العودة   منتدى مقاطعة > الإعلام > مقالات > غلاء الأسعار والتدخل الحكومي

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-10-2007, 02:22 PM   #1
Saudi Mqataa
إعلامي المنتدى

 
رقـم العضويــة: 4093
تاريخ التسجيل: Aug 2007
المشـــاركـات: 2,362

افتراضي غلاء الأسعار والتدخل الحكومي

غلاء الأسعار والتدخل الحكومي
د. مقبل صالح أحمد الذكير - 16/10/1428هـ
m_dukair@yahoo.com

اللهم إنا نعوذ بك من الغلاء والبلاء. فقد اجتمع على الناس في السنتين الماضيتين كارثتان: الأولى كارثة انهيار سوق الأسهم التي قضت على مدخراتهم وممتلكاتهم وحملت بعض من غرر بهم ديونا مفجعة. والثانية كارثة غلاء الأسعار التي عمقت من ضعف القوة الشرائية لدخولهم الثابتة، ودكت بشدة مستوى معاشهم. ومن عجائب القدر، أن تسوء الأوضاع الاقتصادية لعامة الناس المكونين للمجتمع من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، في وقت ارتفعت فيه أسعار النفط وزاد فيه دخلنا الوطني زيادة هائلة غير مسبوقة، حتى أصبح الناس يتشاءمون مع كل ارتفاع في أسعار النفط، لأنها أصبحت تجر عليهم تدهورا جديدا في مستوى معاشهم، مما حدا بالأخ الدكتور عبد العزيز الصويغ سفيرنا في كندا، في مقال له نشر أخيرا، إلى تشبيه حال مجتمعنا أنه حالٌ يصدق عليه وصف: اقتصاد متين وشعب مدين!
ولا شك أن جسامة الخطب من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية قد أصبح الآن أشد وضوحا، وهو الأمر الذي نبهنا إليه منذ نحو أكثر من سنة عندما بدأ الارتفاع أولا في أسعار مواد البناء والإيجارات والأدوية، وحذرنا من الاستهانة بخطورة مآلاته، لأن التضخم إذا بدأ في قطاع انتشر بسرعة في بقية القطاعات. نبهنا على ذلك، في حين كان بعض المسؤولين الاقتصاديين يحاولون التقليل من درجة خطورة الظاهرة آنذاك. فقال بعضهم إن مستوى التضخم لا يقلقنا، وقال البعض الآخر إن التضخم تحت السيطرة ! وعندما اتضح جليا أن الظاهرة تحولت لمشكلة حقيقية لا يمكن إنكارها وأنها ليست تحت السيطرة، اكتفي البعض الآخر بمهمة شرح مبررات غلاء الأسعار. في حين كان إحساس الناس بحجم المشكلة وخطورتها أدق وأصح من إحساس وتصريحات بعض المسؤولين الاقتصاديين. والآن أصبح الناس ينتظرون ما هو أكثر من مجرد الاعتراف بوجود المشكلة، أو شرح أسبابها. وغدوا يتطلعون إلى أفعال لا مجرد أقوال وتبريرات، أفعال تطمئنهم على أن هناك إجراءات اقتصادية عملية ستتبناها سلطاتنا الاقتصادية لمواجهة زحف هذا المارد الخطير، من أجل إعادة التوازن للاقتصاد وتحقيق الاستقرار في الأسعار ووقف تدهور مستوى معيشتهم.
وإزاء هذا الوضع نهض حبيب الشعب، مليكهم وولي أمرهم، فأصدر في أواخر شهر رمضان توجيهاته الملكية لوزير الداخلية وأمراء المناطق بضرورة توجيه المختصين بدراسة المشكلة ومتابعتها ورفع تقارير دورية عنها. وقلت في مقالتي السابقة إن الناس سعدوا سعادة بالغة بهذا التوجيه الكريم واستبشروا به خيرا. وكنت شخصيا على يقين أن هذا الاهتمام الملكي سيسفر عن خطوات إيجابية. وبالفعل فقد كان أول الغيث هو التوجيه الكريم بإعفاء ذوى المتوفين من المقترضين من صندوق التنمية العقاري من بقية الأقساط المترتبة عليهم. وأتوقع بحول الله أن تتلو هذا القرار قرارات اقتصادية أخرى ستسعد الناس، وتساعدهم على مواجهة عبء هذا الغلاء.
في مقالة الأسبوع الماضي (هذا الغلاء.. من أين أتى؟) حددت أسباب الغلاء في مجموعتين من العوامل، عوامل داخلية وعوامل خارجية. وسأواصل في مقال اليوم والمقالات التالية طرح تصوراتي حول ما يجب علينا عمله لإدارة اقتصادنا ومعالجة المشكلات الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط وتضخم أسعار السلع والخدمات، مخصصا مقالة اليوم لمناقشة مدى فائدة تدخل الحكومة في عمل الأسواق، وحدود هذا التدخل.
يخضع مستوى معيشة الناس لتأثير عاملين: مستوى الأسعار، ومستوى الدخول. وعندما يكون ارتفاع الأسعار محصلة لتفاعل طبيعي وحقيقي لقوى العرض والطلب في الأسواق، فليس من المصلحة التدخل في عملها. فقد دلت التجارب العملية أنه ليس من الحكمة الاقتصادية، ولا من مصلحة الناس أن يتدخل الجهاز الحكومي، بكل ما هو معروف عنه من بيروقراطية واحتمال الانحراف والفساد، في عمل قوى السوق. فلن يجني الناس من ذلك سوى المزيد من المتاعب، إذ ستختفي السلع ويقل العرض وتظهر أسواق سوداء للسلع بأسعار أعلى. وهذا ما حدث للحديد قبل نحو سنة عندما حاولت وزارة التجارة أن تتدخل في قوى السوق، فانخفض العرض واختفى الحديد، فتراجعت الوزارة عن التدخل. وهذا ما حدث أيضا لتكاليف النقل عند كثير من المنتجين المحليين، حيث تأثرت بشدة بالتدخل الحكومي في سوق العمل، ورفعت تكاليفهم بمقدار الضعف ثم انعكس ذلك في نهاية الأمر على الأسعار التي يتحملها الناس. والأمثلة كثيرة، ولذلك من الأفضل ابتعاد الحكومة عن التدخل في قوى السوق طالما أن قوى العرض والطلب تعمل بحرية، بحيث يقتصر دور الأجهزة الحكومة على التنظيم والمراقبة ومحاربة الفساد بكل صوره وأشكاله سواء في القطاع العام أو الخاص، بحيث تكون مصلحة البلاد العليا هي نبراس عملنا وهدف سياساتنا دائما.
وعلينا بكل إخلاص وصدق وضع حد للممارسات الشخصية الضيقة المعطلة لمسيرة التنمية في بلادنا. مثل حجز مساحات شاسعة من الأراضي، ليس لغرض السكن أو الإنماء، وإنما بغرض زيادة الإثراء. فهذه الممارسات تعطل قيام المشاريع العقارية وتضيق العرض وترفع تكلفة حصول الناس على الأراضي بقيمها الحقيقية التي يجب ألا تزيد عن تكاليف التمهيد والتسوية.
وعلينا أيضا أن نوجه جهودا فعالة وحاسمة لتحسين بيئة عمل الاقتصاد والأسواق سواء من الناحية الإجرائية أو القانونية، بحيث يعرف ويلمس ويتأكد الجميع أن القانون يعلو ولا يعلى عليه. وأن نكف عن الضحك على أنفسنا، فكل ممارسة غير صحيحة سيشعر بها الجميع، وسيقلد فيها الصغير الكبير، وستنعكس على زيادة التكاليف على الناس، وستعمق من فوارق الدخول وفوارق مستويات المعيشية بين طبقات المجتمع. إن الاستهانة بهذه الممارسات ستعمل مع مرور الوقت وتراكمها على تخريب الحياة الاقتصادية وتكريس أجواء عدم العدالة، وتعميق المصاعب الاقتصادية، وسيتفرع عنها مشكلات اجتماعية وأمنية مؤذية، قد تنفجر بعد فوات الأوان، في وقت لا يمكن السيطرة عليها ولا إصلاحها، وحينها لا ينفع معها نوح ولا بوح.
ولذلك علينا أن نستبعد فكرة التدخل الحكومي المباشر في عمل الأسواق، لكن علينا في الوقت نفسه أن نعمل صادقين على تحسين أداء جهازنا الحكومي، وتشجيع المنافسة ومنح الامتيازات بشفافية والقضاء على الاحتكارات وليس مجرد إحلال محتكر محل آخر. هذه أمور مبدئية مهمة لإصلاح الاقتصاد وفك الاختناقات ستساعد على تخفيض التكاليف. لكن هناك إجراءات أخرى لا تقل أهمية نتابع الحديث عنها يوم السبت المقبل بحول الله.

___________________________

كلنا فداء للوطن







Saudi Mqataa غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:56 AM.