.
كم كان مفرحاً ومبهجاً أن يبادر المواطن بوعي ذاتي ، وبتضافر جماعي ، إلى حماية نفسه ، ومصالحه الاقتصادية ، بعد أن عجزت الجهات الحكومية ، والجمعيات الأهلية ، عن أن تحميه من جشع (عصابات) كبار التجار ، ومصّاصي الدماء ، الذين تحولوا إلى وحوش كاسرة ، حولت الوطن بأسره إلى ما يشبه الغابة ، والمواطن طريدة رخيصة ، تنهشه بأنياب الجشع ، والغلاء ، والاحتكار ، تحت حماية أنظمة غبية ، يقعّـد لها المنتفعين ، ويصادق على فرضها الكبار ، ويطبقها بغباء تنفيذيون شعارهم امتثل ثم اعترض ...، كل هذا يحدث على مرأى ومسمع من مسؤولين لم يرعوا حق الله ، ثم حق الوطن والمواطن ، فيما ولوا من مسؤولية .
الحملة الشعبية لمقاطعة شراء السيارات الجديدة ، (خليها تصدي) ، آتت ثمارها بوقتٍ أسرع ، وفاعلية أكبر ، مما كان متوقعاً ، فقبل أن يجني المواطن الثمار الفعلية للحملة ، بدأ يعلو صوت التجار بالشكوى ، بعد أن هزّت الحملة أركانهم ، وشلت أفكارهم ، فلجأوا إلى وزارة التجارة ، في إثبات قاطع أن دورها لا يتعدى رعاية مصالح رجال الأعمال .
المواطن المستهلك ، ليس له بعد الله حامٍ حكومي أو أهلي ، فالجهة الوحيدة المختصة بهذا الشأن (إدارة حماية المستهلك) تتبع لوزارة التجارة الراعي الأول للتاجر ، فكيف ننتظر منها أن تخدم الاثنين معاً ؟!
الرعاية والاهتمام سيستأثر به الأقوى ، لذا تحولت حماية المستهلك إلى حماية التاجر بتكميمها فم المستهلك ، لئلا يصل إلى أعلى سلطة إلا صوت المسؤول يحمل (كليشة) ملّها المواطن ، وقتلت في داخله كل أمل : "كلش تمام طال عمرك" !
لهذا السبب لم ولن يسمح بقيام جمعية أو منظمة أهلية ترعى حقوق المستهلك ، وتدافع عنه ، وتوصل صوته للقيادة السياسية العليا ، فالمسؤول المتواطئ مع التاجر ، يعرف تماماً ، كما المواطن ، انحياز قيادة هذه البلاد لمصلحة المواطن ، وتقديمها على أي مصلحة أخرى ، لذا سيظل المسؤول يقدم المواطن للسلطة كقاصر ، لا بد من وصيّ عليه ، ليرعى مصالحه ، ويتدبر شؤونه .
من هنا يتضح لنا لماذا تمت الموافقة على إنشاء جمعية حماية المستهلك ، بنصف أعضاء معينين من قبل وزارة التجارة ، لتبقى تحت عباءة الوزارة .
هذا التعيين قتل الجمعية في مهدها ، وأفقدها ثقة المستهلك الذي يفترض أنها قامت من أجله ، وهذا ما يريده المسؤول ، من جمعية شكلية ، يوهم القيادة العليا بأنها تحقيق لمطالب المواطن ، ويحمي من خلالها مصالح التاجر ، وليتها حماية بمعناها العادل ، بل إنها تحقيق لمصلحة التاجر ، مهما بلغت من الجشع ، وأينما وصل بها الطمع ، وإزالة كل (ما) يعترض تحقيقها ، حتى لو كان هذا الـ(ما) حياة مواطن بمعناها الحسي والمعنوي !
(خليها تصدّي) ، أول الغيث ، وسيليها حملات أخرى ، إلى أن يضع التاجر لهذا المواطن قيمة ولو كانت بمنظور مادي ، لأن هذه نظرته للحياة ، وهو يقيس أهمية كل شيء تبعاً للقيمة المادية التي سيضيفها لرصيده ، أو العكس ، فواصلوا أيها (المستهلكون المستضعفون) وعين الله تحرسكم .
*** أسئلة... ، مجرد أسئلة :
• التاجر والمستهلك تتعارض مصالحهما بشكل كبير ، والمسؤول عن رعاية مصالح الطرفين جهة واحدة هي وزارة التجارة ... السؤال كيف يمكن للوزارة التوفيق بين المصلحتين ؟!
• ألا يوجد على امتداد الوطن مواطنين عقلاء وأكفاء ، يمكن توليتهم جمعية حماية المستهلك الأهلية دون تدخل من وزارة التجارة كما يحدث في كل دول العالم ؟ ألهذه الدرجة ترى الوزارة المواطن فاقداً للأهلية لتفرض وصايتها عليه ؟
• في بداية موجة الغلاء قفزت الأسعار إلى السقف بلمح البصر ، اليوم تراجعت الأسعار العالمية بفعل الأزمة الاقتصادية ، ولازال تجارنا متشبثون بالسقف الأعلى ... أين دور حماية المستهلك ؟
• قبل سنة صدر مرسوم ملكي يقضي بدعم الأرز وحليب الأطفال ، ولم نر حتى اليوم أي أثر لهذا الدعم على الأسعار...ألا من مستقصٍ يأتينا بخبر ؟ مالذي جناه المواطن من قرار الدعم هذا ؟
ناصر بن محمد المرشدي
كاتب وإعلامي سعودي
منقول من صحيفة الوئام الالكترونية
.