العودة   منتدى مقاطعة > مجتمع مقاطعة التفاعلي > مناقشات المستهلك > الرّأسماليّون / د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-08-2011, 02:54 PM   #1
ايمن درجي
مقاطع متميز
 
الصورة الرمزية ايمن درجي
 
رقـم العضويــة: 1337
تاريخ التسجيل: Aug 2007
مــكان الإقامـة: مكة المكرمة
المشـــاركـات: 1,820
Twitter

افتراضي الرّأسماليّون / د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه

كلمة اليوم ذات صلة بالرحمة، ليست رحمة الوالدين أو القربى ونحو ذلك، إنما رحمة المسلمين بعضهم ببعض، وأخصّ من ذلك رحمة البائع بالمشتري، والتاجر بالمستهلك.
الغلاء اليوم من كوارث العصر، الذي أضاف إلى قائمة الفقراء، فقراء جدد لا يملكون ما يشترون به ضروراتهم وحاجاتهم، ليس لعدم مدخولاتهم، بل لأن هذه المدخولات ما عادت تقدر على مجاراة الارتفاع غير المسوّغ للأسعار، فقط في السنوات الخمس الأخيرة.
هذه قضية شائكة ومشكلة خانقة، لها أسباب ترجع إلى سبب واحد رئيس، ليس من نظام الإسلام، ولا من أخلاق وطرائق المسلمين المؤمنين.
البائع عندما يشتري بضاعة، فهو يشتريها بغرضين:
تيسير السلع في الأسواق للعموم، والانتفاع من الربح وكسب المال.
وهو ينظر ويراعي في بيعه حال المشتري، وقدرته على الوفاء بثمن السلعة، فلا يزيد عليه في السعر إلى حد الإضرار بمدخوله، باضطراره دفع أكثر مما ينبغي عرفًا، خصوصًا إذا ما كانت السلعة من أساسيات الحياة كالطعام، والكسوة، والمركب، وموادّ البناء.
فكما يريد الربح لنفسه، فهو يريد ألاّ يترك أخاه المشتري عالة يتكفّف الناس؛ لإنفاقه ثلث ما عنده لأجل تلك السلعة التي لا غنى عنها.
هذه أبسط صفات التاجر المسلم المؤمن، في مهنته التي امتهنها؛ وعلى هذا كان جلّ تجار المسلمين فيما مضى، فلم تكن معاناة غلاء الأسعار إلاّ بسبب واحد، هو قلّة العرض وكثرة الطلب، وفي هذه الأحوال من الطبيعي حدوث الغلاء.
أما اليوم فالأسعار تشتعل بلا قلة في العرض، ولا كثرة في الطلب، بل لسبب آخر خطير.
قبل أن نعرض لهذا السبب، نعود إلى حال التاجر المسلم، الذي كان من صفاته الرحمة بالمشتري، ليس في ترك المغالاة في أسعار السلع، بل في مسامحة الفقير إن عجز، وقد ضرب في هذا النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً حسنًا فوق ذلك، عندما اشترى من جابر بن عبد الله بعيرًا، وهو في سفر، فباعه واشترط ظهره إلى المدينة، ثم أنقده الثمن، فلما وصلوا المدينة، أعاد له بعيره، قال جابر: (اشترى مني بعيرًا، على أن يفقرني ظهره سفره أو سفري ذلك، ثم أعطاني البعير والثمن) رواه ابن ماجه وأحمد وغيرهما.
فسنّ سنّة حسنة صلى الله عليه، وعلم كيف يشتري من الفقير سلعته، ثم يعيدها إليه مع ثمنها، وهذا حال لم يخطر على بال إلاّ نبي.
لا أريد أن أخوض أكثر في وصف التاجر المسلم، فإنّ من أخص أوصافه: أنه يرضى بالمعقول واليسير من الربح، ولا يزيد فيبالغ؛ لأن الربح ليس غايته الوحيدة، بل قصد معه التيسير على الناس بتسهيل السلع بين أيديهم، وهو على نيّته هذه مأجور.
لأجل هذا، لم يكن بين تجار المسلمين من هو فاحش الثراء، ولا الذي يغتني في عشية وضحاها؛ لأن طريقة التجارة المرحومة مانعة من ذلك، فحش الثراء الحادث في غمضة عين بغتة، لا يكون عادة إلاّ من طريق الكسب غير المشروع، كالربا، أو القمار والميسر، أو السرقة، أو الاحتكار ونحوها من طرق الاستيلاء على الأموال بالباطل.
المشكلة في هذا العصر:
أن كل تلك الطرق المحرَّمة الباطلة المنكرة، قُنِّنت بالقانون وأُبيحت بالنظام المالي التجاري في دول العالم كافة، بطرق إما صريحة كالربا والقمار، أو ملتوية كالسرقة والاحتكار.
بدأ هذا النظام في أوروبا وأمريكا بالنظام الرأسمالي، ثم انتشر في كل العالم بلا استثناء يذكر، هذا النظام هو المسؤول الأول عن تفاقم الأسعار، وإحداث زلازل اقتصادية وبركان في الأسعار، حممها تحرق من حولها من قريب وبعيد، وانشقاقاتها تبتلع كل من كان في دائرة الزلزال، بلا تؤدة ولا رحمة.
هذا هو السبب الرئيس الذي أشرنا إليه بداية الحديث، الرأسمالية الطاحنة، التي فرضت هيمنتها حتى على التاجر المسلم، كونه نظامًا غربيًّا، يستمدّ هيمنته من هيمنة الغرب على العالم؛ فالذي يهيمن سياسيًّا وعسكريًّا، من الطبيعي أن يهيمن اقتصاديًّا وثقافيًّا.
تقوم الرأسمالية على مبدأ رئيس، هو:
لا حدود للربح؛ فالتجارة طريق لسقف غير محدود من الأرباح.
لأجل تحقيق هذا المبدأ، شرع النظام الرأسمالي في سنّ قانون، طُبّق في أوروبا وأمريكا، وطُبّق في أكثر دول العالم، وهو يسعى لشمول كل قطر، تحت مسمى "العولمة".
من القوانين المحقّقة لمبدأ: "لا حدود للربح":
أولاً: الأسواق الحرة التي لا يحقّ أن تدخل فيها الدول بتحديد أسعار السلع، بل تترك للتنافس بين الشركات، وما ينتج عن ذلك من رفع أو خفض للأسعار.
ثانيًا: الربح المستمر المتزايد، عامًا بعد عام، لا بل شهرًا بعد شهر، ويُقاس مدى نجاح الشركة ومنافستها للأخريات، بمقدار ارتفاع أرباحها، وعندما يذكر عن شركة خسارتها في هذا العام، فليس ذلك في رأس المال، إنما انخفاض في الربح مقارنة بالعام الماضي.
هذان البندان في قانون الرأسمالية، المبني على أساس تحديد مبدأ: "لا حدود للربح". هما أساس الكوارث الشرائية وغلاء الأسعار. وكافة شركات العالم، والشركات المحلية بدأت في تطبيقهما، منذ أن اقتبست الرأسمالية كما هي، باستيراد البنوك وتوابعها من هذا النظام.
والمراقب يرى جليًّا رفض كل الشركات – إلاّ ما ندر – الوصاية عليها في تحديد أسعار منتجاتها، ولو كانت من جهة رسمية، وتعمل بشكل واضح للتحايل للخروج من هذا التحديد بالتحايل بطرق ملتوية لا تخفى، بل وتستدل بالحديث في منع التسعير: (إنّ الله هو المسعّر، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس في عنقي مظلمة لأحد). يأخذون من الوصية النبوية ما أعجبهم، لا يدركون أنه منع للتسعير حال الغلاء الطبيعي؛ قلة العرض وكثرة الطلب، لا الغلاء المفتعل لأجل زيادة الربح.
كما أن القارئ لأي صحيفة، يرى تنافس الشركات لإظهار ارتفاع أرباحها بمئات الملايين في هذا الربع من العام عن مثله من العام المنصرم.
إذا كان هذا هو نهج الشركات؛ فالغلاء سيستمر، فكلّها تريد أرباحًا متصاعدة، ولن تتصاعد إلاّ على ظهور المستهلكين، ومنهم الضعفاء والمساكين والفقراء، الذين لا يجدون في مقابل هذه الحملة المسعورة ما يكافئها من زيادة معتبرة في مدخولاتهم، فيحدث لديهم اختلال في الموازنة ما بين قدرتهم على الشراء، وثمن المشتريات، فيقعون في العجز والدين والفقر والمسغبة.
فهل هذه رحمة بالمسلمين، أم إعنات وإشقاق، ومن شقّ على الناس شقّ الله عليه، والله تعالى جعل في جهنم عقبة، لا يتخطاها فيقتحمها متجاوزًا إلاّ رحيم بالفقراء والمساكين، الذين يتلمّسون ضعف الناس، فيرفعون عنهم ضعفهم، وينظرون يوم الجوع والحاجة، فيطعمون وينفقون بلا حساب، وليس الذين يزيدون الفقير فقرًا، ويكشفون ستر المستور، فيخرجونه من بيته مادًّا يده، يطلب قوت بناته؛ إذ أعجزت الحيل إلاّ عن هذا: (فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيمًا ذا مقربة * أو مسكينًا ذا متربة).
من المستكره علينا نحن المسلمين، أن نستورد هذا النظام الغاشم الجبار العاتي في الأرض، الذي يقوم على المقولة الاستعمارية القديمة: "القوي يأكل الضعيف". أو المقولة العولمية الجديدة: "إما أن تأكل أو تُؤكل". فإنه نظام صهيوني يعبد الدرهم والدينار، نظام يريد أن يهلك ثلاثة أرباع العالم، لئلا يزاحمه على ثروات البسيطة، والبقية تكون خدمًا، عبدة الشيطان، بل الشيطان يعجب من مكرهم وحيلهم وجبروتهم، الشيطان يتعلم منهم.
وبهذا النظام هم اليوم يهدّدون العالم كله بفقر مدقع، وقد أفقروا ما يزيد على مليار نسمة، لا يجدون قوت اليوم، وكثير منهم عمال في مصانع ومزارع لهؤلاء الرأسماليين، يخدمون كما تخدم البهائم، والبهائم خير منهم، تُعطى ما يكفيها من الطعام، وهم لا يُعطون، فيشكون عملاً مضنيًا، وجوعًا مبرّحًا.
هذا السكر والقهوة والشكولاته والشاي والأرز، وهذه الملبوسات التي نجدها في الأسواق، تُنتج بأيدي عمال بؤساء، خلقوا ليكونوا آلات تعمل ليل نهار، بلا مقابل يذكر.
هل نريد أن نكون كذلك؟!
إذا ارتأينا أن ندخل عجلة الرأسمالية والعولمة، وقد دخلناها إلاّ قليلاً، فلن نملك إلاّ أن نكثر الفقراء والمعوزين وذوي المسغبة بيننا، يعيشون كما يعيش أهل الصفيح والكهوف والمقابر والقوارب بل والأرصفة، وقد يموتون من المجاعة كما يموت أهل الصومال اليوم.
هذا لا يليق بنظامنا نحن المسلمين، ولا بأخلاق المؤمنين، ولا يكفي أن يتصدق تاجر ببعض ماله؛ زكاة أو كفارة صدقة، فأحسن الصدقة أن يُغني الفقير حتى لا يعود إلى الحاجة، وقد ذكر الفقهاء أن المستحق من الزكاة يُعطى ما يكفيه عمره، أو سنوات، أو سنة. فلو وظفه في وظيفه، وأعطاه ما يجبر الخاطر، ويكفي المعايش، ثم أعانه من طريق خفض أسعار السلع، فهذا خير من أن يعطيه ما يمنّ به من صدقة وهبة ونحوها، فهذا المسلم إنما هو أخ في الدين، عونه من أوجب الواجبات، والله في عون المرء، ما دام المرء في عون أخيه، وأي نعمة أحسن من أن تكون لديك يد عليا تنفق بها، وتغني من فقر.
المصدر: الاسلام اليوم
http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-43-154484.htm

___________________________

"فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12)" سورة نوح
_______________________________________
للتأكد من الأيات بنصها راجعها في
www.qurancomplex.org
والأحاديث وبعض كتب الفقه راجعها في
www.al-islam.com
=================
@Aimn_Darji
ايمن درجي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:04 AM.