بقلم :د.محمد بن عبدالله النذير :
المشاركة الأولى في (المسابقة) الدولية الرابعة للعلوم والرياضيات وبمشاركة أكثر من 60 دولة..
كنا ننتظر - على وجل وقلق - نتائج الدراسة الدولية للعلوم والرياضيات «تمز» (TIMSS) لعام 2007 التي أعلنت نتائجها قبل مدة وجيزة وليت النتيجة لم تعلن! أو فقدت أوراق الإجابة، لنجد عذرًا أمام أنفسنا قبل العالم!
سبق لي الكتابة وغيري عن النتائج المحبطة للتوقعات التي تحصلنا عليها في اختبار (TIMSS) لعام 2003 حيث كنا في ذيل القائمة إذ تفوقنا على «غانا» فقط! واليوم تعلن النتائج ونظل في مكاننا في ذيل القائمة نسبق هذه المرة «غانا» و«قطر»! فهذا يعني أننا لم نتحرك في تعليمنا منذ أربع سنوات شبرًا واحدًا أو بالمفهوم العسكري «مكانك راوح»!!
لمحة حول اختبار تمز (TIMSS)
هو اختصار للحروف الأولى من (Trends in International Math and Science Study) وهي دراسة دولية تعرف بـدراسة الاتجاهات الدولية في الرياضيات والعلوم, تهدف إلى مقارنة تحصيل الطلاب في الرياضيات والعلوم في أنظمة تربوية متباينة في خلفياتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية بهدف التعرف على مستوى التحصيل في تلك الأنظمة، وقياس مدى تأثير مجموعة من العوامل ذات العلاقة على مستوى التحصيل، وهذا يعني مدى فاعلية مناهج الرياضيات والعلوم داخل النظام التعليمي بما في ذلك المعارف والمهارات والاتجاهات التي يتعين على الطلاب اكتسابها أو تطويرها من خلال النظام التعليمي، إضافة لأساليب التدريس وعلاقتها بالتحصيل العلمي للطلاب في مقرري الرياضيات والعلوم للصفين الرابع الابتدائي والثامن (الثاني المتوسط) خلال فترة زمنية معينة حيث تجرى الدراسة بصورة دورية كل أربع سنوات، حيث بدأت دورتها الأولى في عام 1995 وتلتها دورات أخرى في أعوام 1999، و2003، وآخرها في عام 2007م.وأشرفت عليها الهيئة الدولية لتقييم التحصيل التربوي IEA (موقعها على الإنترنت
www.iea.nl)، وتمثل الأخيرة تجمعًا دوليًا مستقلًا غير ربحي لمجموعة من المؤسسات البحثية الوطنية والحكومية أجرت خلال السنوات الأخيرة ما يزيد عن 20 دراسة حول التحصيل التربوي في بلدان مختلفة حول العالم، وقد ساعدت النتائج التي أسفرت عنها هذه الدراسات كثيرًا من الدول في الارتقاء بمستويات مدارسها وتحقيق التميز في الرياضيات والعلوم.ويعود السبب لاختيار الصف الرابع كونه متوسطًا في المرحلة الابتدائية، ولاختيار الصف الثامن لمتابعة تقدم الطلاب المؤدين للاختبار في الصف الرابع ومدى النمو الذي حدث خلال أربع سنوات، وهي مدة تجدد الاختبار.
وتمكن (TIMSS)الدول المشاركة في الاختبار من الحصول على بيانات شاملة ومقارنات دولية حول مقدار المفاهيم والعمليات والاتجاهات التي تعلمها طلابها في مادتي الرياضيات والعلوم، وتتضمن الدراسة التركيز على خمسة مجالات أساسية:معايير المناهج , والمدرسة ,والمعلمين وعملية إعدادهم, وأنشطة ومواصفات الصف الدراسي , والطلاب.
ولضمان تحقيق أعلى قدر من الجودة والدقة في عملية الاختبار يتم توحيد إجراءاته بحيث يجرى الاختبار في العلوم والرياضيات في الوقت نفسه في كل الدول المشاركة وذلك تحقيقًا للعدالة والموضوعية، وعلى عينة كبيرة من الطلاب والطالبات تقدر بالآلآف، وقد شارك في آخر اختبار 2007 أكثر من ستين دولة منها عدد من الدول العربية، ولهذا فنتائج تمز تعد مقبولة ومعترف بها عالميًا ومحك حقيقي لجودة النظم التعليمية.
خلاصة نتائجنا في اختبار تمز 2007م
تضمن اختبار (TIMSS) لعام 2007م نوعين من الأسئلة في كل مقرر وهي: أسئلة الاختيار المتعدد وأسئلة الاختبارات البنائية التي يصحبها استفتاءات تعنى بجمع معلومات حول السياقات التربوية والاجتماعية والثقافية المؤثرة في عملية التحصيل العلمي ومن بينها عدد من الاستفتاءات موجهة لكل من: المدرسة، ومعلمي الرياضيات والعلوم, والطالب نفسه.
أما أسئلة الاختبار في الرياضيات والعلوم فتوزع على (14) كراسة متكافئة، بحيث يجيب كل طالب من أفراد العينة عن كراسة واحدة فقط تكون قد حددت له من خلال توزيع عشوائي، وتحتوي كل كراسة على أسئلة في الرياضيات والعلوم بعضها من نوع الاختيار من متعدد، وبعضها الآخر من نوع الاستجابة الحرة الذي يتطلب من الطالب إجابة قصيرة أو إجابة مطولة يحل فيها الطالب مسائل بخطوات متعددة.
وتفصيل النتائج معلنة على موقع (
http://www.timss.org) ومتوفرة لدى جميع الدول في وثائق خاصة، أما ما يخصنا فدعونا نتوقف قليلًا مع النتائج التي حصلنا عليها في الرياضيات: إذ حصلت المملكة في نتائج اختبار الصف الثامن(الثاني المتوسط) بمشاركتها بالطلاب والطالبات في اختبار (TIMSS) على متوسط 329 من متوسط عالمي 500 (علمًا بأننا لم نشارك في اختبار المستوى الرابع!!)، وكان التميز لدول الصين وكوريا وسنغافورة وهونج كونج واليابان، كما أن الفرق كبير أيضًا مع دول قريبة منا مثل: لبنان والأردن وتونس وإيران، وتفوقت علينا الدول الخليجية مثل: البحرين وعمان والكويت ودبي.
ومن النتائج حصولنا في مجالات الرياضيات على نتائج متدنية وأقل بكثير من المتوسط العالمي للحد الأدنى للأداء كما يلي: فحصلنا في مجال نظرية الأعداد على (309)، وفي الجبر على (344)، وفي الهندسة على(359)، وفي الإحصاء على(348) من متوسط عالمي (500)، وفي مجال المعرفة على (335) ومجال التطبيق على(308)!!
ومن النتائج أن الأداء في اختبار 2003 أفضل بقليل من الأداء في اختبار 2007؛ وهذا تراجع القهقرى!
ومن النتائج العجيبة أن طلابنا الذين أدوا الاختبار لو قاموا حسب نظرية الاحتمال بمجرد الاختيار العشوائي للإجابات دون تفكير أو حل خاصة في أسئلة الاختيار من متعدد لكانت نتيجة أفضل مما أحرزوه من الاعتماد على خلفيتهم في الرياضيات!! وهذا يعني أنهم مصرون على أن معرفتهم صحيحة بينما هي في الواقع خاطئة!
وتبين لنا أن تحصيل طالباتنا الإناث أفضل من تحصيل طلابنا الذكور في جميع المجالات السابقة، وقد رحمنا الله بمشاركة الطالبات وإلا لربما تبوأنا المركز الأخير بلا منازع!!
موقفنا.. ومواقف الدول العربية المتضررة
بمتابعتي لبعض ما رصد حول مواقف عدد من الدول تجاه نتائج الاختبار تبين أن عددًا منها قد أعلن حالة الاستنفار وإعادة النظر في البرامج التعليمية وتطوير أداء الطالب والمعلم، وهذا وتلك الدول أدت بصورة أفضل مما أدينا نحن!! ولا يخفاك أخي القارئ الكريم أنه عندما أعلن التصنيف العالمي للجامعات في مواقع الإنترنت قبل أكثر من عام قامت الدنيا في الصحافة ولم تقعد بسبب قبوع الجامعات السعودية في الذيل، وتحركت عدد من الجامعات واستطاعت أن تحقق تقدمًا كبيرًا في التقييم التالي.
أما نتائج تمز TIMSS 2003 و2007 فلم تحرك فينا ساكنًا حتى هذه اللحظة! وكأنها نتيجة طبيعية ومرضية بالنسبة لنا، ولو كان معنا أبو فراس الحمداني لما رضي إلا بقوله: « وإنا أناس لا توسط بيننا... لنا الصدر دون العالمين أو القبر».
يا ترى ما البداية الصحيحة باتجاه الحل؟
هنا يمكن أن يطرح هذا التساؤل: من أين نبدأ؟ فأقول وبالله التوفيق إن المسألة تحتاج إلى إعداد دراسة مستفيضة لنتائج تمز لعامي 2003 و2007 وتناقش بكل شفافية وموضوعية تشخيص المشكلة وتحليل أداء الطلاب ثم بعد ذلك تتوجه نحو دراسة الكيفيات لتتحول بعد ذلك إلى خطط عمل تنسحب بإسقاطاتها على النظام التعليمي لتطوير مقرري الرياضيات والعلوم على وجه الخصوص، ويمكن النظر أيضًا إلى هذه الاعتبارات أثناء مناقشة الحل:
- ضرورة تطوير برامج إعداد المعلم قبل الخدمة وأثنائها، والدخول بشراكة حقيقية بين وزارة التربية والتعليم والجامعات أو بيوت الخبرة لتطوير هذا الجانب بصورة لا تحتمل التأجيل.
- تحوير تعليم الرياضيات من مجرد تلقي معارف ومعلومات إلى إتقان مهارات وتطوير استراتيجيات وأساليب في التفكير الناقد والإبداعي ووراء المعرفي وغيرها، بحيث نستهدف العقل ونربيه حتى يستوعب العالم والأفكار ولا يتوقف عن الإنتاج والثراء الفكري، فالسيادة الحضارية المعاصرة للعقل، وبذلك تسهم الرياضيات حقيقة في تطوير الحضارة.
- تطوير استراتيجيات حل المسائل الرياضية أو ما يعرف «Problem Solving» لدى الطلاب، فبذلك نمكنهم من امتلاك أدوات أصيلة في تعليم الرياضيات فنعطي لهم «السنارة» لا «السمكة» فيستطيعون صيد كل أنواع السمك والحيتان في محيط العلم والمعرفة.
أرجو أن تؤخذ وجهة النظر المطروحة بكل شفافية خاصة مع العهد الجديد لوزارة التربية والتعليم الذي يجعلنا نتفاءل بالخير ونتوقع ونؤمل كثيرًا من خطوات الإصلاح التي تصب في النهاية في مصلحة الوطن المسلم المعطاء، والله الموفق والهادي.
المصدر :
http://www.almarefh.org/news.php?action=show&id=599