العودة   منتدى مقاطعة > مجتمع مقاطعة التفاعلي > توعية المستهلك > ثقافة الاستهلاك.. تقود إلى الهاوية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-03-2011, 08:58 PM   #1
ابوعمارالمحتار
مقاطع جديد

 
رقـم العضويــة: 16845
تاريخ التسجيل: Feb 2011
المشـــاركـات: 14

Thumbs up ثقافة الاستهلاك.. تقود إلى الهاوية

تحول بعض المجتمعات إلى مجتمعات مستهلكة بدل حرصها على أن تكون مجتمعات منتجة.. ينجم غالبا عن غياب الوعي بخطورة هذا الاتجاه الذي لا يلبث أن يتحول إلى ظاهرة تعيق النمو الاقتصادي، سواء على المستوى الفردي أو المستوى الوطني، كما تؤثر سلبا على المشاريع الوطنية الإنتاجية، نتيجة تسرب رأس المال الوطني لتأمين المواد الاستهلاكية ذات المنشأ الخارجي.

وغالبا ما تشكل قيمة المواد المستوردة نسبة عالية من الديون الاستهلاكية للأفراد، وهي ديون تسبب ضغوطا اقتصادية ونفسية على هؤلاء الأفراد، تؤدي بدورها إلى إرباك إيقاع الحياة لديهم، ليصبحوا أسرى لهذه الديون ولسنوات طويلة، وربما تفاقمت الأرباح المترتبة على هذه الديون في حالة العجز عن تسديد أقساطها في الأوقات المطلوبة، مما يزيد الطين بلة، ويصل الأمر بهؤلاء الأفراد إلى طريق مسدودة، وملفات هذا النوع من القضايا تشغل حيزا كبيرا من رفوف المحاكم الشرعية، وربما كان ضحيتها الكفلاء الذين يتصدون بحسن نية لحماية ذوي الاتجاه الاستهلاكي النهم، فيقع من يكفلهم في مأزق سداد الديون المستحقة، فالكفيل عارم.

والتوفيق بين الاستجابة لمتطلبات الحياة وتجنب القروض الاستهلاكية يحتاج إلى قوة إرادة في ظل الإغراءات التي تقدمها البنوك لأصحاب الدخل المحدود، من موظفي الدولة والمؤسسات والشركات الكبرى، وغالبا ما ينتج عنها الوقوع في مصيدة هذه الإغراءات عند الحاجة لبعض الكماليات التي أصبحت في حكم الضروريات من وجهة نظر أخرى، وهذه المعادلة الصعبة التي تتحكم فيها الاحتىاجات مقابل الإمكانيات.. ضحيتها في النهاية هم الأفراد الذين لا توفر لهم مجتمعاتهم ما يتوفر لغيرهم في مجتمعات أخرى، من مجانية بعض الخدمات كالكهرباء والماء، وكذلك السكن المجاني، وإعانات الضمان الاجتماعي التي تزداد بازدياد عدد أفراد الأسرة، وهذا أمر لا دخل له بإجمالي الدخل للدولة، بقدر ارتباطه بالسياسة الاقتصادية العامة لهذه الدولة.

ومع كل الأخطار المترتبة على القروض الاستهلاكية، فان أرقامها في ازدياد مطرد، دون أن تتوفر التوعية لتلافي هذه الأخطار، حتى لا يقع الفرد في هذا المحظور، ولدى الكثيرين أعذارهم لتبرير هذا السلوك، ورغم ذلك يمكن القول أن ترشيد الإنفاق فيما يتعلق بالاستهلاك العادي أمر ممكن إذا وجدت الرغبة في ذلك، بدليل إصرار بعض ذوي الدخل المحدود على الإنفاق في حدود الإمكانيات المتاحة، بل والتوفير في بعض الحالات، دون أن يدخلهم ذلك في دائرة البخل أو التقتير، بل ينقذهم من دائرة الإسراف والنفاق الاجتماعي المرفوض، وما يلازمه من مظاهر البذخ المختلفة.

إن تحويل المجتمع إلى مجتمع منتج يحتاج إلى إعادة نظر في الكثير السياسات التربوية والتعليمية والكثير من القناعات الشخصية، للحد من السلوكيات الاستهلاكية التي لا ترتبط أحيانا بالاحتىاجات الضرورية بقدر ارتباطها بالتقليد أو المظهر الاجتماعي، فتأصيل سلوك الترشيد، يحتاج إلى خطط عملية تسايرها توعية شاملة، ولابد أن تتضافر جهود كل الجهات المعنية للقيام بهذه المهمة، وفق إستراتيجية مدروسة تبدأ مع البدايات الأولى للتعليم، وتستمر في المدرسة والمسجد ووسائل الإعلام، يصاحب ذلك توعية إنتاجية تبدأ من الأسرة المنتجة، ولا تنتهي بإزالة نظرة التذمر من مزاولة الأعمال المتواضعة، والإقبال على العمل في المصانع، مع محاولة دعم جهود إحياء بعض الصناعات التقليدية الملائمة للحياة العصرية والتي يمكن تصنيعها على مستوى الأسر المحتاجة.

إن مظاهر السلوك الاستهلاكي تبرز في أكثر من جانب من جوانب الحياة العامة للفرد أو المجتمع، حتى أصبحت هذه المظاهر أشبه ما تكون بالثقافة العامة التي يتفنن بعض الأفراد في ممارستها، أو ابتكار أنواع جديدة منها، اعتمادا على التقليد، وسوء استخدام ما تقدمه التقنيات المتطورة في مختلف أنواع التقدم العلمي، ومع كل ما يقال عن حسن الظن واستبعاد نظرية التآمر، فلابد من الاعتراف بأننا في عصر تتنازع فيه الدول الكبرى للاستيلاء على مقدرات الشعوب الصغيرة، وسلب ثرواتها، وإغراق أسواقها بالمنتجات الاستهلاكية، وإرغامها على التبعية الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية، وهي تبعية ماحقة لكل ما يعني الانتماء للهوية الدينية أو القومية او الوطنية، وما ثقافة الاستهلاك التي تستهدف معظم شعوب الدول النامية، سوى وسيلة من وسائل إرغام هذه الشعوب على أن تظل على الدوام تستجدي جميع وسائل الترفيه من تلك الدول الكبرى، مقابل استنزاف ثرواتها الوطنية، وضمان عدم يقظتها لتدرك ما فاتها في ركب الحضارة، وكل ذلك يقودها في النهاية إلى الهاوية.
ابوعمارالمحتار غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:42 AM.