العودة   منتدى مقاطعة > الإعلام > مقالات > حمى الاستهلاك

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-09-2007, 04:57 PM   #1
طير السعد2006
مقاطع نشيط

 
رقـم العضويــة: 5143
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشـــاركـات: 249

افتراضي حمى الاستهلاك

النظم المعيشية السائدة دفعت بالإنسان إلى البحث اللاهث في سبيل تأمين كثير من الأشياء الكمالية التي باتت بفعل الايقاع الحياتي السريع والتغيرات المتلاحقة, وبفعل التقدم التقني الهائل ركائز أساسية يتعذر الاستغناء عنها في واقعنا الحاضر بل صارت نوعية هذه الكماليات المقتناة

هي التي تحدد لون الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها مقتنيها؛ الفتوحات التكنولوجية والتقدم المذهل في عالم الابداع والابتكار وتنوع الخيارات المطروحة في كل مجال من شؤن الحياة, أتاح للإنسان ارتياد آفاق نوعية ووفرت له ما يعد لدى الأسلاف ضربا من ضروب الخيال حتى باتت معطيات الحياة المتوفرة للإنسان العادي اليوم أفضل وبكثير- على نحو لا يمكن معه المقارنة - من طبيعة الحياة التي يعيشها الملوك في الماضي الآنف؛ إن جملة كبيرة من تجليات المتاع الكمالية أضحت الآن عنصرا حياتيا يمثل وجوده أحد مقومات العيش الكريم؛ في الزمن الغابر كان الجوع مصدرا, لأخطار ماحقة تسحق حياة الانسان, ومصدرا لنشوء عدد من الأوبئة القاتلة.

أما في عصر كعصرنا, فإن الآية انعكست حيث صارت التخمة والسمنة, بفعل ما تفرزه من تتاليات نتيجة للنهم المسعور في تناول ألوان من الأطعمة, تشكل نوعا من التهديد المقوض لحياة البشر؛ فيما سلف من الأزمان كان الإنسان يحكم زمام السيطرة على واقعه ولديه قدرة غيرعادية في توجيه بيئته المحدودة وتحديد مساراتها ولكن اليوم بفعل ما استجد من المعطيات الترفيهية استحال مركز التحكم من الإنسان إلى البيئة بأشيائها وآلاتها التي بدورها نقلت الثقل من عبء ينوء المرء بحمله إلى الآلة التي تتحكم بأساليب الحياة اليوم؛ إن التهلهل على المستوى الروحي, واختزال التطور العام في بعده الاقتصادي فحسب حفزالانسانية - كنوع من التعويض - إلى النهم المتزايد باستدعاء كل ضرب من الأدوات المتعية عن طريق بذل الجهود الإضافية للإعلاء من مستوى العيش وتحسين درجة موارده, ورفع سقف الإنتاج على نحو يفضي في النهاية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الرفاهية الناعمة والمتعة العالية المستوى؛ في الوقت الذي كان فيه الإنسان الأول يختزل طموحه في مجرد البحث عما من شأنه أن يسد رمقه من الجوع.

فهو يطوي الأرض سفرا, وبجهد مكثف وعمل دؤوب للبحث عن ما يضمن له البقاء حتى ولوكان هذا البقاء على هامش الحياة, أما الآن فثمة نقلة نوعية حيث صارت المأدبة الغذائية للفرد الواحد المتواضع الدخل ليست إلا وجبة غذائية إرستقراطية, لم يكن بمقدور الأسلاف أن يتوافروا على جزء منها, فضلا عن أن تكون حلما لهم في يوم من الأيام؛ إن الشعور المتفاقم بالجفاف العقائدي أحال الإنسان إلى كائن استهلاكي، يستهلك أكثر مما ينتج, يتقن الاستهلاك ولكنه يخفق في مجال الإنتاج.

لقد أضحى البعد المادي بروحه الغربية هو الذي يسيطر على مفاصل الوعي العربي بل وعلى مقتضاه تجري منهجة سعيهم الدائب, ظاهرة تقليد المغلوب للغالب ظاهرة غريزية أشار لها (ابن خلدون) في مقدمته؛ لقد ثبت من خلال الكثير من الدراسات أن ثمة مقاييس ومواصفات للسلع المصدرة لدول العالم الثالث لا تقبل بها الدول المتقدمة وهي أقل بكثير من المعايير والمواصفات المطبقة في العالم العربي؛ إن تسارع الإيقاع التنموي الذي تخضع له اقتصادات العالم الصناعي الأول اقتضى ضرورة توليد ضروب استهلاكية حديثة, والعمل على تكثيف الدعاية لها وتعزيز الرغبة الجامحة, في استهلاكها.

الدعاية الإعلانية في المجال التجاري هي الباب الرحب الذي يوظف كثيراً في سبيل إذكاء النهم الاستهلاكي, وتنشيط الرغبة اللامحدودة في تبذير المادة وتبديد مواردها.

وثمة إحصائيات غير قليلة تؤكد على أن مجمل ما يجري انفاقه على الدعاية الإعلانية في العالم يربو على (350) مليار دولار سنويا؛ إن الإعلانات التى تعرض على شاشات الفضائيات ومحطات التلفزة ويقدمها اخصائيون بارعون في الموسيقى والألحان والإخراج الفني تمارس دوراً كبيراً بخداعها الدعائي الذي يدفع بالمستهلك إلى استهلاك ما يصور له بأنه أحد معايير المكانة الاجتماعية وبأنه الباعث الأميز على كثير من الحبور الفردي.

إن كثيراً من المواد المستهلكة لا تقتني بفعل احتوائها على مميزات ذاتية ولا بفعل الاحتياج

الفعلي, وإنما طلبا لما يترتب عليهامن التباهي والظهور وتعويض نقص اجتماعي معين على نحو يؤهل للدخول في طبقة الصفوة من ذوي اليسار.

ثمة هوس كبير في التسوق نتيجة لغياب أولويات الإنفاق الأساسية في الحياة اليوم على نحو طغت فيه الكماليات على فاتورة الإنفاق اليومي؛ إن تقنين الممارسة الشرائية, والحد من النهم الإستهلاكي, شأن ضروري لئلا يكون الفرد مجرد أدات إستهلاكية لا تتقن سوى التهافت اللاهث خلف الدعاية المفرطة؛ إن كثيرا مما ينفق في المناسبات الاحتفالية والولائم الأسرية وما يصرف لإقتناء الثياب والحلي وأدوات الزينة, مؤشر قوي يبرهن على أن ثمة مسلك استهلاكي بحاجة ملحه إلى ترشيده والتحكم في تحديد مساراته؛ إن ترشيد الوعي الاستهلاكي والتحجيم من اندفاع الروح الاستهلاكية, هو الكفيل.

بالحد من ارتفاع الأسعار بل إن مقاطعة بعض المواد الاستهلاكية, ذات السعر المسعور هو الذي يحد من زيادتها وخصوصها إذا توفر ثمة بدائل أخرى كمواد الأكل التي تتعرض عندما تقاطع للإصابة بالتلف, الأمر الذي يجبر موردها على تقديمها بأسعار معقولة إن هذا هو الآلية الكفيلة بإعادة الهدوء إلى حركة السوق؛ لا أن نندد ونستنكر ونرفع الشعارات وفي الوقت ذاته نتهافت وبإندفاع لا محسوب على شراء السلع وبكميات قد تكون في كثيرمن الأحيان أكبر وبكثير من طاقاتنا المالية!!



عبد الله بن محمد السعوي

___________________________



طير السعد2006 غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:00 AM.