أحد أصدقائي يحتم عليه عمله كمهندس اتصالات في إحدى الشركات، أن لا يلبس الثوب، بل البنطلون الذي تتدلّي من حزامه وجيوبه أجهزة الاتصالات المختلفة، يتعامل كثيراً مع الإخوة الوافدين من شرق آسيا بحكم عمله من فلبينيين وهنود وبنقاليين، وهو يعيش إلى عهد قريب في حي الشميسي، حيث يجاوره الوافدون في سكنه وحيّه، بعد أن هجره الكثير من سكانه القدامى،
صاحبي استمرأ لبس البنطلون وصار يلبسه حتى خارج أوقات العمل ! يروي لنا دائماً حكايته مع البنطلون
وأنه أصبح أحد وسائله الناجعة والمضمونة في مكافحة ارتفاع الأسعار، ويؤكد أنّ بنطلوناً رخيص الثمن يوفر عليه شهرياً مئات الريالات، فهو بسبب البنطلون يحصل على الأسعار المخفضة التي يضعها الوافدون لبعضهم البعض، وهي أسعار - كما يقول - تختلف اختلافاً جذرياً عن الأسعار التي يتعاملون بها (معكم أيها المواطنون) ! ولأنّ له سحنة وهيئة تشابه الشرق آسيويين قليلاً، وبدون ( كرش) وهذه كلها مواصفات تساعد على تقمّصه لدور ( الوافد )، بالإضافة إلى إتقانه اللغة الإنجليزية وقليلاً من الأوردو، فإنّ تلك المواصفات ساهمت - كما يقول - في دخوله من بوابة عالم التخفيضات غير المعلنة والتي لا يحق للسعوديين الاستفادة منها ! بنطلونه كان جواز مروره إلى عالم التخفيضات التي يقول إنه يتمنى دائماً أن لا يتم اكتشاف أنه سعودي حتى لا يفقدها، فهو يوفر شهرياً نفس المبلغ الذي نصرفه نحن عندما نتعامل مع البقالات والمغاسل وأصحاب الورش، كما يقول ! ولأنه عزوبي فهو يغسل ويكوي ثيابه بنصف القيمة التي يغسل بها العزاب السعوديون! ويشتري من المحلات الكهربائية والمطاعم ومحلات الملابس ويصلح سيارته في الصناعية، بأسعار أقل بكثير من الأسعار التي نشتري بها! ويحكي لنا حكاية فيقول : إنه ذهب مرة إلى خياط من جنسية عربية ليقصر بنطلوناً اشتراه فلما فاصله في السعر قال له الخياط لقد أعطيتك سعراً مناسباً، لو كنت سعودياً لأعطيتك سعراً آخر !
ولقد كنت أعلم أنّ الإخوة الوافدين وبخاصة المهنيون والفنيون لا يتوانون عن زيادة أسعارهم، معتقدين أن ما يأخذونه منا زيادة عن المعقول حق لهم ! ولقد كنت أعلم أن السائح السعودي يعامل في بعض البلدان بغير معاملة أهل البلد من حيث الأسعار، ولكني لم أتصوّر أبداً أن يتعاملوا معنا في بلدنا بسعر ويبيعون لأنفسهم بسعر أقل ! وكمحاولة للاستفادة من هذا الاكتشاف الاقتصادي المقاوم لارتفاع الأسعار، فقد ضربت أنا وبعض الأصدقاء موعداً بأن نكون عصر الجمعة القادمة في أسواق البطحاء (مطقمين) بالبنطلونات!
==============================================
جريدة الجزيره