قصتي ليست من نسيج الخيال، ولكنها واقع عشته يومًا من الأيام.
لقد أهيل التراب على طفلتي التي قاربت العام والأول من عمرها، بعد أن قرر الأطباء أن لديها فشلاً كلويًا عانت منه ما عانت، وأقامت في المستشفيات ما أقامت، حتى أصبح جسدها النحيل كأنه كتلة لحم، وعندما نزل بها الموت احتسبتها عند الله عزوجل.
ومضت السنون حيث أنعم الله تعالى علي بمولودة جميلة، ولكن التاريخ يعيد نفسه، وإذا بي أرى أن بطن ابنتي بدأ ينتفخ شيئًا فشيئًا، حتى جاء ذلك اليوم الذي اشتدت فيه الحمى عليها –وكانت قد تجاوزت العام الأول من عمرها- أخذتها إلى الطبيب، لقد كنت أتخيل أي داء قد نزل بها، إلا الفشل الكلوي لم يخطر لي على بال.
وهناك كانت الصدمة، كانت الحيرة، لقد كانت نتيجة التحليل مشابهة لتحاليل أختها المتوفاة، حملتها إلى المستشفى لأن الأمر أصبح بحاجة إلى مستشفى، وليس إلى عيادة خاصة.
وكان الدخول.. لقد مضت أول ليلة في ذلك المستشفى وأنا في ذهول!!
ثم تم تحويلها إلى مستشفى متخصص، وبدأ الأطباء يعطونها الكثير من العلاج لعله يكون مجرد التهاب وينتهي أمره، وطال البقاء في المستشفى، تدخل حالات، وتخرج حالات هذا مصاب بربو.. وتلك مصابة بتشنجات، وذاك بحمى وأرى النساء يتضجرن وينزعجن من إصابة أبنائهن بهذه الأمراض –والتي يمكن علاجها بمجرد دواء- .. وهي مع ذلك تترقب الخروج ما بين يوم وآخر، أما أنا فلم أعد أفكر في الخروج.
تم نقلي وطفلتي إلى غرفة انفرادية لعدم وجود مناعة لديها لما تتعاطاه من أدوية.
عشت في هذه الغرفة وحيدة مع طفلتي أعاني الألم والحزن والقلق، عشت فيها مع المحاليل والإبر مع البكاء والعويل، والصراخ الذي تطلقه طفلتي الغالية تشكو لي ما يحدث لها من وخز الإبر ومرارة الدواء.. ولكن ليس بيدي حيلة.