الانخفاض البطيء للتضخم... لماذا؟
عبدالله بن ربيعان الحياة - 06/02/09//
على رغم الانخفاض الملحوظ والمتوقع لارقام التضخم في المملكة، إلا أن الانخفاضات المتتالية خلال الأشهر الاخيرة ما زالت دون المأمول، ولا تشبه بأي حال مثيلاتها في الأسواق الأخرى.
فلو اخذنا التضخم في أميركا على سبيل المثال، فإن الرقم القياسي لأسعار المستهلكين Consumer price index انخفض من 5.6 في المئة في تموز (يوليو) 2008، وهو الشهر الذي انطلقت فيه شرارة الأزمة المالية في أميركا إلى 5.4 في المئة في آب (أغسطس)، ثم الى 4.9 في المئة خلال أيلول (سبتمبر)، والى 3.7 في تشرين الأول (أكتوبر)، ليغلق في تشرين الثاني (نوفمبر) على 1.7 في المئة، وليختم العام مسجلاً رقماً صغيراً جداً هو 0.7 في المئة، وبإنخفاض اجمالي زاد على 4.5 في المئة خلال 6 أشهر.
أما في بريطانيا فأغلق مؤشر أسعار المستهلكين في كانون الثاني (ديسمبر) 2008 على معدل تضخم بلغ 3.1 في المئة، منخفضاً من 4.1 في المئة في نوفمبر و4.5 في المئة خلال اكتوبر، و5.2 في سبتمبر، وهي انخفاضات زادت في مجموعها على 2 في المئة خلال 4 أشهر، ولا تختلف الحال كثيراً في دول الاتحاد الأوروبي، فمعدل التضخم اقفل عامه دون 2 في المئة في المتوسط. أما التضخم السعودي فتراجع من 11.1 في يوليو الى 10.90 في المئة في أغسطس، الى 10.35 في سبتمبر، ثم 9.5 في نوفمبر ليغلق العام على معدل 9 في المئة في ديسمبر. وعلى رغم ان الانخفاض خلال 6 أشهر بلغ 2.1 في المئة، الا انه لا يقارن بكل الأحوال (كما اشرت سابقاً) مع انخفاض التضخم الأميركي البالغ 4.9 في المئة، كما ان الرقم المجرد للتضخم في السعودية يفوق بأربعة أضعاف تقريباً مثيله المسجل في دول المقارنة الأخرى، ولذا فإنه من المنطق ان يقاوم التضخم لديهم الانخفاض، بينما يكون الرقم الكبير وهو معدل التضخم عندنا هو الأكثر قابلية للهبوط بدرجات أكبر، ولكن ما يحصل هو العكس.
كما ان الواقع يقول ان مواطني دول المقارنة يحصلون على دخول فردية أعلى مما يحصل عليه الفرد في المملكة (وبالتالي استهلاكهم أكبر)، كما أن فاتورة وارداتنا ليست الا رقماً عشرياً صغيراً مقارنة بكبر حجم استيرادهم، وهي كلها عوامل يجب ان تدعم بقاء التضخم لديهم مرتفعاً، وتشجع الرقم لدينا للنزول.
ولعل السؤال الذي يتبادر الى الذهن هو: لماذا ينخفض التضخم في هذه الدول بسرعة ولدينا ببطء وتثاقل، على رغم انه يفوق الرقم الطبيعي لمعدلات التضخم بثلاثة أضعاف (المعدل الطبيعي بين 1 و3 في المئة)؟
ربما التبرير الأقرب للحقيقة هو ان الاقتصاد وبالتالي المستهلك السعوديين لم يتأثرا كثيراً جراء الازمة المالية العالمية، كما ان الخوف من فقد العمل أمر غير منتظر في المملكة، يضاف الى ذلك عدم وجود منافسة حقيقية بين التجار واحتكار بعض السلع من موردين أو وكلاء قليلين، وبالتالي فسوقهم الى الاحتكار اقرب منها للمنافسة.
واختم بأن الاقتصاديين يرون أن 2009 هو عام النيرفانا (السعادة القصوى) للمستهلكين في العالم، نتيجة انخفاض معدلات التضخم، قبل ان ترتفع مرة اخرى نتيجة الانفاق الحكومي وكبر حجم مبالغ التحفيز التي بدأت الدول الكبرى في ضخها في اقتصاداتها، وهو ما يجبرني على إعادة السؤال للمعنيين بالأمر، وبصيغة اخرى أقول: اذا لم ينخفض التضخم والعالم يتجه نحو الانكماش ويوشك على الدخول في مرحلة تحقيق ارقام تضخم بالسالب، فمتى سينخفض التضخم عندنا؟!
* اقتصادي سعودي- بريطانيا.
rubbian@yahoo.com