محمد الصالحي
سارق فواتير
بالمعايشة، أستطيع أن أرسم خطة بدائية لتجاوز تساؤلات إدارة مالية ما، عند بحثهم عن وثائق المصروفات لمؤسسة حكومية في جغرافيتنا. أستطيع بفخر أن أحمل في حساباتي وجيبي العلوي مبلغاً يتجاوز راتبي بعشرة أضعاف دون أن أهتم لأحدهم وهو يسألني: "كيف حصلت على هذا".
الأمر بسيط جداً، لمن يهتم بذلك: فواتير بيضاء يتصدرها شعار محل تجاري متواضع في الشارع المقابل، ومختومة بختم معترف ومعتبر لذات المحل. بلا تاريخ. بلا تفاصيل، فتلك لا تهم، أستطيع أن "أعبئها" بتفاصيل وهمية. ما يهمني كثيراً هو أن أعقد علاقة جيدة مع من يزودني بتلك الأوراق، لأحتاج إليه مستقبلاً عندما أضطر لابتكار الحيلة الآنفة الذكر.
وبالخبرة، سأخبركم والثقة تغمرني أن إجاباتي المغلفة بضحكة الانتصار ستكون جاهزة لكل التساؤلات التي سـ"تَجرُد" تلك المشتريات الوهمية: سأدرجها ضمن البنود الاستهلاكية كالتي تتعلق بالأدوات المكتبية وأحبار الطابعات.أحمق من سيسألني عن مكان وجودها: لقد ذهبت في سلال المهملات وأيدي الموظفين وملفات المواطنين أحمد وسعيد وعبدالرحمن. إنها الكذبة التي ستصدق حتماً.. وبالأدلة. صدقوني!
أما بند البنزين. فهو المفتاح لعلاقات اجتماعية من عيار ثقيل. أستطيع أن أسخره لسيارتي ولأصدقائي وعائلتي والمقربين مني. ورقة بحجم أصابع اليد أصافح بها رغبتي في خدمة من يهمني أمره.
صدقوني تلك ليست أسراراً خطيرة. تعلمتها وأنا حتى اللحظة لم أجلس على كرسي لمنصب إداري متواضع. فعليكم أنتم باكتشاف "حيل" للبنود الأخرى.
الأمر الذي سأعترف لكم به. هو أنني لم أحاول أبداً أن أبتكر حيلة لإنقاذ مشروع بناء مدرسة نموذجية لسكان قرية تعبوا وهم يصيحون طلباً لها وتعرقل بحجة عجز الميزانية. لا توجد حيل إدارية لإنشاء مستوصف أُسكت به مواطنين بسطاء يبحثون عن دفء العافية. ولم أفكر في الوقوف بصف سكان أحد الأحياء وهم يشحذون طبقة أسلفت بسمك سنتمترات وطول أمتار.الأمر يستحيل إلى معجزة حتى قبل أن أفكر فيه.
لذا استميحوا لي الأعذار عندما أجلس مستقبلاً على كرسي إدارة تقفون ببابها. إنها الأمانة التي أحملها: هي التي تخذلني على مكتبي.وتزورني عنوة عندما أتحدث للناس.
هنا
.................................................. .
..............
هؤلاء سارقوا الوطن