالة من التوازن في السوق العقارية بما يضمن مصلحة جميع الاطراف.
ويرى الاقتصادي خالد السالمي أن ازمة الاسكان تتجلى بوضوح حاليا في عدة جوانب ابرزها صعوبة الحصول على شقة خالية في اى حي، واذا تم ذلك كان سعرها يراوح بين 22 الفا ريال لثلاث غرف و27 الفا للشقة ذات الاربع غرف، وفيما يتعلق بالاراضى فإن ثمن الارض بات مبالغا به كثير نتيجة المضاربات المستمرة على الارض بين ما يطلق عليهم مطورون عقاريون، مؤكدا ان المواطن البسيط هو ضحية هذا التلاعب الذي يتم حاليا ولا تستطيع الجهات الرسمية ايقافه.
وتساءل عن السر وراء كثرة بيع قطعة الارض الواحدة بين اكثر من شخص خلال فترة زمنية قصيرة دون احداث اي تطوير عليها، مؤكدا ان السبب وراء ذلك رفع السعر وهميا على الراغب في الشراء بصورة حقيقية.
ودعا المواطن الى عدم الانخداع بتلك الممارسات التى باتت مكشوفة، وتقييم الارض بصورة عادلة قبل الشراء.
وشدد على اهمية البحث عن الاسباب الحقيقية وراء الازمة، مشيرا الى ان احتكار البعض لقطع اراض كبيرة وحرصهم على تعطيش السوق باستمرار يقف الى حد بعيد وراء ارتفاع اسعار الاراضى.
ورأى ان الارتفاعات الاخيرة في الايجارات مبالغ بها الى درجة بعيدة، داعيا في هذا السياق الى ضرورة وضع تنظيم خاص لضبط ارتفاعات الايجار سنويا حفاظا على الاستقرار الاجتماعي للمواطن.
واشار الى ان الايجار يجب ان يرتبط بالموقع وعمر المبنى وتوفر الخدمات قريبا منه، منتقدا بشدة مزاجية بعض الملاك ورفع الايجار 5 ــ 6 آلاف ريال دفعة واحدة سنويا. ورأى ان النسبة المقترحة للزيادة لا ينبغى ان تزيد على 5% فقط.
أخطاء تراكمية
من جانبه، راى العقاري امين عبدالله ان ازمة الاسكان الراهنة نتاج عشرات الاخطاء التراكمية طوال السنوات السابقة وفي صدارتها توزيع المنح دون اى خدمات، وعشوائية السوق، وغياب الجهة المرجعية لها، وفوضى الايجارات التى تهدد بأزمة اجتماعية خطيرة لو استمر ترك الامر بيد الملاك فقط لإخراج المستأجر وقت ما يريدون.
ودعا الى ضرورة التصدى الى المضاربات الصورية التى رفعت اسعار الاراضى دون استناد الى المنطق او الواقع.
وطالب بضرورة تكوين هيئة عليا للقطاع العقاري تتولى الجوانب الــــتــــنـــظــــيـــمـــية في السوق التى يبلغ حجمها اكثر من تريليون ريال سنويا، وازدادت بها الخلافات الى درجة ملحوظة بين الملاك والمستأجرين. وانتقد غياب المعلومات والشفافية في السوق حاليا وتراجع اداء الشركات المطورة التى كان ينبغى ان يتم تكليفها بالبناء في المخططات السكنية بعد ايصال المرافق لها مقابل نسبة من الارض، لكن يبدو ان المشروع يواجه حالة من التعثر حاليا لغياب المتابعة. وتساءل عن مصير خطط تطوير المخططات ومشاريع الاسكان التى تم الاعلان عنها في مختلف المناطق دون ان يبرز شيء الى النور على الرغم من وجود ميزانية ووزارة لشؤون الاسكان فقط.
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...1217463464.htm