الوزير) ما بين حقوق المواطن وهيبة الدولة
د. عبد الله مرعي بن محفوظ -
16/08/1428هـ
Abdullahbinmahfouz@gmail.com
الانفتاح الإعلامي في السعودية كان بتوجيه سياسي من الملك عبد الله صاحب المبادرات الإنسانية، والإعلام الرسمي تحرك معه منذ بداية زيارة لبيوت الضعفاء إلى مناطق المملكة كافة، مستعرضاً التنمية الاقتصادية والصناعية وتحسين وسائل التعليم وتأهيل الكوادر الوطنية وعمل المرأة وغيرها من الهموم التي تبحث عن الحلول صادقة وتفاعل إيجابي من الوزير إلى المواطن الصغير.
هذا هو توجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، الذي انعكس إيجابياً على وزارة الإعلام لتعطي فرصة (للمواطن) بطبقاته كافة، بطرح ومناقشة الأوضاع الداخلية بشفافية عالية في إعلامها الرسمي، وحرص وزارة الإعلام بغرض المشاركة الوجدانية مع الحكومة لإرساء حقوق المواطنة.
ولكن أخوف ما أخاف عليه هو عودة المراقبة لمقالات الأعمدة في الصحف المحلية، فبعد الزوبعة الإعلامية (المفتعلة) لعمل السعوديات في المنازل، وصدور بيان من وزير العمل ونفيه القاطع لهذا التوجه، وأطلق بيانا شاملا يحمل صبغة (الحكومة) وليست الوزارة، والبيان يقول إن الوزارة "تطبق السياسات والقرارات والأنظمة والأوامر الصادرة من المقام السامي ومجلس الوزراء".
هذا البيان ليس (خاص) بوزارة العمل، بل يمكن تعميمه علي الوزارات الحكومية كافة دون استثناء، والبيان صادر لتوضيح (الحقيقة) وليس الدخول في مهاترات إعلامية مع الصحافة أو الكتاب مثل ما حصل في ارتفاع الأسعار أو نفوق الإبل.
الطرح الإعلامي البناء هو الذي يقدم حلولا برغم ما يحمل في طياته من هموم المواطن اليومية، ولكن بعض (المزايدين) الذين تحولوا من باحثين عن الحقيقة إلى باحثين عن رضا القراء، وأصبح رأي العامة هو (الغاية) وليس المصلحة العامة، وأصبحت الكتابة المميزة هي البحث عن (المشكلة)، وليس تحليلها أو إضاءة الجوانب الخفية للمواطن أو المسؤول في الدولة.
إن إثارة الرأي العام ليس فيها مصلحة للمجتمع، فمن الكتابة في الأسهم إلى التعليم ثم السعودة، ليحط الكتاب برحالهم في مضارب (قوت) الأمة وتشتعل ساحة المنافسة بين الكتاب من جديد، لسباق (المليون) قارئ.
من يتابع ارتفاع أسعار السلع لا بد أن يندهش من حجم الانتقاد المباشر للوزير هاشم يماني وتحميله (منفرداً) مسؤولية هذا الارتفاع، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث في أسباب الارتفاع وهل ما يحدث لدينا هو جزء من ظاهرة عالمية أم أننا استثناء من هذا العالم كله؟ وهل الأسواق المجاورة مثل الكويت والإمارات تعيش ظروفنا نفسها أم أن لديهم مشاكل أعمق وأمر في الأسعار!!
حتى صحف الهند تهاجم الحكومة الهندية لتصديرها الأرز عالمياً، مما أدى إلى ارتفاعه في أسواقها محلياً؟ ما أدعوه هو قراءة هادئة بعيدة عن الانفعال والتسرع، المشكلة في ارتفاع أسعار وليس (الأرز)، لذلك أقول إذا لم يبحث الكاتب في عوالم مقالته التي يتحدث عنها وإذا لم يحللها تحليلا منطقيا وعلميا فمن يقوم بذلك؟ بالطبع هناك من كتب عن رؤية شاملة مستندا إلى معطيات عالمية وتحليل اقتصادي شامل ولكن لم ينظر إليه لأنه يسير عكس رغبات (الجمهور).
النقد البناء لا يستوجب الانتقاص من (رجل الدولة) واتهامه بأنه السبب في ارتفاع الأسعار الاستهلاكية أو انخفاض الأسهم أو عدم سعودة الوظائف أو عدم توفير فرصة التعليم الجامعي أو عدم تمليك العقار للمواطن البسيط لأنها في الأصل (متراكمات) زمنية ولكن نعيش اليوم نتائجها.
وفي ظل هذا السباق المرثوني لكتاب الأعمدة لقضايا المجتمع، سألني والدي بصفته تاجرا ومسؤولا رداً علي بعض مقالاتي! أنتم جيل اليوم ماذا زرعتم وأين كافحتم لتحصدون سنابل الخير اليوم أو غداً!
ومع والدي لا مجال (للفلسفة) ما في راتب ما في شغل أو أوضاع صعبة، بل إجابتي عليه عسكرية ومحددة ولكنها في خاتمة المقال، أعود سريعا لتوضيح أمر هام، بأننا لدينا مشاكل في ارتفع أسعار ولدينا تبعات لانهيار سوق الأسهم ولدينا مشكلة التوظيف، إلى آخر قضايا المجتمع!! ولكن في النهاية نحن بصدق نطالب بأن يتحمل الجميع وليس الفرد (المسؤولية)، من الحكومة إلى التاجر وكذلك المواطن، مع علمنا أن هناك ظروفا اقتصادية وسياسية خارجة عن إرادتنا، بل وتجتاح العالم كله ونتعرض مثلنا مثل غيرنا لنتائجها.
وكذلك التأكيد أن دور الإعلام الوطني هو نقل وقائع المجتمع من دهاليز السوق الاقتصادي والحياة الاجتماعية، فكل منا ينقل جزءا من الصورة وأنت يا معالي الوزير عليك أن تستوعب الصورة الشاملة.
وأجزم أن الحرية راية ترفرف على هرم الأمم بالقيم السامية، ولا يمكن القبول بأن تلقي بسلبيتها على هيبة الدولة ورجالها، والحرية دائما تنتهي عندما نتعدى على حرية الغير وحياته الشخصية، ولا يمكن "التعميم" لدى الرأي العام الخارجي لما فيه من إساءة بأن الوضع في الداخل بهذا السوء".
ختاماً، تحيتي لك يا والدي من ابنك الجندي البارك تحت قدميك، نعم نحن بحاجة لجيل مفعم بطموح العمل، المتعلم والواثق من نفسه والقادر على فعل المستحيل، يعرف حق ولاة الأمر، ويعرف حق المجتمع في الأمن والاستقرار، ويعرف حق أخيه المسلم في التعامل في البيع والشراء والاستثمار، فإذا كنا نطالب بالحقوق علينا أن نقوم بواجباتنا تجاه الوطن، وشعار(ارفع رأسك أنت سعودي) يفرض علينا نحن الشباب أن نتخلق بأخلاقيات الراية الخضراء الموضوعة على وتد الولاء، والمغروسة في قلوبنا وهي (لا الله إلا الله محمد رسول الله) نحن أمة الإسلام سوف نحاسب بأعمالنا وليس بشعاراتنا.