«شربات» المسؤولين... و«فسيخ» المستهلكين
الاربعاء, 28 يوليو 2010
طلال آل الشيخ
هل وصلنا إلى مرحلة نحتاج فيها إلى من يحمينا من تضليل وزارة التجارة؟!
أم أنه يجب التعامل مع بعض الوزارات كما يتم التعامل مع التجار والشركات الخاصة؟!
هل يعقل أننا وصلنا لتلك المرحلة؟!
أليس من حقنا أن نتساءل مجدداً: نحمي «مَنْ» مِن «مَنْ» ؟!
هل تسعى وزارة التجارة لتحسين صورتها «المخيفة» أمام كبار المسؤولين وأصحاب القرار على حساب المواطن؟!
أليس من واجب وزارة التجارة حماية المواطنين من الغش التجاري، وارتفاع الأسعار؟
كيف يثق المواطنون في وزارة تنشر معلومات مضللة؟
القصة تكمن في أن وزارة التجارة نشرت خلال الأيام الماضية تقريراً حول أسعار المواد الاستهلاكية، وحتى أكون منصفاً أعتقد بأن إصدار التقرير في حد ذاته، يعتبر خطوة جيدة، إذ إن ذلك يعني أنها مهمومة برفد المواطنين بالأسعار الحقيقية، ما يمكنهم من التعامل مع ما يدور في الأسواق من تغيرات.
التقرير للأسف جاء مضللاً للرأي العام، فلم أفهم المعايير التي استند عليها.
التقرير المبجل أخفى مقارنات وأبرز أخرى لخدمة أهداف الوزارة وليس المواطن.
وسنبدأ بالزيت لأهميته في تسليك الأمور، فقد بشرتنا الوزارة، أثابها الله، بانخفاض أسعاره، مقارنة بشهر رجب في العام الماضي، وكذلك بالنسبة لمخزون القمح، قارن التقرير بين شهري رجب خلال هذا العام والعام الماضي، ومع هذه المقارنة التي تصب في مصلحة التقرير، فإننا نقدر المعايير التي ذكرت.
التضليل يظهر جلياً عندما نتحدث عن أسعار اللحوم والدواجن، فقد ذكر التقرير فقط أسعارهما في الوقت الراهن من دون التطرق للشهور السابقة، والارتفاعات التي حدثت في ظل السبات العميق للوزارة وأجهزتها الرقابية، فسعر اللحوم والدواجن ارتفع ما بين الشهور الماضية وهذا الشهر،
وشهدنا عبر «الانترنت» حملة مقاطعة للدجاج من مواطنين مغبونين من صمت الرقابة، لذلك أمسكت الوزارة عن المقارنة نهائياً.
لتنتقل الوزارة الى أسلوب جديد مع أسعار الحديد، إذ تحدث التقرير عن انخفاض سعره في الأسواق العالمية، لكنه لم يذكر شيئاً عن أسعار الحديد في السوق السعودية، وظننت لوهلة أن التقرير صادر من جهة تتابع الأسواق العالمية وليس من وزارة التجارة السعودية!
أما حليب الأطفال، فلم يتطرق التقرير لأي نوع من أنواع المقارنات، واكتفى بالترويج لسلع معينة منه، مع ذكر أسعارها الحالية فقط!
عجزت عن معرفة المعايير التي اعتمد عليها التقرير، إذ إن لكل سلعة معياراً مختلفاً، بعضها تمت المقارنة بينها وفقاً للأسواق الداخلية لفترة شهر بين عامين «سابق وحالٍ»، وبعضها تم ذكر الأسعار في الوقت الراهن فقط، والبعض الآخر تم عرض أسعارها عالمياً في الوقت الحالي من دون ذكر الأسعار المحلية، لذلك لم أتمكن من تبيان المعيار الذي اعتمدت عليه الوزارة في التقويم وإصدار التقرير.
أثق في عبقرية وذكاء المسؤولين وقدرتهم على إعداد التقرير بلغة لا يفهمها عامة المواطنين من أمثالي، لكن هذا التقرير بالذات يهم المواطن البسيط ويشغل باله، لذلك يفترض على المسؤولين التنازل لمخاطبة المواطنين بلغة يفهمونها، خصوصاً في التقارير التي تمس حياتهم اليومية، فنحن نعلم بأن المسؤولين يفهمون ما يدور في عالم الأسعار محلياً وعالمياً، وأنهم يحققون إنجازات «هائلة» وفقاً لتقاريرهم، لكن المشكلة في المواطن الذي لا يستطيع فهم كلمة واحدة من تقاريرهم، ولا يفهم سوى ما يراه أمامه من ارتفاع في الأسعار فيضطر إلى الاكتواء بنارها التي يتلاعب بها التجار بسبب اطمئنانهم بأن
المواطنين لن يستوعبوا تقارير الوزارة، وقديماً قيل «مَن أمن العقوبة... أساء الأدب».
لن أتساءل ما الذي يمنع وزارة التجارة من مراقبة الأسعار وضبطها ومحاربة جشع التجار؟
لكنني سأتساءل ما الذي يمنعها من إعداد تقارير واضحة ومفهومة لدى عامة الناس تحمي بها المواطنين من الغش؟
ما الذي يمنعها من تحديد معايير واضحة لمقارنة الأسعار تصبح معروفة لدى الجميع وتكون مفتاحاً لفهم تقارير الوزارة؟ لماذا تصدر الوزارة تقارير مضللة تسهم في «تغبيش» الحقائق وليس توضيحها؟
20 مليون مواطن يعيشون واقعاً مختلفاً عن تقرير الوزارة، الذي يبدو أن من أعده عمل على تحويل «الفسيخ إلى شربات» على رأي إخواننا المصريين، وفي الوقت الذي يشرب فيه المسؤولون «شربات الوزارة» يأكل المواطنون «فسيخ» التقارير.
اعتدت على أن أختم المقال بمحاولة للترفيه عن القارئ، لكنني أعيد وأكرر أننا وصلنا إلى مرحلة أصبحنا فيها نضحك مما يفترض أن يبكينا... وهي مرحلة متقدمة من «التنبلة»، وكل تقرير وأنتم بخير.
tha11@maktoob.com
http://ksa.daralhayat.com/ksaarticle/166816