أيها السعوديون .. وأصبح امتلاك المنزل حلما
فجّر مجلس الشورى في آخر اجتماع له (الأحد 12 ربيع الثاني 1431هـ)، أزمة امتلاك المواطنين السعوديين للمساكن، عندما أعلن أحد أعضائه وهو الدكتور سعيد الشيخ (كبير الاقتصاديين وعضو لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة في المجلس) أن "نسبة المواطنين الذين يملكون مساكن خاصة بهم في المملكة تبلغ 38 في المائة".
لا أنكر أن هذه النسبة فاجأتني إن لم أقل صعقتني، لأنه بالنظر إلى الوجه الآخر للنسبة نرى أن أكثر من ثلثي المجتمع (62 في المائة)، لا يملكون مساكن خاصة بهم، بمعنى أكثر دقة هم بدون منزل.
وهذا رقم مخيف لا بل ومخيف جدا، وهو الأدنى على مستوى جميع دول العالم، خصوصا إذا علمنا أن عدد الطلبات المتراكمة لصندوق التنمية العقاري تخطى حاجز الـ 600 ألف طلب يسعى أصحابها للحصول على قروض لبناء منازل مع نهاية العام الماضي.
لم أكن لأصدق مثل هذه الأرقام لو قيلت لي في جلسة خاصة، لكن أن تصدر عن مصادر رسمية، فهذا يضعنا أمام تساؤل كبير جدا وهو ما الذي كانت تفعله إدارة الصندوق طيلة هذه الفترة، وما سبب تراكم هذه الأعداد المتقدمة لطلبات القروض العقارية إلى هذا الحد، ولماذا لم يتم البحث عن حلول لمعالجة الخلل (والأرقام تؤكد وجوده على كل حال)، إذ لا يستطيع أحد أن ينفي وجود الأزمة كما لا يمكن بأي حال من الأحوال التخفي وعدم الاعتراف بها كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمل.
في ظل هذه الظروف المالية القاهرة التي تعترض العالم أجمع ومن بينها المملكة، أصبح الحصول على منزل أكثر صعوبة من قبل وهذا بحسب أرقام الشورى فإنها تمثل معظم السعوديين.
وما زاد الطين بلة هو ما أفضى إليه ارتفاع تكاليف الإنشاء والمضاربة على الأراضي وغياب التمويل المصرفي وضعف المساعدة الحكومية، إذ تفاقم العجز في الإسكان ليصل إلى ملايين المنازل.
ولا أحد ينكر أن هذا العجز كان سببا رئيسيا في دفع أسعار الإيجارات إلى الصعود بلا توقف، حتى غدت مسألة رفع الإيجار عادة سنوية عند معظم أصحاب العمائر، يقابلها رضوخ تام من المواطن، وإلا أين سيذهب؟!.
فعندما يسكن 62 في المائة من الشعب في مساكن بالإيجار فهذا يفرض تحديات كبيرة على الحكومة ورجال الأعمال وعليهم مواجهته، وإلا فعلى الجميع أن يتحمل النتائج التي ستترتب على ذلك من حيث انتشار الجريمة وارتفاع حدة المشاكل الأسرية وتفاقم الفقر في المجتمع وبالتالي تضييق قاعدة الطبقة المتوسطة التي نباهي العالم أجمع بانتشارها في مجتمعنا والتي نعول عليها كثيرا في تقدم وتطور المجتمع.
وأنا سأتحدث كمواطن سعودي بعيدا عن علاقتي بالعمل الحر أو التجارة، فأنا كغيري من المواطنين يتعين عليّ إيجاد منزل لأولادي، كمكان يأمنون إليه، ولا يشعرون بأنهم مهددون تحت سطوة ورغبات أصحاب العمائر، لكن في ظل هذا الغياب للمسؤولية الاجتماعية والوطنية، فإنه غير متاح هذا، وبالتالي فالأزمة متواصلة.
إن أزمة امتلاك مساكن في بلادنا تفرض مشكلة كبيرة على المجتمع
وتكشف في المقابل قصورا واضحا في التفكير في حقوق المواطنة، خصوصا في ظل تراجع آمال العديد من المواطنين في امتلاك منزل، بعد انهيار سوق الأسهم قبل نحو أربعة أعوام، والذي قضى على مدخرات عشرات الآلاف من الأشخاص ودفع الكثيرين إلى التخلي عن فكرة امتلاك منزل.
وفي ظل عدم وجود سياسة متوازنة لما يعرف بسياسة السوق (العرض والطلب)، فإن الإقبال يتواصل على امتلاك منازل، بينما العرض يواصل انخفاضه وهذا يعني بحسب تلك السياسة أن أسعار العقارات ستواصل صعودها الذي يشكل ضربة قاصمة للأمل عند الكثيرين الذين يحلمون ببناء منزل.
فسوق العقارات تناسب احتياجات الأسر مرتفعة الدخل، بينما لا تتناسب في أي حال من الأحوال مع العوائل متوسطة الدخل أو أصحاب الدخل المحدود، وهذا بحد ذاته يفرض تحد من نوع آخر كبير على الحكومة من جهة والقطاع الأهلي من جهة ثانية، إذ مهما ادخر الموظف من أموال فإنه لن يتمكن من جمع ثمن ما يعرف بـ "شقة العمر".
وبالعودة إلى جلسة الشورى الأخيرة، فقد كشفت عن ضعف واضح في الخطط التي تطلقها الدولة فيما يتعلق بحصول المواطن على مسكن خاص فيه، إذ لا يقدم صندوق التنمية العقارية مساعدة تذكر، لا سيما إذا علمنا أن الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن للصندوق إقراضه لا يزال ثابتا منذ 35 عاما عند 300 ألف ريال، وجميعنا يعلم أن هذا الرقم أصبح لا يمثل سوى جزءا ضئيلا جدا من سعر أية شقة في المدن الكبرى.
وفي ظل هذا الوضع الذي لا نستطيع أن نصفه سوى بـ "المأسوي"، أعتقد أنه يتوجب على حكومتنا أن تتدخل لفرض قانون جديد حول الإقراض العقاري يساعد المواطن على امتلاك منزل بأسهل طريق ويخفف من حدة الأزمة، ولا بأس أن يستعين المشرعون بالخبرات الدولية طالما أن الخبرات المحلية عجزت عن إيجاد حل لهذا الأمر، لأن تراكم 600 ألف طلب للحصول على قرض عقاري،
ما هو إلا نتيجة تراكم ضعف خبرة في طريقة التعاطي مع هذا الشأن الذي يهم المجتمع بجميع شرائحه وأطيافه والوطن الذي نعمل جميعا على دفعه نحو العالم الأول.
بسام أخضر
http://www.alolaa.net/articles.php?action=show&id=731