ملايين للزبالة !
عبده خال
نحن نحاول أن نتمسك بالفحولة في كل شيء حتى في الشراء، فعنتريتنا هذه صبغت كل حياتنا، فالعنتر منا إذا دخل إلى بقالة طلبا لنوع واحد من الفاكهة يخرج بثلاثة أنواع، ومن كان يدخل لطلب نوع واحد أصبح يدخل المولات الكبيرة ويخرج بالكراتين من الفواكه والسلع الفائضة عن حاجته. وتذكرون عندما كنا نجلس أمام القادمين من أرض الله البعيدة ومحدثنا يحكي لنا عن عجائب أولاد عمنا سام، فكنا نفتح أشداقنا وأحداقنا حينما يتحدث محدثنا أن المواطن هناك إذا دخل إلى بقالة أخذ حبتين من فاكهة التفاح أو أي نوع آخر من الفواكه، وكنا نعد ذلك من الشح الإفرنجي،
ولم يكن أحد منا يجرؤ لدخول محل الفكهاني ويقول له أعطني حبة تفاح.. آوه كان هذا الفعل يعد فضيحة (وما زال يعد فضيحة)، فنحن لا نعرف من الترشيد الاستهلاكي سوى ترشيد الكهرباء؛ لأننا نستقبل هذا الإرشاد بشكل مكثف ومركز، وما عدا ترشيد الاستهلاك الكهربائي فحدث ولا حرج.
فأنت (وأنا) نذهب للطبيب طلبا للعلاج ويكتب وصفة تتكون من 4 ــ 6 أصناف من الأدوية، ووفق إرشاداته تتناول حبة قبل الأكل والأخرى بعد الأكل وثالثة عند اللزوم ورابعة من أجل الحبايب... وهكذا، وتستعمل العلاج لمدة يومين أو ثلاثة ولا تشعر بتحسن، فنقوم بزيارة عنترية ثانية لسعادة الدكتور موبخينه بكلام مبطن بأن أدويته ذهبت في أمعائنا من غير رجعة ولم تعد لنا عافيتنا، فيتحاشى غضبتنا (الثورية) ويكتب وصفة أخرى أكثر تنوعا وأغلى ثمنا، وعندما نواجهه بسؤالنا القديم الجديد: وماذا عن الأدوية الأولى؟، فيرد بحكمة الخبراء النوويين: خلاص وقفها!
وهذا هو حالنا.. ومن يكذب عليه الالتفات فقط لداخل بيته، فسيجد عشرات الأدوية التي لم يستكمل استهلاكها، وهي باقية في خزانة الأدوية أو عرفت طريقها للزبالة.
مليارات الريالات تصرف على الأدوية ومصيرها الزبالة، ويتحمل الناس أعباء الأدوية ويتحمل اقتصادنا مليارات الريالات النافقة (كبعارين) وادي الدواسر. وبسبب هذه الأدوية تذهب المليارات إلى الخارج وتطفح جيوب الموردين بالملايين من جيوب العباد، حيث تجد أن القارورة أو العلبة فيها 30 حبة دواء أو أكثر ولا يستخدم منها إلا حبتان أو ثلاث أو أربع حبات والباقي إلى مزبلة التاريخ.
أليس من الأجدر أن تفرض وزارة الصحة على الموردين بأن يطالبوا المصانع بتعبئة حبوب الأدوية في أشرطة، وتباع بالحبة كي نوفر المليارات على البلد ونخفف من معاناة الناس المثقلة هنا وهناك؟ وهذا الترشيد الإلزامي متبع في الكثير من الدول إلا عندنا.
فهل تتدخل وزارة الصحة وتوفر على البلد أمواله المهدرة وترحم زبائلنا من الأدوية المقذوفة يوميا؟. أتمنى أن يحدث ذلك، أما إذا كان الأمر يخدش خصوصيتنا المحلية فأنا لا أرضى بذلك بتاتا.
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...1031380827.htm