أزمة إسكان تلوح في الأفق .. البحث عن حل
تحليل: عبد العزيز بن عثمان بن صقر*
قضية الإسكان من القضايا المهمة والملحة التي توليها حكومة المملكة اهتماما كبيرا، ويجب أن يزيد هذا الاهتمام بما يواكب اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي يوجه دائما بالتصدي لحل مشكلات الإسكان في الوقت الحاضر وفي المستقبل، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن مفاده هل توجد مشكلة إسكان حقيقية في المملكة؟ وهل يمكن أن ترتقي هذه المشكلة لتصل إلى حد المعضلة أو الأزمة؟ وهل توجد حلول عملية لتجاوز هذه المشكلة وإيجاد البدائل المناسبة؟
الإجابة بواقعية تقول: نعم توجد مشكلة إسكان وقد تتفاقم في المستقبل لتصل حد الأزمة، وهذا شيء طبيعي نظرا لزيادة الطلب وقلة المعروض من الوحدات السكنية في مجتمع أغلبيته من الشباب المقبلين على الزواج، ولكن في المقابل أيضا توجد عدة حلول عملية لمواجهة شبح هذه الأزمة شريطة تدخل الدولة واتباع التخطيط السليم الذي يعتمد على خطط واضحة وعملية تضمن توفير الأراضي المزودة بالخدمات والمرافق، التمويل المالي، وإغلاق الطرق التي تؤدي إلى الاحتكار والتربح على حساب المواطن الذي يبحث عن وحدة سكنية بالسعر المناسب.
ولنأخذ محافظة جدة نموذجا للمشكلة والحل.. ففي محافظة جدة الطلب يفوق العرض من الوحدات السكنية، وطبقا لإحصاءات أمانة المحافظة والطلبات المقدمة إليها فإن مدينة جدة في حاجة إلى 125 مليون متر مربع من الأرض التي تصلح للبناء لتلبية المتطلبات الحالية، حيث يبلغ معدل الطلب على هذه الوحدات 32500 وحدة سنويا، ناهيك عن أن 40 في المائة من سكان المناطق غير المخططة أو العشوائيات يحتاجون إلى إعادة إسكانهم لتحسين ظروفهم المعيشية، ما يعني زيادة الطلب إلى حوالي 151600 وحدة سكنية في جدة فقط.
ومن المعروف أن أكثر من 60 في المائة من سكان المملكة من صغار السن والشباب وهذه النسبة تنطبق على جدة، ما يعني زيادة الطلب في المستقبل على السكن أكثر بكثير من المعروض، ما يفاقم من المشكلة ويجعلها مخيفة ومستعصية على الحل إذا لم تتحرك الجهات المعنية لوضع الحلول الناجعة في الوقت المناسب، خصوصا مع عدم وجود منح كافية تلبي رغبات جميع المتقدمين، وارتفاع قيمة الأراضي ومملوكيتها لعدد قليل جدا من المستثمرين أو الملاك الذين لا يرغبون في تخطيطها والبناء عليها آملا في ارتفاع أسعارها مستقبلا، خصوصا مع عدم فرض رسوم على الأراضي الفضاء، كما هو متبع في العديد من بلدان العالم ما يدفع الملاك هناك إلى سرعة استثمارها، عكس الوضع هنا في المملكة حيث يستفيد المالك من بقاء الأرض فضاء ما دام لا يتحمل رسوما أو ضرائب.
وفي حالة نموذج جدة فالحل يتمثل في التوسع جنوبا أي جنوب القاعدة البحرية، حيث يوجد في هذه المنطقة أكثر من 200 مليون متر مربع من الأرض الفضاء المملوكة لأفراد، ويمكن أن تشتري الدولة هذه الأراضي وتعويض أصحابها بسعر لا يزيد عن 70 ريالا للمتر، ثم تتولى الدولة تخطيطها وتوصيل المرافق والخدمات إليها بتكلفة تتراوح بين 70 و100 ريال للمتر الواحد على أقصى تقدير، ثم يتم تقسيم هذه المساحة كوحدات سكنية بما لا يزيد كثيرا عن 600 متر للقطعة الواحدة وتطرح بعد ذلك للمواطنين بضوابط وشروط دقيقة وواضحة، حتى لا تذهب للتجار ومن يسعون إلى الكسب السريع وتتمثل هذه الضوابط في أن تظل الدولة تمتلك هذه الأراضي لمدة 25 عاما ــ أي المدة التي تعادل فترة سداد القرض ــ ومنح المستفيد مهلة محددة للبناء لا تزيد عن أربع سنوات كحد أقصى، وإذا تقاعس يلغى التخصيص حتى لا تستغل في غير الغرض الذي خصصت من أجله ولا تكون وسيلة للتجارة أو التربح، وأيضا التأكد من أن المستخدم الوحدة السكنية هو المالك الفعلي لها وليست مؤجرة أو مباعة للغير.
أما عن الطريقة الأمثل للتمويل فتكون عبر طرح هذه الأراضي للصناديق الاستثمارية السيادية مثل.. صناديق الاستثمارات العامة، تنمية الموارد البشرية، التأمينات الاجتماعية وغيرها من صناديق التمويل الحكومية «... لشراء هذه الأراضي ثم تتولى البنوك التجارية المحلية إقراض المشتري بضمان صندوق التنمية العقارية، على أن تقوم هذه البنوك بتحصيل المستحقات المالية من المستفيدين مباشرة مقابل الرسوم الإدارية والعمولة المتفق عليها بين المشتري والبنك المقرض، وبذلك يمكن توفير الأراضي السكنية المناسبة بدون مضاربات أو استغلال، علما أن المساحة المتاحة جنوب جدة تكفي لسد الحاجة الحالية للمحافظة من المساكن، بل و لسنوات مقبلة.
وفي حال تطبيق هذه التجربة سوف نتخلص من كثير من المشكلات القائمة والتي سوف تزداد حدتها وضراوتها في المستقبل، خصوصا ما يتعلق بالعجز الكبير في توفير السكن المناسب لمحدودي الدخل، ومواجهة سرطان العشوائيات الذي ينهش في جسد جدة ويلتهم الكثير من الإمكانيات لعلاجه، وفي الوقت نفسه تحفيز المطورين، وتوفير آليات عملية وواقعية للتمويل، وحماية أصحاب الأراضي من الاعتداءات المتكررة وتخفيف العبء عن المحاكم التي يلجأ إليها الملاك المتضررين، وتخصيص أراضي مناسبة ومخططة للإسكان الميسر بأسعار في متناول الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل، ونظرا للحاجة المتزايدة بشكل مستمر للإسكان لابد من التحرك سريعا وبدون تأخير لمواجهة هذه المشكلة، فالتأخير في الحل يعني زيادة الطلب وتناقص المعروض أي أن إطالة أمد البحث عن البدائل يضاعف التكلفة ويجعل الحل صعبا.
*رئيس مركز الخليج للأبحاث
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...0830370028.htm