أشغلونا الله يهديهم
محمد بن سليمان الأحيدب
أحب أن أستشهد بأمثلة أو مواقف عند طرح ما قد يساء فهمه لكي يفهم، وهنا سوف أستشهد بالانشغال بالتافه من الأمور عن الهام بموقف طريف غريب (سخيف) فعندما كنت معيدا في كلية الصيدلة في جامعة الملك سعود كنا نستعد لإجراء اختبار عملي هام لطلبة أحد مقررات علم الأدوية وهو امتحان يستغرق أربع ساعات ويتطلب تحضير محاليل فيسيولوجية بكميات كبيرة يستخدمها الطلاب لإجراء تجاربهم، ويجب البدء في تحضيرها مبكرا وأذكر أنني كلما دخلت معمل التحضير حيث يقبع زميلان عزيزان فنيان من السودان الشقيق مهمتهما تحضير هذه المحاليل، وجدتهما منهمكين في نقاش حاد، كل منهما يورد حجته ودليله ومرجعه ولكن حول ماذا؟ حول العقرب إذا سقطت في وعاء ماء فهل يصلح للوضوء أم لا.
قارب وقت الامتحان والمحاليل لم تحضر وفاتتهما صلاة الظهر مع الجماعة ودخلت عليهما بعد الصلاة وأحدهما يردد: الترمذي قال .. ينطقها بلهجة أحبتنا في السودان بالزاي بدل الذال (الترمزي قال)، فنفد صبري وقررت حسم الموضوع وصرخت بهما قائلا: والله لو علم الترمزي بأنكما تركتما صلاة الجماعة وأداء واجبكما نحو الطلاب من أجل هذا الحوار لألقم فم كل منكما عقربا، ثم إن العقرب لا يستطيع تسلق الإناء ولو سقط فيه من علو فمتى تأتي الصدفة التي يسقط فيها عقرب في وعاء ماء ولا يوجد غير هذا الماء، إنه افتراض شاذ غريب لكن المؤكد أن أكثر من 30 طالبا لن يجدوا ماء لإجراء اختبارهم بعد دقائق.
تذكرت هذا الموقف وأنا أتحسر على عام انشغلنا خلاله بفتوى رضاعة الكبير عن فتوى إهمال الشيخ الكبير أبا أو جدا أو عما أو خالا في دور الرعاية دون رعاية، وانشغلنا إعلاميا بموضوع توظيف الكاشيرة عن بطالة الآلاف من المعلمات والممرضات والصيدلانيات والطبيبات والمحاسبات وفنيات الحاسب الآلي ومثلهم من الشباب في كافة التخصصات بسبب تعنت القطاع الخاص ومقاومته للسعودة، وانشغلنا بجني كاتب العدل عن آلاف (الإنس) ممن ينشدون الإنصاف والعدل والنظر في قضاياهم وإنهاء معاملاتهم، وانشغلنا بقيادة المرأة للسيارة عن حق المرأة المعلمة في الوصول الآمن إلى مقر عملها وتعيينها قريبا من مكان إقامتها أو تأمين المواصلات الآمنة المجدولة لها وحماية أرواح المئات ممن قضين بسبب حوادث المعلمات، وعن حق المرأة في ممارسة تجارة لا يسيطر عليها الولي أو الزوج ودخل مستقل، وحق المرأة المعلقة في ورقة طلاق تمنحها عيش السعداء، والمطلقة في رؤية أبنائها وتسجيلهم في المدارس والمستشفيات، انشغلنا بسكين رجل الهيئة عن آلاف حوادث الطعن والنهب والسرقة والمخدرات.
وحقيقة
لم أجد أدنى فرق بين من يركز على حالة نادرة لعقرب سقط في وعاء فهل ينجس أم يعتبر طاهرا وينشغل بها عن صلاة الجماعة وأداء واجب العمل، وبين من يركز على حالات نادرة سطحية ويشغلنا بها عن قضايا أساسية.
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...1209387294.htm