15-09-2010, 01:14 AM
|
#1
|
خبير التخطيط الإستراتيجي عضو اللجنة الإستشارية لمقاطعة
رقـم العضويــة: 14722
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشـــاركـات: 399
|
د. عبدالعزيز الصويغ ومقال تهكمي عن فضيحة قطار المشاعر!!
د. عبدالعزيز حسين الصويغ
لجأ أحدهم في احد مواقع الشبكة العنكبوتيه عامداً متعمداً إلي إجراء مقارنة بين تكاليف بناء أكبر سفينة رُكاب تعمل بالطاقة الشمسية .. وتكاليف إنشاء "قطار المشاعر" الجديد. فأورد صور ومعلومات عن سفينة تُسمي “واحة البحار" يقول بأنها أكبر وأفخم سفينة نقل رٌكاب في العالم، يبلغ وزنها 225,282 طن، ويبلغ ارتفاعها ارتفاع مبنى من 20 طابقاً، لتكون بذلك أكبر من سفينة تايتنيك الشهيرة بخمس مرات ! وتحتوي السفينة بداخلها على ملاعب لكرة السلة وكرة الطائرات ومنطقة للعب الجولف و جدران صخرية لممارسة رياضة التسلق، إضافة إلي 4 حمامات سباحة وقاعة مدهشة تتكون صباحاً من حمام سباحة كبير وتتحول مساءاً لمسرح يحتوي على 600 مقعد. ليس هذا فقط، بل تحتوي كذلك على أول حديقة عائمة في العالم، لتشمل منطقة استوائية تحتوي على مئات أشجار النخيل ضمن قُرابة 12,000 شجرة على متنها! وتستطيع هذه المدينة الصغيرة حمل 6,360 راكب بجانب طاقمها المكون من 2,160 شخص. أما تكاليفها فلم تتجاوز مليار و 254 مليون دولار فقط؟! وقد تم بناء سفينة "واحة البحار" في فنلندا وتعتبر أكبر سفينة خضراء في العالم، لأنها تعمل باستخدام ألواح الطاقة الشمسية فقط! حيث تحوي على سطحها 500 متر مربع من ألواح الطاقة الشمسية لتنتج بها طاقة نظيفة 100% ,
ثم ينتقل صاحبنا وبدون مناسبة إلي مشروع "قطار المشاعر" ليضع صور للقطار من الخارج والداخل أشك في أنها لهذا القطار الجبار؟ ويقول أن المشروع يتكون من 20 قطار، عدد عربات كل قطار 12 عربة، وخمس أبواب في كل جانب، وسعة العربة هو 250 راكب 20% جلوس و الباقي واقفين. أما تكلفة قطار المشاعر فهو ستة مليارات وستمائة وخمسين مليون ريال أي مليار و 773 مليون دولار.
وأقول هنا بكل صدق وشفافية أن مقارنة صاحبنا ظالمة 100% فهو هنا كمن يقارن التفاح بالبرتقال؟ وهو أمر لا يستقيم ولا يخرج به الفرد بمقارنة مفيدة. فالتفاح .. هو تفاح، والبرتقال هو بالطبع ... برتقال. ومن يشتهي التفاحة يمكن أن يدفع أحيانا أضعاف ثمنها ليحظي بها. لذا فإن المُنتج لا يُقاس بثمنه فقط ولكن بتفرده عن سلع ومنتجات أخري مماثلة لها. ولقد نسي صاحبنا في مقارنته الظالمة - عامداً متعمداً - عدة مقاصد من وراء هذا المشروع الجبار تتواءم وكثير من مقاصد الحج السامية، ومنها:
1- أن من مقاصد الحج الرئيسة أن يتعارف المسلمون ويتواصوا بالحق ويتناصحوا ، فهم يأتون من جميع أصقاع الأرض لاستجابة دعوة إبراهيم عليه السلام، حيث جعلها الله مقصدا للقادمين في كل عام من كل فج عميق، من مشارق الأرض ومغاربها، على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم .. فهل هناك وسيلة لتعارف الحجاج أفضل من حشرهم في مثل هذه القطارات وقوفا وجلوساً متلاصقين يبعضهم البعض ليتحقق بذلك أكبر صورة للتلاحم بين المسلمين؟!
2- الحج مجتمع إسلامي سنوي عظيم، يتجرد فيه الناس من مباهج الحياة الدنيوية الفانية، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم، وصغيرهم وكبيرهم إلا بتقوى الله عز وجل. وليس هناك أفضل في تحقيق هذه الغاية من إركاب هذه الملايين من الحجاج في قطار المشاعر الذي جُرد من كل وسائل الرفاهية الدنيوية الزائلة وهو ما سيُشعر جميع الحجاج بأن الكل هنا سواسية، يتفاعلون ميدانيا ووجدانيا، يناجون ربا واحدا، بنداء واحد، ولباس واحد، ومناسك واحدة .. وقطاراً واحداً.
3-والحج يذكر المؤمن باليوم الآخر وما فيه من أهوال عظيمة يشيب لهولها الولدان. وقد وُفق القائمون علي مشروع "قطار المشاعر" في تقريب هذه الصورة للحجاج من خلال ركوبهم هذا القطار الذي سيذكرهم باليوم الآخر وأهواله عندما يرون زحام الناس واختلاطهم وارتفاع أصواتهم وضجيجهم، وهم في صعيد واحد، ولباس واحد، قد تجردوا من متع الدنيا وزينتها، حين تراهم جسدا فوق جسد في قطار يمضي بهم إلي مكان واحد يجمعهم جميعاً.
4- وفي الحج يستعيد المسلم ذكريات أسلافه من الذين أَمُّوا هذا البيت المبارك، ووطئت أقدامهم تلك المواطن العظيمة وغيرها من الذكريات العظيمة التي تربط المسلم بهذا الركب المبارك، وتشعره بأهمية السير على منهجهم وتقفي آثارهم. وقد أتاح "قطار المشاعر" للحجاج استرجاع ذكريات أسلافهم الذين كانوا يعبرون الصحاري في طريقهم للبقاع المقدسة ويلاقون صعوبات كبيرة أثناء تأديتهم هذه الفريضة حتي تم إنشاء "قطار الحجاز" الذي كان وسيلة سفر عصرية يتوفر فيها الأمن والسرعة والراحة. وكأن أصحاب مشروع "قطار المشاعر" قد ابتغوا أن يستعيد الحجاج من خلال قطارهم الجديد، الذي صًمم ليقارب شكله قطار الحجاز وقاطراته، ذكريات أسلافنا الذين ركبوا نفس القطار منذ أكثر من مائة سنة مضت؟!
5-تعرف الحجاج على مشاكل إخوانهم المسلمين في أرجاء المعمورة. فالمسلم أخو المسلم، يشاركه أفراحه وأتراحه. و"قطار المشاعر" هو أقرب الوسائل كي يُدرك المسلمون في كافة أرجاء العالم علي أن السعوديين يعانون ما يعانيه بقية إخوانهم المسلمون، خاصة بعد أن يكون أفواج الحجاج قد مروا بالمعاناة في مطار الملك عبدالعزيز من تردٍ في الخدمات لا يضاهيها بلد معدوم الإمكانات المالية، إضافة إلي تعرفهم علي سوء طريق الحرمين الذي كان ينبغي أن يكون قمة في المواصفات كونه الواجهة الرئيسة التي يعبر من خلالها ملايين الحجاج سنوياً إلي الأراضي المقدسة؟!
6- والحج يربي العبد على معاني العبودية والاستسلام والانقياد لشرع الله، فالحاج يؤدي أعمالاً غير مدرك لمعانيها سوى أنها امتثال لأمر الله، وإتباع لسنة لنبيه صلى الله عليه وسلم، كما قال عمر رضي الله عنه للحجر عندما أراد تقبيله: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك). وهكذا هو الأمر مع "قطار المشاعر" الذي يربي في الفرد معاني الاستسلام والانقياد حين يجبر الحجاج علي ركوب القطار بدراهم معدودات فتزداد فرصتهم في اكتساب مزيد من الحسنات. ولو كان عمر بيننا اليوم سنراه يقول: "والله إنني أعلم أنك قطار صدئ قبيح لا أدري كيف قبلوا بمواصفاتك الرديئة، ولركوب النعال خير من ركوبك، ولولا أنني أجبرت علي ذلك .. ما ركبتك"؟!
7-وأخيراً الحج هو ـ لا شك ـ موسم يشهده المسلمون من آفاق الأرض ونواحي العالم الإسلامي ليشهدوا منافع لهم. وفي الحج منافع عاجلة وآجلة ... وهل هناك منافع، غير المنافع المادية التي حصدها أصحاب المشروع، أكبر من ما سينزل عليهم من دعوات كل من أستخدم هذا القطار. فلاشك أن ركوب الحاج لقطار المشاعر هي أحد الوسائل لتعليم الناس الصبر علي البلاء والاحتساب عند الله ضياع أموالهم في مشاريع فاشلة ما أنزل الله بها من سلطان. وهو ما يستدعي من ملايين المسلمين رفع الأكف لله تعالي بأن يجازي القائمين علي هذا المشروع ما يستحقونه من جزاء.
وهكذا فإننا نري أن هناك أهدافاً كبري عجز صاحب المقارنة الظالمة بين "سفينة واحة البحار" و"قطار المشاعر" عن إدراكها. وكون الوسيلتين من وسائل النقل الحديث لا يشفع له مثل هذه المقارنة السخيفة ! وللعلم والإحاطة فقد ظلت وسائل المواصلات المؤدية إلى طرق الحج قروناً عديدة محصورة في الإبل والخيول والبغال والحمير .. حتي فكر أهل الرأي والفطنة بقطار يربط بين المشاعر فقفز إلي المُقدمة المشروع الجبار الذي أطلق عليه "قطار المشاعر" الذي جاء ليحل محل الخيول والبغال والحمير فأخذ من كل منها ملامح انعكست في مواصفاته الفريدة .. فتشكل علي الأرض ما نراه اليوم من قطار عجيب غريب. ولقد أحسنت الهيئة العامة للسياحة والآثار في تحويل "محطة سكة حديد الحجاز" بالمدينة المنورة إلي متحف يضم العديد من الآثار والمقتنيات، وأقترح أن تُفكر الهيئة في أن تضم إلي هذا المتحف احدي قاطرات "قطار المشاعر" الجديد ليشهد أبناء الجيل الحالي شدة الحرص في أن تكون مشاريعنا الجديدة امتدادا للمشاريع الأثرية القديمة، هذا إن لم تكن استنساخا لتلك المشاريع.
وإذا كان صاحبنا قد أنهي موضوعه عن قطار المشاعر بتعليق يقول فيه: "لو كانوا عملوا سفينة زى اللي فوق كان أحسن"، فأرد عليه بالقول "أنهم لو كانوا عملوا سفينة بمثل مواصفات القطار لكان لدينا اليوم تايتنك أخري بمواصفات سعودية .. تغرق في شبر مويه"؟
التعليق:
شكرا لك يا أستاذنا الأكاديمي والإعلامي والدبلوماسي المخضرم النزيه النظيف على ما سطرته من كلام يدمي القلب ويصيب النفس بالإحباط وحسبنا الله ونعم الوكيل!!
|
|
|
|
|
|
|