وفي هذا المقال نريد أن نلقي الضوء على الأساليب الأخرى في التسعير ومن أهمها استغلال العوامل النفسية للمستهلكين. وهذه السياسات تتشابه مع سياسية "المطالبة بالمزيد" وسياسة "النقود المرحة" في الآلية، حيث توهم المستهلك بأن السعر الذي يعرض هو السعر الحقيقي. ورغم انتشار استغلال العوامل النفسية في التسعير إلا أن ما نشر في هذا الجانب قليل ولا يخرج عن سياسات محدودة أهمها: الأسعار الجذابة، جودة الأسعار، التشكيك في القوة الشرائية للمستهلك، وسنبين هذه السياسات الثلاث بإيجاز.
يمكن توضيح سياسية "الأسعار الجذابة" أو ما تسمى أحيانا بسياسة "الأعداد الكسرية" بالمثال التالي: ما الفرق بين 500 ريال و499 ريالا؟ في المجال المحاسبي الفرق ريال واحد وليس هناك فرق يذكر من الناحية الاقتصادية لأن منفعة السلعة وفقا لهذين السعرين متساوية تقريبا، أما من الناحية التسويقية فالوضع يختلف لأن مديري التسويق يرون أن العميل ينظر إلى 499 ريالا على أنه أقرب إلى 400، بينما هو في الحقيقة أقرب إلى 500. ورغم استخدامها من قبل عدد كبير من الشركات إلا أن الدلائل العلمية تبرهن عدم فاعليتها في زيادة المبيعات, وسبب شيوعها يرجع إلى العادات التجارية، التقليد، الحدس، والاعتقاد بجدواها.
أما سياسة "جودة الأسعار" فتعنى ربط السعر المرتفع في أذهان الناس بالجودة، بمعنى أن المستهلك يعتقد أن السعر المرتفع للسلعة يعكس جودتها. وقد نشأ هذا الاعتقاد نتيجة تجارب بعض المستهلكين مع السلع رخيصة الثمن, كما أثبتت الدراسات أن الأسعار العالية ترتبط بالفعل بالجودة العالية وستظل هذه الفكرة تراوح في أذهان الناس طالما أثبتت السلع الرخيصة ارتباطها بالجودة الرديئة. وقد اتخذها كثير من الشركات أداة أساسية في تسعير منتجاتها بشكل دائم لأسباب عدة, منها: اتساع شريحة المستهلكين الذين يربطون الجودة بالسعر، وتجنب الدخول في حرب أسعار مع المنافسين.
السياسة الأخرى التي تستغل العوامل النفسية للمشترين تتمثل في "التشكيك في قدرة المستهلك الشرائية" لدفعه إلى إثبات العكس، وهذه الطريقة تحتاج إلى مهارة عالية من رجال البيع, فليس كل البائعين قادرين على توظيفها بشكل جيد. وتتلخص هذه السياسية في أن يقوم رجل البيع بعرض مجموعة من السلع على المستهلك واحدة تلو الأخرى, وعندما يشعر أن العميل غير مقتنع بالسلع المعروضة يوحى له أن لديه سلعة أخرى أكثر جودة إلا أن العائق الوحيد هو سعرها المرتفع، وكأن لسان الحال يقول "لقد عرضت أمام ناظريك السلع التي تناسب قدرتك الشرائية".
وعبارة كهذه تولد التحدي في عقلية المستهلك, وعليه أن يثبت لرجل البيع عكسها، فيطلب العميل التعرف على خصائص السلعة التي لم يرها. عندما يذهب رجل البيع لإحضار السلعة يتغيب عن المستهلك برهة كي يوهمه بأهمية السلعة وقيمتها وأنها تخضع لمعايير تخزين عالية، وعند عودته يركز المستهلك على السلعة الجديدة ويغفل البقية ثم يتفاوض بطريقة عبثية بعدها يستسلم ويقرر شراء السلعة الأخيرة. لقد قام رجل البيع بمهمتين لاصطياد العميل، الأولى: ترسيخ أهمية السلعة وتميزها عن الأخريات، والثانية: التشكيك في قدرة العميل الشرائية التي حاول العميل دحضها بشراء السلعة، فبعض الناس لا يريدون أن يظهروا بمظهر العاجز ماليا أمام الغير.
يجب علينا أن نكون حذرين من استغلال العوامل النفسية بمثل هذه الطريقة غير الأخلاقية، وإذا أراد المستهلك أن يخرج من هذا الفخ فما عليه سوى تجاهل السلعة الجديدة والتركيز على السلع الأخرى، وقد يحاول رجل البيع أن يضع سلعته الجديدة بعيدا عن الأخريات ليظهر تميزها، لذا على المستهلك أن يحملها ويضعها بين السلع المعروضة، فتصرف كهذا سيرسل رسالة ضمنية مفادها أن اللعبة قد تعرت وأن السلعة التي حاول رجل البيع تمجيدها لا تختلف كثيرا عن البقية. عندما يصل الوضع إلى هذه النقطة الحرجة، فإن رجل البيع سيقبل التفاوض وقد يدفع المستهلك فيها سعرا يساوى الأخريات أو أقل منه قليلا، عوضا عن تعمده استغلاله بطريقة غير أخلاقية.
ورغم أن دراسة ردود فعل العملاء لبدائل متعددة من الأسعار يعد مجالا خصبا للبحث العلمي، إلا أن علماء النفس وعلماء التسويق أحجموا عن ذلك لأسباب غير واضحة، فإسهاماتهم في هذا المجال محدودة جدا لا تخرج عن السياسات التسعيرية السابقة الذكر إلا بشيء يسير.
http://www.aleqt.com/2009/03/18/article_205668.html