لماذا لم تنخفض أسعار السيارات؟
الجمعة, 20 نوفمبر 2009
عبدالله بن ربيعان
حينما انطلقت الحملة الشعبية الشهيرة «خلوها تصدي» ضد وكلاء السيارات في المملكة قبل ستة أشهر، طلب مني بعض الأصدقاء الكتابة عن الحملة ونتائجها، إلا أنني ترددت لسبب واحد فقط هو أن الحملة لم تفرق بين وكيل وآخر وشركة وأخرى، وانطلقت بالتعميم على جميع الوكلاء والشركات، وهو ما جعلني أتردد في الكتابة، لأنه لربما كان من الوكلاء من يطبّق مبدأ الصحابي الشهير عبدالرحمن بن عوف الذي يقول: «كنت إذا أعطيت قليل الربح رضيت».
وعلى رغم أن عاطفتي كانت تميل مع حملة المقاطعة، إلا أن صوت العقل كان يحتم التأكد أولاً من سر انخفاض أسعار السيارات في العالم، وعدم انخفاضها في سوقنا (كما يؤكد مطلقو الحملة)، مع أن سوقنا مفتوحة للجميع، فالوكلاء يوردون السيارات، والأفراد يستطيعون الشراء مباشرة من الأسواق الأخرى القريبة من المملكة والبعيدة عنها، وموردو السيارات «الاستخدام الأميركي» يتزاحمون في شوارع المدن الرئيسية، ولهذا السبب فضلت التريث والمتابعة والقراءة، انتظاراً لنتائج حملة المقاطعة من جهة، ومتابعة ما يدور في أسواق العالم الأخرى، من خلال القراءة والسؤال، ومتابعة أخبار شركات السيارات وأسعارها.
واختصاراً أقول إن حملة «خلوها تصدي» لم تنجح في إرغام وكلاء السيارات لدينا على خفض أسعار سياراتهم، وإن كان لها نجاح يذكر، فيقتصر على تخويف الوكلاء، والتأكيد عليهم بأن هناك جهداً شعبياً منظماً لمواجهة أي رفع غير مبرر منهم للأسعار.
أما في ما يخص أسعار السيارات في العالم، فالحقيقة وعلى رغم تحقيق شركات السيارات الكبرى خسائر كبيرة لم تحصل لها في تاريخها الطويل في السوق، وعلى رغم إفلاس ثالث أكبر منتج للسيارات في العالم، وهي شركة «جنرال موتورز»، إلا أن أسعار السيارات لم تنخفض مباشرة، وإنما انخفضت بشكل غير مباشر، نتيجة لخفض ضرائب المبيعات، وتبعاً لها انخفضت أسعار السيارات وقطع الغيار بنسب تعادل خفض الدول الكبرى لهذه الضريبة هذا أولاً.
ثانياً: إن شركات السيارات الكبرى في العالم وجدت في أموال الضمان، التي قدمتها لها الحكومات بديلاً مجانياً وبلا كلفة، وبالتالي لم تكن هذه الشركات مضطرة لخفض أسعار منتجاتها من السيارات، بحثاً عن السيولة النقدية.
ثالثا: إن التوجه العالمي نحو استهلاك السيارات الصغيرة والاقتصادية (أكثر من 65 في المئة من إجمالي إنتاج السيارات في العالم)، وهذا النوع من السيارات رخيص الثمن، ولا تحقق الشركات من ورائه، أرباحاً كبيرة يمكن خفضها أكثر. رابعاً: إن تزايد شراء السيارات في الهند والصين وروسيا والبرازيل أنقذ شركات السيارات الكبرى من ركود طويل، وعادت معظم الشركات الكبرى لتحقيق أرباح جيدة خلال الربع الثالث من هذا العام، بسبب تزايد استهلاك هذه الأسواق. وعلى سبيل المثال بلغت مبيعات «جنرال موتورز» الأميركية في الصين خلال الأشهر التسعة من هذا العام 480 ألف سيارة، وهو رقم يعادل مبيعات الشركة في أميركا بلدها الأم خلال عام كامل (ارتفعت مبيعات السيارات إجمالاً في الصين بنسبة 73 في المئة).
وارتفعت مبيعات السيارات في الهند بنسبة 56 في المئة بين الأشهر العشرة الماضية ومثيلاتها من العام الماضي. وهذا التزايد هو ما دعا رئيس «نيسان» كارلوس غصن هذا الأسبوع، لتوقيع عقد إنتاج السيارات الصغيرة من نوعي نيسان ورينولت في الهند بكلفة تبلغ بليون دولار، وهي الخطوة نفسها التي اتخذتها شركة تويوتا من قبل لإنتاج السيارات في الهند، بالتعاون مع شركة تاتا الهندية التي تملك تويوتا جزءاً منها. خامساً: إننا في المملكة والخليج ندفع من 20 إلى 30 في المئة زيادة في أسعار السيارات اليابانية والأوروبية، بسبب ضعف العملة الأميركية التي نرتبط بها بسعر صرف ثابت. وقد يقول قائل إن الأميركان يفعلون ذلك، ولكن الإجابة هي لا بالتأكيد، ففي أواخر الثمانينات فرضت أميركا نظام الحصص (الكوتا)، بحيث لا يدخل إلا عدد قليل من السيارات اليابانية لسوقها، فلجأت الشركات اليابانية الكبرى للإنتاج داخل السوق الأميركية، وبالتالي لم يعد للسيارات اليابانية إلا الاسم فقط، ولكن العمالة والمدخلات والمبيعات كلها بالدولار داخل أميركا، ولا تتضرر أميركا من ضعف دولارها مثلنا لأنها لا تستورد وإنما يتم الإنتاج داخل أراضيها.
وأختم بالقول إن سوقنا في المملكة والخليج صغيرة وغير مؤثرة مقارنة بالأسواق الكبرى في أميركا وأوروبا والصين والهند، ولو قرر ربع سكان الصين شراء سيارات لما وجدنا سيارة نركبها. وهذا لا يعني إعفاء وكلائنا من المسؤولية، وتقصيرهم في خدمات ما بعد البيع، ومغالاتهم في أسعار الصيانة، والأخيرة هي موضع التنافس والتميز وإرضاء الزبائن بينهم، وإن كانت سيارات هوندا هي الأكثر شراء في أميركا، فهي أسوأ السيارات لدينا ليس بسبب سوء المصنع، ولكن لأن الوكيل هو السيئ.
* اقتصادي سعودي - بريطانيا.
http://ksa.daralhayat.com/ksaarticle/78390