أرخصوه أنتم
فهد عامر الأحمدي جريدة الرياض
اجتهد الكتّاب في الحديث عن موجة الغلاء وتضخم الأسعار المستمر. وتراوحت الاقتراحات المطروحة بين رفع رواتب الموظفين وفك ارتباطنا بالدولار - إلى محاسبة التجار وإلقاء اللوم على وزارة التجارة..
وهذه جميعها عناصر مهمة بالتأكيد ولكنها تتجاهل أقوى "ورقة" في اللعبة (يملكها المواطن نفسه) .. فالمواطن هو المستهلك الرئيسي للسلعة والجهة التي تملك خيار دفع - أو عدم دفع النقود .. فحسب قوانين العرض والطلب "يرتفع ثمن السلعة المرغوبة والتي تلقى طلبا أكثر - في حين ينخفض ثمن السلعة الكاسدة أو التي لا تلقى طلبا كبيرا" .. وهذه المعادلة البسيطة تجعل المواطن نفسه شريكا في موجة الغلا والتضخم بسبب اقباله على السلع الأغلى ثمنا وعدم مقاطعته لها (خصوصا في ظل توفر بدائل أخرى) .. فحين يتوقف المواطن عن شراء سلعة معينة يرتبك السوق ويدخل التاجر والمصدر والمُصنع في حالة طارئة .. فلو تأملنا مثلا حال السلع الغذائية (ولن أتحدث عن اسم أو ماركة معينة) لوجدنا أن لمعظمها تاريخ انتهاء معيناً لن يتحمل التاجر أو الصانع تجاوزه على الرفوف .. وحين يصر المواطن على موقفه (لفترة كافية) لا تجد بقية الأطراف حلا غير تخفيض السعر لتصريف البضاعة . وحين يتحول لدينا هذا الإصرار الى ثقافة ومبدأ (حتى للقادرين على الدفع) سنساهم في رسم خطوط حمراء لن يفكر أحد في تجاوزها مجددا !
..ما أدعو إليه صراحة هو مقاطعة جماعية للسلع والخدمات التي رفعت أسعارها والبحث عن بدائلها الأقل ثمنا . وبهذه الطريقة لن يجد الصانع والتاجر حلا غير التراجع عن (آخر زيادة) قبل أن تبور السلعة لديهما ... وهناك قصة جميلة تصب في هذا المعنى وردت عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب . فقد حضر إليه الناس وقالوا : غلا اللحم فسعّره لنا، فقال: أرخصوه أنتم !! فقالوا : نحن أصحاب الحاجة فتقول أرخصوه أنتم فهل نملكه حتى نرخصه وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا !؟ فقال لهم : اتركوه لهم (.. ولك أن تتصور نتائج ترك اللحم في محلات الجزارة لخمسة أيام فقط)!!.
وهذه الأيام يملك المواطن سلاحا جديدا وفعالا يدعى مؤشر الأسعار الأسبوعي (الذي تصدره أمانة مدينة الرياض وتنشره عدة صحف ونتمنى رؤيته في كافة المناطق) . فمن خلال هذا المؤشر يستطيع المواطن التحكم بزمام اللعبة ومقاطعة السلع والمراكز الأكثر غلاء - والإقبال على السلع الأقل ثمنا والمراكز الأكثر اعتدالا .. وفي المستقبل لا أجد مانعا في ظهور مجلة أسبوعية تتخصص بأخبار المقاطعة ومؤشرات السلع وتوعية المستهلكين بمكونات وسلامة المنتجات الجديدة .. ومثل هذه المجلات منتشرة في الدول الغربية وتصدر قائمة شهرية بآخر الحملات الجديدة والتي انتهى الغرض منها .. ومن الشركات التي تعرضت لحملات مقاطعة "مؤثرة" شركة كوكاكولا والتلفون الأمريكية وجنرال إلكتريك ومطاعم ماكدونالدز (بتهمة رفع نسبة البدانة بين الأطفال)!!.
.. مرة أخرى ؛ أعود وأؤكد بأن الورقة الأقوى ما تزال بيد المستهلك الذي يملك خيار الشراء ودفع السعر العادل .. وفي حين تعودنا على الذهاب للأسواق لمجرد تمضية الوقت وشراء ما صادف، يجب أن نتحمل مسؤولية اختيار الجهه الأقل جشعاً وتشجيع البدائل الأقل ثمناً (وليس بالضرورة أقل جودة) !