الفساد صار واحداً من الجماعة!
خلف الحربي
خلال الأسبوع الفائت، قرأت تصريحات لمسؤولين معتبرين تكشف أنهم يتعاملون مع الفساد باعتباره قضاء وقدرا!، أو على الأقل هم ينظرون إليه باعتباره شيئا ضارا ولكن وجوده أمر عادي!، نعم.. الفساد أصبح مثل التدخين تجب مكافحته والتوعية بمخاطره، لكن لا مفر من التعامل معه باعتباره أمرا واقعا!.
ومن هذه التصريحات قول أحد المسؤولين دفاعا عن وزارته: «الفساد ليس حصرا على وزارتنا»، وكذلك ما نشرته «عكاظ» على لسان مسؤول آخر قال: «لا أنكر وجود فساد ولا نستطيع المراقبة» بالإضافة إلى بعض التصريحات المتفرقة التي لا تبتعد كثيرا عن فكرة الاعتراف بوجود الفساد والتسليم به كحقيقة مرة لا تقبل الجدل وكأننا كنا نشك في وجوده لا سمح الله!.
لا أعلم حقا كيف يعتقد بعض المسؤولين الكرام أن مجرد قولهم: «الفساد موجود» يعتبر مرحلة متقدمة في الشفافية؟؛ لأن أبسط مراحل الشفافية -وليس أكثرها تقدما- تصنع من هذه الإجابة تنتج حزمة من الأسئلة التلقائية: لماذا أنتم موجودون إذن؟!، وما الذي فعلتموه لمحاربته؟ ومن هم الذين يقفون وراءه؟، ولماذا تقبلون بوجوده؟.
نحن لا نحتاج دليلا كي نتأكد من وجود الفساد، خصوصا ما نشاهده في الصباح والمساء وفي كل مكان حتى أصبح واحدا من قرايبنا!، ولو كان الفساد أنثى لما (تغطى عنا)!.. أما لأنه أصبح (منا وفينا) أو بسبب تقادم الزمان عليه فأصبح من (القواعد)!، ولكن نحمد الله أنه ذكر، أشعث الشعر، نتن الرائحة، ضخم الجثة، عريض المنكبين، لا يجهله أحد، ولا تخطئه العين، ما منحنا بصيص أمل بسهولة التعرف عليه ولكن للأسف الشديد ظهرت صورته (من القفا) مثل صور المقبوض عليهم من مخالفي الإقامة الذين يسرقون الجوالات أو يتاجرون بالمخدرات.
نحن اليوم نعيش مرحلة خطيرة وهي مرحلة الترويج لفكرة تقبل الفساد ومحاولة التعايش معه كجزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي!، فبخلاف اعترافات المسؤولين
أصبحنا نصعق يوميا بموقف النخبة المثقفة التي لم تعد تتحسس أبدا من سيطرة الفساد على العديد من القطاعات الحيوية، فها هو أحد أهم رموز العمل الإسلامي لا يرى بأسا في قيام موظف بتقديم الرشوة من أجل الحصول على ترقية يستحقها، وإذا كان هذا هو موقف نخبة النخبة من الفساد فلماذا نلوم العوام إذا هاموا إعجابا بالرجل الفاسد وبدأوا يطلقون عليه ألقابا من نوع (شاطر) أو ذئب بدلا من لص و(حرامي)!. هذه لغة كارثية حتى لو لم يقصد أصحابها القبول بالفساد، لأنها سوف تقودنا إلى مرحلة أكثر خطورة وهي مرحلة التطبيع مع الفساد!.
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...1026379881.htm