تأثير المصطلحات الإعلامية الغربية على الخطاب الأعلامي العربي
(بحث في التلقي لا الإبداع)
منذ ان بدأت الصحافة ممارسة دورها كعامل مهم في التأثيربالمجتمع, والناس مشغولون ومهتمون بتأثيرتها . لهذا اصبح لهذا الفن باحثون ومتخصصون وعلماء نفس يدرسون مدى تأثير الكلمة على ذهن وعقل المتلقي . وتعدى ذلك الى خزن المصطلح المتداول في الاعلام في العقل الباطن للانسان أو اللاشعور كما يسميه الدكتور علي الوردي ليصبح طريقة في التفكير .
والاعلام هو أحد المكونات الرئيسة للصراعات ,قد لايحسم الصراع ولكنه يسوّق مواقف أطراف الصراع ويجلب لهم الدعم الخارجي والداخلي .وعملية تضبيب العقول بوسائل الاعلام هي أحدى ظواهر الحرب النفسية التي يشكل تعميمها وتكريسها وترسيخها الى تغيير الثوابت والمسلمات لدى الناس .وأن توضيح المصطلح وصياغة الخبر هما في الواقع جبهة من جبهات الصراع , فالاستخدام الواعي للمصطلح إعلاميا ً يسهم بشكل كبير في خلق صورة إيجابية أو سلبية لأحد طرفي الصراع وبالتالي يمكن أستغلال الرأي العام وتظليله في الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك.
النفسية التي يشكل تعميمها وتكريسها وترسيخها الى تغيير الثوابت والمسلمات لدى الناس .وأن توضيح المصطلح وصياغة الخبر هما في الواقع جبهة من جبهات الصراع , فالاستخدام الواعي للمصطلح إعلاميا ً يسهم بشكل كبير في خلق صورة إيجابية أو سلبية لأحد طرفي الصراع وبالتالي يمكن أستغلال الرأي العام وتظليله في الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك.
وفي خضم ثورة المعلوماتية والصراع الدائر بين الافكار والحضارات اصبح للاعلام اهمية في توجيه حركةالمجتمعات , ومع وجود هذا التقدم والتطور العلمي والتقني للمعلوماتية لا يمكن تجاهل دور الاعلام أو التغاضي عنه , ولا يخفى على احد ما للاعلام من تأثير على تكوين العقل الجماهيري . لم يكن للاعلام الغربي تأثير قبل عدة عقود الا بمقدار المحيط الذي يصدر به . فما كانت تنشره جريدة في باريس او نيويورك او لندن يظل محصورا ً في حدود قرا ئها وفي المحيط الذي تنشر به . ولكن اختلف الوضع اليوم كليا ً . فبعد ان اصبح الاعلام حرفه ومهنة وبأيدي اناس يمتازون بالمهنية والحرفية والمهارة , ويشتغل به قطاع كبير من الناس , وانشأ له مؤسسات كبرى واصبحت تعتمد على التكنولوجيا المتطورة في نقل وتوظيف الخبر . فمن يمتلك مهنية أعلى وامكانية اكبر وتكنولوجيا متطورة هو صاحب التأثير الاكبر . وفي ظل نظرية العولمة المنبثقه من الغرب .احتل الاعلام الغربي الصدارة وتسلم زمام مبادرة التأثير على المتلقي , وحتى تغلغل الى كثير من الصحف و اليوميات في العالم الاسلامي واصبحت هذه الصحف اما نسخ مقلدة او لاتخلو من نص مترجم مع ما يحمل ذلك النص من مصطلحات مُسْقَطه ومترجمة ترجمة ٌ حرفية الى الاعلام في العالم الاسلامي وهناك كثير من الصحف قد خصصت مساحات منها وبشكل يومي لنصوص مترجمه من الصحف الغربية .واصبح ذلك بابا ً ثابتا ً وكمثال على ذلك الصحف الاردنية مثل الدستور والرأي . وليست المشكلة في الترجمة بل على العكس فلتلاقح الافكار دور ايجابي في اثراء الفكر الانساني .ولكن المشكلة تكمن في نقل المصطلحات على عواهنها دون الرجوع الى مدى تأثير ذلك على القارىء . فكما لايغيب عن ذهن المهتمين بهذا الشأن ان لكل اعلام لغة ٌ خاصة به . فمع الاسف ان الاعلام العربي والاسلامي قد اخذ بعض المصطلحات الاعلامية الغربية واصبحت متداولة دون النظر الى هذه المصطلحات وانها لاتمت الى واقعنا بصلة او لاتعطي المعنى الدقيق في ثقافتنا العربية الاسلامية .
فأضحى تأثير هذه الكلمات سلبيا ً ومثال ذلك .
مصطلح الاصولية: وهي كلمة ٌ مترجمة ومنقولة عن الاصل اللاتيني هو (fantametalist ) وهذه الكلمة اطلقت بعد العصور الوسطى على المتطرفين المسيحيين ولا تنطبق الكلمة على المسلمين حيث ان كل مسلم هو متمسك بالاصول فعليه ان المسلمون اصوليون بمعنى انهم متمسكون بأصولهم الاسلامية ,ولاضير في ذلك . حتى ان هناك مدارس اصولية فمثلا ً الشيعه منهم اصوليون ومنهم اخباريون ( يتبعون الاخبار ) . فبدلا ً من استعمال كلمة الاصوليون يمكن استعمال كلمة متزمتون او متطرفون وهو المصطلح الاقرب والادق .
ومصطلح الارهاب : وهو مترجم عن كلمة (torrism ( وتعني الترويع والاعتداء بغير حق وهو ما يشبه البغي واصبحت متداولة ايضا ً ولها تأثيرها السلبي على عقل الانسان المسلم في الغرب خصوصاً , بينما هذه الكلمة بمعناها الاصطلاحي الاسلامي يختلف تماما ً عما سوقت به .
حيث يقول الله سبحانه وتعالى (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة من رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )) والارهاب هنا له معنى اخر هو اظهار القوة للردع وليس للاعتداء وهذا المعنى توضحه الاية المباركة التي تقول (( ان الله لايحب المعتدين )) ثم ان ارجاع المجتمع من حالة التنظيم والقانون الى الفوضى تعتبر فساد في الارض . (( والله لايحب المفسدين )) .
الاستعمار: وهي مترجمة عن (( IMPRYALISM)) بينما الكلمة الاكثر قربا ً هي الاستكبار وهي كلمة متواجدة في القاموس الاسلامي وهي اكثر تعبيرا ً ومحاكاتا ًوتوحي كلمة الاستعمار الى التعمير وترقية الشعوب وتطويرها.
الشرق الأوسط: يتفق معظم المؤرخين على أن مصطلح (الشرق الأوسط) The Middle East ظهر أول ما ظهر في كتابات المؤرخ العسكري الأميركي الفرد ثاييت ماهان (Mahan) إذ اقترح في مقال نشره في مجلة (National Review) الصادرة في لندن في أيلول 1902، إطلاق هذا المصطلح على المنطقة الواقعة بين الهند والجزيرة العربية.وسرعان ما التقط فالنتين جيرول (Chirol ) مراسل جريدة التا يمز اللندنية في طهران ،هذا المصطلح وبدأ يستخدمه في مقالاته التي كانت تنشرها جريدة التايمز. والسؤال هنا الشرق بالنسبة لمن, فأن العرب كان يطلقون كلمة المغرب على شمال أفريقيا, والمشرق على المنطقة الواقعة شرق بغداد يوم كانت بغداد قلب العالم وهو أنعكاس لوجهة النظر العربية في تقسيم العالم وبدون شك ، فان مصطلح الشرق الأوسط يعكس وجهة نظر غربية ترى أن أوروبا ، هي مركز العالم ، وان الأقاليم الأخرى تتجمع حوله. وكان الأوروبيون يعدون على سبيل المثال ، التحدي العثماني الإسلامي لهم مسألة شرقية ، والغريب ان مصطلح الشرق الأوسط ساد في الأوساط العالمية ، فاستعمله الروس ، مثلا الذين تقع منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إليهم جنوبا واستعمله الهنود الذين تقع منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إليهم غربا، وحتى أبناء منطقة الشرق الأوسط يستعملون اليوم هذا المصطلح.
لقد أصبح معلوما ان مصطلح الشرق الأوسط هو أكثر من مصطلح جغرافي ، فهو مصطلح سياسي واقتصادي ، يضم بين جناحيه أقواما من عروق شتى عربية وتركية وفارسية ، ومن أديان شتى إسلامية ومسيحية ويهودية وتمتد حدوده لتحتوي الوطن العربي ولكن مجزءاً مبتدئاً بمصر دون الشمال الأفريقي ثم إسرائيل وتعانق ذراعاه بلدانا تصل إلى أفغانستان وحتى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية شمالا. والمصطلح الاقرب والادق هو العالم الاسلامي أو العالم العربي كما كان يستعمل سابقا ً
ومصطلح العالم الثالث : ومترجم عن الانكليزية ((THE THIRD WORLD)) مصطلح العالم الثالث يُعد مصطلحا حديثا، لم يبدأ في طَرْقِ أسماع الناس سوى في النصف الأول من القرن العشرين، وأول من استخدم هذا المصطلح (الفريد سوميه) عام 1956.
وقد ارتبطت هذه الكلمة واطلقت على شعوب العالم الاسلامي وذلك ضمن تقسيم العالم من قبل الغرب , وتعني الشعوب المتخلفة . واضحى لها تأثير في عقل الانسان المسلم مما ادى الى نزعة رفض ذلك العالم .وهذه الكلمة في الحقيقة هي ترسيخ للهزيمة والشعور بالدونيةوالاحتقار الى كل ما يرتبط بها.
والكلمة الاكثر تناسبا ً هي (( المستضعفين )) .
ومن هذه المصطلحات المتداولة وبقو ة في الاعلام العربي
حرب الايام الستة : أي حرب حزيران وهذا المصطلح له مدلول ديني يهودي , فحسب رواية العهد القديم أن الله خلق الكون في ستة أيام وأستراح في اليوم السابع وهو يوم الغفران أو عيد الغفران وهو العيد الرئيس لدى اليهود . والكلمة الأقرب والأدق هي حرب حزيران أو حرب الــ 67.
عرب إسرائيل: مصطلح أطلقه الاعلام الأسرائيلي على الفلسطينيين في المناطق التي أحتلتها في عام 1948م لتعطي إنطباعا ً للمتلقي أن هؤلاء أقلية قومية ضمن الدولة الاسرائيلية وأستخدم هذا المصطلح بعد ذلك في الاعلام العربي والأسلامي .
الأسلام السياسي: وهنا أتسائل هل هناك إسلام غير سياسي ؟ وهذا المصطلح له مدلوله الفكري والثقافي, الذي يوحي بأن هناك نوعين من الاسلام . واحد على المواصفات الامريكية والاخر غير مطابق للمواصفات وبالتالي خلق نظرة دونية للأحزاب الأسلامية وتتحدث وسائل الاعلام عن الاحزاب الأسلامية وكأنها لأناس من كوكب آخر في حين نجد أن الاحزاب المسيحية التي تحكم أوربا اليوم كالحزب الديمقراطي المسيحي في المانيا وهولندا وبلجيكا والسويد وغيرها من الدول هي المسيطرة على الواقع السياسي وتقوم على أساس ديني محافظ , فيحق ( للعالم الأول) أن يؤسس أحزاب على أساس ديني ويستهجن من المسلمين ذلك.
مستوطنون ومستوطنات: وهو مصطلح أستخدم للأيحاء بأن هؤلاء القادمون ليسوا مهاجرين بل هم أبناء الوطن المتغربين والمشتتين في العالم وقد عادوا الى بلدهم الأم
فالاعلام الغربي سوَّق هذه الكلمات ودخلت في قاموس الاعلام العربي الاسلامي واصبح لها تأثير وشكلت وجدان الانسان العربي والمسلم يتفاعل معها, وصار لهذه الكلمات مرادفات حسية سلبية لدى المتلقي وبالتالي اوجدت او قل خلقت صورة مشوشة للاسلام والمسلمين عند المسلمين انفسهم وخصوصا ً هؤلاء الذين يعيشون في الغرب .
والحقيقة ان الاعلام الغربي حقيقة ضخمة لايمكن ان نغمض عيوننا عنها , وهي حقيقة كبيرة في حياتنا السياسية والثقافية ولن تنفع محاولات الاعتراض عليه والتقليل من شأنه او ان نصفه بالاعلام المعادي فهذا لا يجدي بل العكس سيزيد من تأثيره على الشارع الاسلامي وخصوصا ً بعد تطور وسائل الاتصال ....
فعلينا ان نعمل من اجل خلق لغة اعلامية لها خصوصياتنا قادرة على الوقوف والتأثير ولا يتحقق ذلك الابأحترام الاخرين والاعتراف بعقولهم اولا ً
ثم احترام عقول الناس في مجتمعاتنا وكسب المصداقية في طرح ماهو موضوعي وحقيقي .
خلق لغة ومصطلحات إعلامية تتفاعل مع المحيط الذي يعيش فيه الانسان المسلم .
تحفيز مكامن الابداع لدى الاعلاميين المسلمين .
وحول الحديث عن النقطة الثالثة هناك امثلة اسوقها في هذا السياق
ان محولات تضبيب العقول بوسائل الاعلام هي احدى ظواهر الحرب النفسية التي تشكل ترسيخها وتعميمها الى تغيير الثوابت والمسلمات عند الانسان البسيط .
كأن يصبح الدين من رواسب الماضي , والغرب مصدر كل رقي مثلا والى اخر ه .
هذه بعض التأثيرات على الاعلام الاسلامي وبما ان المسلمين الذين يعيشون في الغرب يقرأون الصحافة الاسلامية والغربية معا ً . ويجدون ذات المصطلحات في كلتا الصحافتين فيعتقدون ان الامر طبيعيا ً ومستساغا ً . ونحن في الحقيقة أصبحنا متلقين ما ينتجه الآخر لا مبدعين أو مشاركين في صناعة الأدوات والآليات الأعلامية. وفي بعض الاحيان يفرض الاعلام الغربي رؤاه الثقافية والفكرية وبوسائل متعددة وليس في عالمنا العربي والاسلامي من يحلل ويدرس هذه الضواهروحتى المسوؤلين عن الشأن الاعلامي كوزراء ومداراء عامون وغيرهم فعلى سبيل المثال ما ذكره الاستاذ الدكتورعلي كريم في كتابه ( مراجعات في ذاكرة طالب شبيب/ وزير الخارجية العراقي في عام 1963) ونقلا ً عن الوزير العراقي قوله في أحد الايام وقبل ذهابي لأجتماع مجلس قيادة الثورة شاهدت في التلفزيون فيلماً عن الحرب الكورية وكان يعكس وجهة النظر الامريكية , وعند الاستعلام عن الفيلم عرفت انه واحد من الافلام التي تصل الى المديرية العامة للأذاعة والتلفزيون كهدية من مصلحة الاستعلامات الامريكية ويبثها تلفزيون بغداد دون تدقيق أو رقابة . ويضيف الوزير أن بتقديري فأن أحدا ً لم ير تلك الافلام لا الوزير ولا المدير العام , ثم يقول فحين لقائي بوزير الاعلام سألته فيما إذا كان مطلعا ً عما يبثه التلفزيون أجابني بالنفي , وسألني بأستغراب وماذا رأيت قلت دعاية أمريكية رسمية تبرر حربها ضد كوريا وتهاجم الصين التي أيدت نطامنا الجديد, فقال وزير الاعلام لا علم لي بذلك فأجبته: إذا كنت وزيرا ً للأعلام والمدير العام هو قيادي من الصف الأول وقد مرت عليكم هذه الأمور الخطيرة معنى ذلك نحن فاقدين لجهاز الأعلام زهز أخطر أجهزة الدولة. من هذه الحادثة وغيرها كثير في عالمنا العربي والأسلامي عالم المحسوبيات لا الكفاءات يتضح ان المؤسسة الأعلامية العربية والإسلامية تحتاج الى الكثير من العمل والمهنية لمواجهة آلة الأعلام الغربي الضخمة.
ونحتاج من اجل دراسة مثل هذه المواضيع الى معاهد للبحوث الاستراتيجية اولا ً وكذلك رصد ماهو ذا تأثير سلبي من خلال كادر متخصص كفوء.
علاء الخطيب
----------
المصادر :
1- مخاطر تعريف الارهاب / جون براون
2- الاتصال الجماهيري /جون بيتنر / ترجمة عمر الخطيب / المؤسسة العربية للدراسات والنشر
3- المصطلحات الاعلامية
4- كيف يواجه العرب والمسلمون الاعلام الغربي/ جميل الحجيلان / قضايا اسلامية معاصرة
5- مدرسة الفكر الاعلامي البرجوازي / جبار محمود /دار النبأ /2000م.
6- عراق 8 شباط من حوار المفاهيم الى حوار الدم/ علي كريم سعيد
=======================================
تأثير المصطلحات الإعلامية الغربية على الخطاب الأعلامي الغربي