الاقتصادية تنبش أسرار «مخزن الوظائف المعطَّل» (8)
التجزئة.. «أبو ريالين» يتمدد في أحشاء الاقتصاد
وجدي القرشي من مكة المكرمة
تحت سقفها تجد كل شيء، بريال، وبريالين، وبخمسة، وبعشرة.. وأحيانا بـ 500 ريال، لكن الجميع يعرفها بالمخفض أو أبو ريالين. أسواق تناثرت في شوارع المملكة، تعلوها الزينة، وتباهي بالصور البراقة.. عمالتها أجنبية، وأموالها يثار حولها الكثير، أما الجودة فحدث ولا حرج. إن رأيت زحمة في شارع عام فاعلم أنك تقترب من بواباتها. داخلها تعرض الملابس والأواني والمنظفات، بل إن بعضها يبيع عدة السباكة والمفاتيح، والمناظر الجمالية والزهور الصناعية. اترك كل ذلك، فمن حق الجميع أن يباشر التجارة، لكن من حقنا أن نسأل: من يتحمل رداءة ما يباع في محال أبو ريالين؟ ومن المسؤول عن دخولها إلى البلد؟ ثم في ظل هذا الإقبال الكبير.. هل هناك رقابة على أموالها التي تدرها كل يوم؟
والسؤال الذي لا يقل أهمية.. ما الذي يحرم السعوديين من العمل في هذه المحال أو حتى تملكها؟ في حلقتنا الثامنة من هذه السلسلة نتطرق إلى ركن آخر من سوق التجزئة السعودية هو ما يعرف بـ "أبو ريالين"، وذلك بعد حلقات تطرقت إلى البقالات، إنها جزء من سوق التجزئة الذي يدر مليارات الدولارات وفرص العمل للأجانب، ويطرد السعوديين.. فإلى التفاصيل:
انتشار كبير
في البداية سألنا اقتصاديين عن سر تكاثر هذه المنشآت خلال العامين الماضيين، فأكدوا أن تأثر دخول الأسر في ظل الأزمات المالية الأخيرة دفع كثيرا منها للإقبال على هذه الأسواق، وبالتالي شجع الطلب عليها بعض المستثمرين على الدخول فيها. وأضافوا أنه على الرغم من أن الكثير من محال أبو ريالين، تحتوي على بضائع رديئة الصنع، الأمر الذي يجعلها قنابل موقوتة، لعديد من الأمراض السرطانية، إضافة إلى الأضرار البيئية، إلا أنهم أكدوا أن تلك المحال أصبحت خيارا لكثير من الأسر محدودة الدخل، حيث إن هذه الشريحة من المجتمع لا تهمها جودة الصنع، بقدر ما يهمها انخفاض سعر المعروض. وطالبوا الجهات المسؤولة، أن تكون هناك مراقبة مكثفة، ومستمرة، لمحال التخفيضات، وأن تكون هناك إجراءات مشددة على متابعة البضائع القادمة من الخارج، ومدى مطابقتها المواصفات والمقاييس السعودية، لكي تكون هناك تجارة خالية من مخاطر الصحة والبيئة. وعلى الرغم من اقتصاديات محال أبو ريالين المرتفعة، إلا أن هناك مستثمرين أكدوا أنها تعد فرصة سانحة لتوظيف أكبر عدد من الشباب السعودي إذا تمت بلورتها، وهيكلتها بشكل علمي وعملي مدروس، إذ إن محال الخرداوات الكبيرة، تتطلب وجود عمالة بشرية كبيرة، منذ استيرادها، من المصانع الأم، وحتى وصولها إلى الزبون، حيث إنه في حال عمل توافق مخرجات البيع، والموارد، تستطيع تلك الصناعة توفير آلاف الوظائف التي من شأنها أن تسهم في عملية انخفاض نسبة البطالة التي تسعى لها المملكة منذ فترة طويلة، وخصوصا أن مخرجات تلك المحال تسمح لها أن توظف الشاب السعودي براتب لا يقل عن ألفي ريال فما فوق، خاصة في عمل (الشفتات)، والتي ترتكز عليها محال الخرداوات، في ظل بدء عملها منذ الصباح الباكر، وإغلاقها في الساعات الأولى من فجر اليوم التالي.وفي المقابل حذر أطباء من مخرجات محال الخردوات ''أبو ريالين''، مشيرين إلى أن أغلب المنتجات التجميلية المقلدة أو التي لا تحمل اسما تجاريا معروفا، يتم تحضيرها في شركات ليست طبية تجميلية، وتستخدم في تحضير مكوناتها مواد غير معروفة لدى المستهلك أو الطبيب، إضافة إلى أنها غير مسجلة من ضمن الشركات التجميلية المعروفة عالميا، وبالتالي لا يمكن الوثوق بمكوناتها التي قد تؤذي البشرة.
هدايا نجاح
يقول الدكتور زيد بن محمد الرماني المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ''محال التخفيضات وجدت رواجا في السنتين الماضيتين، بعد مشكلة ارتفاع الأسعار، إضافة إلى شح المصادر المادية للأسر، في ظل وجود متطلبات أسرية كبيرة، مما حتم التوجه إلى تلك المحال، لمحدودية سعرها، وتفي بالغرض الذي من أجله قدم إليها، إضافة إلى أن تلك المحال تذخر بعديد من بضائع الهدايا، والتي تلقى طلبا كبيرا من شرائح المجتمع، خصوصا المعلمين والمعلمات، الذين يرون أن الهدايا رخيصة الثمن هي الحل الأمثل في تلبية متطلبات الطلاب والطالبات، عند تقديمها لهم كهدايا عند النجاح في المراحل التعليمية''.
بين الرديء والجيد
وأضاف ''في الماضي لم تكن متطلبات الأسرة كثيرة، ولكن في الأعوام الأخيرة، ارتفعت تلك المتطلبات، وأصبحت بمعدلات مرتفعة، فجميع أفراد الأسرة لديهم متطلبات، في ظل محدودية دخل رب الأسرة، الذي يجد في تلك المحال المتنفس الاقتصادي له في تحقيق جميع رغبات أفراد الأسرة، الأمر الذي يخلق لديه توازن اقتصادي في مدخولاته المادية، التي تسمح له بالعيش إلى نهاية الشهر، من دون أن يتعرض لضغوط مادية''. وأبان المستشار الاقتصادي ''تلك المحال على الرغم من احتوائها على بضائع رديئة الصنع، ولكن في المقابل توجد فيها بضائع جيدة، والحكم في هذا الموضوع هو المشتري الذكي الذي يختار أفضل الأنواع، وأرخصها، بينما هناك شريحة كبيرة من المجتمع لا هم لهم إلا رخص الثمن، بعيدا عن كونها رديئة الصنع، أو تسبب أضرارا صحية''.
أضرار صحية
وتابع الرماني حديثه ''أعتقد أن خطورة الأضرار الصحية والبيئية من البضائع الرديئة التي تفرزها محال التخفيضات، أو التي يسميها البعض الخرداوات، ليست نابعة من التجار أو من يأتي بها من الخارج، ولكن الخطورة تكمن في من سمح لهم باستيراد هذه الأنواع وبيعها، ويفترض أن تكون لدينا مواصفات قياسية، وجودة، ومواصفات للسلع التي تباع وتتداول، لكن كل من هب ودب يأتي بأي سلعه، ويتم توريدها للبلد، وفسحها، والسماح ببيعها. هنا لا نستغرب من هؤلاء التجار ألا يكون لديهم أي اهتمام بصحة المجتمع، ومدى خطورة البضائع التي يستوردونها، ولذلك نحن في حاجة إلى جهود كبيرة من هيئة المواصفات والمقاييس، وجمعية حماية المستهلك، ووزارة التجارة، ومن مؤسسات العمل الاجتماعي، في متابعة مثل هذه الحالات لمعالجة خطرها، لأننا متفقون على أن أخطارها كثيرة جدا، خاصة ما يتعلق بالاستخدام البشري في الوجه أو اليدين، على الرغم من ضرورة وجود مثل تلك المحال لتخدم شريحة كبيرة من ذوي الدخل المحدود، ولكن بشرط أن تكون هناك رقابة صارمة على ما تفرزه من بضائع''.
التنظيم أولا!
من جهته، أكد الدكتور أيمن بشاوري وهو خبير اقتصادي، أن تنظيم اقتصاديات محال التخفيضات سيسهم وبشكل كبير في توفير فرص عمل للشباب، بشرط أن تكون هناك محفزات في الرواتب، والمكافآت. وأشار إلى أنه فيما لو تحقق حلم إنشاء مصانع تعنى بصناعة التخفيضات، خصوصا في مكة المكرمة التي تشتهر بمقدساتها، ستكون من الصناعات المثمرة اقتصاديا. وأضاف بشاوري أنه في حال إنشاء مصانع معنية بتجارة التخفيضات خاصة في مكة المكرمة التي تعد قلب العالم الإسلامي، وترغب الأعداد المليونية الزائرة في تخليد ذكرياتها بشراء أشياء تتعلق بمكنوزات العاصمة المقدسة والمدينة المنورة، فهناك مقترح ببناء معارض دائمة لترويج سوق التخفيضات في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وقال باستطاعة وزارة التجارة والغرف التجارية النظر في هذا المقترح ودراسة إمكانية نجاحه ودعمه لترويج المنتجات المحلية من سلع وخدمات.
سلع للتصدير وبين إنه يمكن التركيز على عرض السلع والخدمات القابلة للتصدير، فالتواجد في الأماكن المقدسة والمواسم يولد فرصا لا تحصى لترويج المنتجات المحلية بين المعتمرين والحجاج المحليين؛ مما يدعم الاستهلاك المحلي من السلع والمنتجات المحلية. ويعد تقديم عينات مجانية أو منح خصومات كبيرة على السلع والخدمات للحجاج والمعتمرين من أحد أهم وسائل جذب اهتمامهم لهذه السلع والخدمات.
أمراض جلدية
فيما يتعلق بالجوانب الصحية يقول الدكتور إبراهيم الحربي وهو استشاري أمراض جلدية، إن مستخدمي المواد المقلدة من عطور ومستحضرات تجميل يتعرضون في بادئ الأمر لتهيجات جلدية وحساسية تتطور إلى سرطانات جلدية، كما تسبب بعض المستحضرات هالات سوداء تحت أسفل العين، إضافة إلى ترهلات وتجاعيد يصعب علاجها. وأضاف أن أغلب المنتجات التجميلية المقلدة أو التي لا تحمل اسما تجاريا معروفا، يتم تحضيرها في شركات ليست طبية تجميلية وتستخدم في تحضير مكوناتها مواد غير معروفة لدى المستهلك أو الطبيب، إضافة إلى أنها غير مسجلة من ضمن الشركات التجميلية المعروفة عالميا، وبالتالي لا يمكن الوثوق بمكوناتها التي تؤذي البشرة، مشيرا أن هناك الكثير من الحالات المرضية التي تم رصدها نتيجة استخدامها مواد غير معروفة أدت إلى تساقط شعر الرأس وحروق وتهيج في البشرة.
المستهلك ضحية
وأكد الحربي أن الإسراع في المعالجة عند حدوث مشكلات في البشرة سيعجل بالشفاء، أما التأخير فحتما سيؤدي إلى تفاقم المشكلة، موضحا أن أكثر المشكلات التي يعانيها المستهلك تتمثل في عدم وجود تاريخ انتهاء الصلاحية على عديد من المنتجات التجميلية، ما أدى إلى دخول منتجات تقليدية بكثرة إلى الأسواق، لافتا إلى ضرورة عمل اختبار بسيط للتأكد من سلامة المنتج على البشرة عن طريق دهن كمية صغيرة منه على الرقبة والمكوث لساعة أو ساعتين وفي حالة ظهور حكة أو احمرار، فينبغي الابتعاد عنه.
بضائع صينية
من جهته قال هاني المطرفي مستثمر في عالم التخفيضات ''إنه على الرغم من استيرادنا البضائع الصينية، منخفضة التكلفة، إلا أننا نسعى ونحرص على تطابقها مع هيئة المواصفات والمقاييس السعودية، والتي تكون حريصة على تفادي المنتجات منتهية الصلاحية، ونسعى جاهدين أن نجعل لصناعة محال التخفيضات، هوية بذكر الاسم التجاري المعروف لها وبلد المنشأ، وجودة الاستخدام. وأشار أن من أكبر البضائع التي يقبل عليها زبائن محال الخردة، وأكثرها هي البضائع ذات الأجزاء الصغيرة مثل السلاسل والمفاتيح، والمستهلكات اليومية مثل مستلزمات الخياطة وقرطاسية المدارس كالدفاتر والأقلام''.
صراع داخلي
وأشار المطرفي في الوقت ذاته إلى أنهم يعانون هجمات شرسة من قبل وسائل الإعلام، بأن ما تحتويه محال التخفيضات هي بضائع رديئة الصنع، ومضرة، مبينا ''محال التخفيضات الكبيرة، تنتهج في اختياراتها للبضائع سمة جودة المواصفات، ولا يمنع أن هناك تجارا دخلوا في سوق التخفيضات، ولا هم لهم سوى الكسب السريع، ضاربين بالمصلحة العامة عرض الحائط، وتلك المحال تأتي بالتخفيضات أو من يطلق عليهم ذوي ''أبو ريالين'' هم من أضروا بسمعة سوق التخفيضات، فالمحال الكبيرة لديها بضائع أبو ريالين، وغيرها من البضائع التي تصل في بعض الأحيان إلى 200 ريال، وذات جودة معقولة، وغير مضرة بالصحة، بل على العكس اقتصادية، وذات توفير عال، وبالتالي الهجمات الشرسة التي نلقاها من وسائل الإعلام، سواء من نقاد اقتصاديين، أو متابعين لسوق التخفيضات، منبعها هؤلاء التجار الذين أفسدوا على تجارتنا، ونطالب بضرورة مراقبتهم، والعمل على إنهاء تجارتهم.
تجار شنطة
وساق المطرفي مثالا على أكبر المنافسين الذين عطلوا تجارة التخفيضات هم تجار الشنط من بعض الشباب الذين يسافرون إلى دول شرق آسيا للترفيه والسياحة ويأتون حاملين معهم شنطا فيها بضائع خردوات متنوعة يشترونها بثمن بخس وهدفهم من ذلك استرداد رساميلهم التي صرفوها في سفرهم وسياحتهم.
200 ألف فرصة
وقدر المطرفي حجم الوظائف التي يمكن أن توفرها هذه التجارة بنحو 200 ألف وظيفة في السوق السعودية للشباب والفتيات، متى ما تأسست مصانع سعودية تعنى بصناعة التخفيضات، منشأ، وجودة، وخصوصا أن المملكة لها تجارب سابقة في صناعة البتروكيماويات والتي تعد الرديف لسوق التخفيضات، ''هناك فرص كثيرة، فيما لو عملت لها الدراسات، المستمدة من أسس علمية، قائمة على مدى الاستفادة من الطاقات والإمكانات المادية، والبشرية التي تزخر بها المملكة.
لا فرص حاليا
في المقابل أكد عدد من الشباب مواجهتهم لمعوقات أسهمت في بعدهم عن العمل في محال التخفيضات، أهمها أن الكثير من تلك المحال يديرها عمالة أجنبية، يجدون منهم محاربة وتمييز أبناء جلدتهم عليهم، إضافة إلى ساعات العمل الطويلة التي تميز عمل تلك المحال، والأجور الزهيدة مقابل هذا العناء الطويل من العمل. وقال عبد الله الكبكبي شاب عمل لفترة لم تتجاوز 20 يوما فقط في أحد محال البيع في العاصمة المقدسة، إنه عانى العمل الطويل والمرهق، وخصوصا أن محال العاصمة المقدسة تشهد إقبالا كبيرا طوال السنة، لتوافد ملايين المعتمرين، والحجاج في فترة الحج، وكذلك المقيمين والمواطنين، مما جعل العمل مرهقا له، مقابل المبلغ الذي كان قد اتفق عليه مع صاحب المحل، والذي لا يتجاوز 1500 ريال، إضافة إلى أنه واجه تعاملا جافا من قبل مديري المراكز الأجانب والذين وضعهم صاحب المحل لإدارته، من حيث كثرة المتطلبات العملية التي يطلبونها منه، ومحاباتهم لأبناء جلدتهم، من خلال إراحتهم، والسماح لهم بأخذ الإجازات، أو الاستئذان.
مكاسب خيالية
وأضاف الكبكبي بالقول ''إن محال التخفيضات تكسب كثيرا، وأنا لا أحسدهم على رزقهم، ولكن يجب أن نلقى منهم الاهتمام، وخصوصا أننا من أبناء وطنهم، وبالتالي الوازع الوطني يجب أن يكون عاليا، ويسعوا إلى مساعداتنا، ورفع الأجور، التي من تعد من أهم أسباب استمرار الشاب في عملهم، حتى لو كان مرهقا، ما دام هناك مردود مالي يكفيهم لإعالة أسرهم، والصرف على متطلباتهم الشخصية''.
http://www.aleqt.com/2011/01/29/article_497458.html