هذه المقالة كتبتها منذ حوالي أربع سنوات ونشرتها جريدة الرياض في ملحقها الاقتصادي ولو راجعنا مضمونها وتحذيري لعدد من القضايا وما نعيشه الآن، فإنه يتضح أنني قد وفقت ولله الحمد في قراءة الأحداث .... والقادم أعظم والخافي أكثر إيلاما وحسرة!!! تحياتي
أجيالنا القادمة.. ماذا أعددنا لها؟
د. سليمان السماحي
يقولون إن عدد سكان مجلس التعاون الخليجي خلال القرن الحادي والعشرين سيتراوح ما بين 40 - 50 مليون نسمة. وفي رأيي المتواضع سيكون نصيب «بلادنا» من هذه الأرقام أكثر من 25 مليون نسمة.
هذا الانفجار السكاني الذي سيجتاح بلادنا سيولد أعباء ومشكلات لا حصر لها على مختلف مناحي الحياة. فالبنية الأساسية للخدمات أرهقت وسوف تزداد إرهاقاً، وجهود التنمية ستبتلعها تلك الجيوش القادمة.. المدن العشوائية الرئيسية منها وغير الرئيسية ستكون مهددة بالثبور وعظام الأمور.. أجهزتنا الحكومية وغير الحكومية ستنوء بما تحمل من بيروقراطية، ونصيب التعليم من هذه الأمور سيكون خطيراً ومفجعاً، فآلاف الطلبة سيتكدسون في المدرجات الجامعية يتقاتلون على معلومة طائرة، وأستاذ يحتاج الطلبة إلى مجهر لكي يرونه، ومقررات ومذكرات دراسية لا يحصلون عليها إلا بعد مرور نصف الفصل الدراسي، أكاديميون محبطون ينعتون سنوات عمرهم الضائعة لضعف مرتباتهم.. وإرهاصات الحياة المادية التي رفعت فئات وخفضت فئات أخرى.
خريجون سيزحفون من مدرجات الجامعات والمعاهد المتخصصة والمدارس الثانوية إلى طوابير البحث عن وظائف وإلى زمن نسيان المعلومات. خريجون بأعداد تفوق الاستيعاب وتخصصات خارج خطط التنمية واحتياجات سوق العمل المحلية.
تحولات غريبة وعجيبة من تخصص علمي إلى أي شيء يسد الرمق ويعطي أملاً في الحصول على وظيفة.. أي وظيفة.
خلل في التوازن فيما بين النمو والتنمية وفيما بين الموارد والاحتياجات.
مخططون اقتصاديون يرسمون ويهندسون الخطط التنموية برؤيا علمية مثالية.. مخططون يجرون بعض الإصلاحات الاقتصادية بنظرة اقتصادية بحتة وهو أمر يستحيل من خلاله تحقيق النجاح المطلوب أو النتائج المرجوة منها.
المطلوب إذاً بعثرة الأوراق وإعادة النظر في الاستراتيجيات السابقة والإسراع في وضع خطة وطنية شاملة لبناء أجهزة إدارية قادرة على امتصاص مختلف التغيرات البينية الداخلية والخارجية تكون مستجيبة لما تقتضيه عوامل التبدل والتطور وحسن الإدارة في عصر المعلوماتية والانفتاح الذي نحن جزء لا يتجزأ منه، هذا إذا أردنا أن نعيش ونتعايش دون صراعات متناقضة مع أنفسنا ومع غيرنا، وإلا فإن الأجيال القادمة لم ولن ترحمنا، فهل نحن مدركون وواعون لما يدور حولنا؟!