قراءة في بيئة الفساد والإفساد (1)
د. سليمان المشعل
يتابع الجميع التوجه الجاد من الدولة - رعاها الله - في مكافحه الفساد والإفساد بمختلف ألوانه وأشكاله بما يحفظ رفاهية ورخاء وأمن المواطن والمقيم من خلال توافر وتطوير الأجهزة والهيئات الرقابية في المملكة كما هو الحال مثلا في تأسيس وتفعيل ''الهيئة الوطنية لمكافحه الفساد''، سوف أطرح عزيزي القارئ بعض الأسئلة والمحاور التي تجسد طبيعة تناول موضوع وتداعيات الفساد قبل القراءة التفصيلية في هذا الخصوص:
هل التعامل المباشر مع حلول لموضوع الفساد أهم من معالجة جذور وبيئة الفساد؟
هل أصبح الفساد مصدر دخل سريعا للرزق والتنفع والعلاقات الشخصية عند البعض؟
لماذا تظهر بعض معاول الهدم والتحديات أمام توجه وطموح الرخاء والتنمية؟
هل المواطن يسهم سلبا أو إيجابا في حماية نفسه ومجتمعه ووطنه من تداعيات الفساد؟
هل هناك دور للقطاع الخاص أو ''الشللية'' أو ''متعهدي الوساطة'' في تفشي الفساد؟
هناك تناغم وتوافق عند متابعة واقع البحث الجاد عن الإنتاجية والتطوير والنهضة بالخدمات ومواكبة التطلعات والطموح على مستوى الفرد والمجتمع والدولة في عرف التخطيط والتنظيم الاستراتيجي والموارد المالية في الميزانيات المعلنة والمخصصة لهذه المشاريع والبرامج التنموية والخدماتية، بينما يجسد واقع حال تهيئة ومتابعة ودعم تنفيذ هذه الاستراتيجيات التطويرية بعد اعتمادها مفارقة لا تخلو من الدهشة والغرابة ليس للمتابع أو المختص في علم الإدارة أو الاقتصاد أو التنمية الشامة والمستدامة فقط، بل يشتكي ويتندر في نفس الوقت شريحة كبيرة من المواطنين على الآلية العملية والتنفيذية والرقابية لسير دفة العمل في بعض القطاعات الحكومية ذات العلاقة في هذا الخصوص؟ يجزم البعض ويشكك البعض الآخر في توافر أو حضور سلوك وتوجه يتنافى أولا مع القيم الإسلامية لمجتمعنا قبل القيم الأخلاقية أو الحضارية للمجتمعات المدنية في العالم وهو الفساد، يعرف ''الفساد'' في اللغة على أنه ضد الإصلاح ونقيضه هو الصلاح، ويعني التلف وخروج الشيء عن الاعتدال (أفسد الشيء أي أساء استعماله) ويمكن أيضا تعريف الفساد على أنه كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام أو الخاص لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية أو جماعية، ويعد الفساد الجريمة الأكثر خطرا بين الجرائم التي تنال من أمن واستقرار ورخاء المجتمع وقيم العدالة وسبل تنمية وتطور المجتمعات المعاصرة، كما أن الحديث عن الفساد لا يخص مجتمعا أو دولة بذاتها، وإنما هو ظاهرة عالمية تجسد وتعكس واقع الضعف في بنية البيئة الثقافية، وكذلك في النسيج الأخلاقي المجتمعي والذي يسهم بدوره في تفشي ظاهرة الإحباط والسلبية بين أفراد المجتمع وبروز التعصب والتطرف والقناعات الخاطئة وانتشار الجريمة كرد فعل مباشر لعدم تكافؤ الفرص، وأيضا عامل رئيس في ندرة وضياع فرص التقدم والتطور وتعطيل الخطط التنموية والاستراتيجية للدولة والمجتمع.
يشخص الباحثون جملة من ''أسباب توافر بيئة الفساد والإفساد'' إلى (ضعف الوازع الديني، القصور الإعلامي والتثقيفي في توعية الناس بأضرار وأشكال الفساد الإداري والأخلاقي، ضعف أجهزة الرقابة الداخلية في بعض المنظومات والهيئات والمؤسسات الحكومية، ضعف أو ضبابية صياغة بعض القوانين واللوائح المنظمة للعمل، حيث إن عدم وضوح بعض المواد أو البنود أو تضاربها في بعض الأحيان الأخرى يسمح بالتعاطي معها على أكثر من تفسير، عدم الالتزام والاحترام لوقت وساعات العمل الرسمية مع اللامبالاة أو الحرص على الصالح العام، الانحرافات السلوكية والأخلاقية الشخصية، إفشاء أسرار وخصوصية طبيعة العمل والمنظومة، المحاباة والمجاملة على حساب مصلحة العمل، الجشع والطمع وهدر المال العام، تدني الروح والشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية، الاتكالية في تفعيل الأنظمة والاعتماد على دور الفروع الرئيسة لهذه المنظومات أو انتظار تعاميم وخطابات رسمية للمتابعة الجادة في هذا الخصوص، نقص في عدد الكفاءات والخبرات القيادية الوطنية من جيل الشباب، عدم الشفافية والوضوح عند التعريف أو الرفع بالنواقص والاحتياجات والعقبات التي تعترض تحقق الصالح العام للمنظومة، التنظير والدعوة من بعض المتنفعين والوسطاء خارج الشعور بالمسؤولية والوطنية بالقدرة على تنفيذ المصالح والمعاملات بالطرق غير النظامية).
كما أن تداعيات الفساد بأنواعه قد تلقي بظلالها ومردودها السلبي معنويا على البعض من أصحاب الكفاءة والعلم والمعرفة عند استبعاده أو تهميشه من المشاركة العملية والمهنية في مسيرة البناء والعطاء داخل الوطن، وبالتالي ينخفض أو يقل الشعور بقيمة وروح المبادرة ويسهل التقبل النفسي لفكرة التفريط في أداء الواجب العام، ومن ثم الاحتقان الاجتماعي وانتشار الحقد بين شرائح المجتمع، بينما يتزايد - لا سمح الله - في المقابل التوجه والصعود من خلال أنواع وأشكال جديدة من الفساد الإداري والمهني والأخلاقي في المجتمع ... (يتبع).
http://www.aleqt.com/2011/11/24/article_600954.html