هل يمكن لنا أن نحول واقعة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة إلى سلوك حميد وإلى أنماط من الأفكار الاجتماعية؟ هل يمكن أن نستغل الظرف إلى حالة بناء موجبة؟ الجواب: نعم، عبر تغيير نمطنا الاستهلاكي الفارط وعبر ترشيد يجبر السوق على الرضوخ لنا لا أن نرضخ له. في لندن واجهوا ضريبة دخول السيارات إلى المنطقة المركزية بالمدينة عبر حملة شعبية تدعو لاستخدام وسائط النقل العام فوجدت سلطات المدينة نفسها تخسر موارد تكلفة المواقف العامة بعد أن كانت تظن أنها ستربح جنيهين في اليوم على كل سيارة تعبر للمنطقة المركزية. في باريس، تزدحم المدينة هذا الصيف بآلاف العابرين على الدراجات الهوائية احتجاجاً على ضريبة المركبة. وهنا يبدو أن استسلامنا لنمط حياتنا الاستهلاكي وعدم رغبتنا في التغيير هو ما سيفرض علينا واقع سوق صاعد بأسعار إن استمرت على ما هي عليه الآن فلن يكون بالمنال علينا في العام القادم.
اليوم يجب أن ندرك الفارق بين طفرتين: في الأولى كان أبي - رحمه الله - بأولاده الخمسة فقط في وجه أمل مفتوح اليوم تحول الخمسة إلى خمسين وغداً سنكون نصف قبيلة. تصاعدت الأرقام وتضخمت التكاليف ولم نغير خلال كل الفترة عادة استهلاكية. دعونا نتكاتف سوياً في حملة واسعة لخفض المصاريف. في الغذاء لا تتوقفوا عن الشراء ولكن دعونا نوفر كل ما نرميه - طازجاً - في صناديق القمامة.
اسألوا أنفسكم: هل نحن بالضبط نشتري ما نحتاجه وكل ما نحتاجه بالفعل نستهلكه. دعونا نقاطع كل مصروف ثانوي من لعب الأطفال التي لا تعمل بعد شرائها بساعتين حتى علب المشروب البارد التي نشرب نصفها فقط بعد أن تأكل أجسادنا بمواد حفظها المسرطنة. دعونا نلغ وجبة دسمة من وجباتنا الثلاث غير الصحية لصالح وجبة خفيفة وصحية. دعونا نستبدل عبث العودة للمدارس بمستلزمات يصل فيها الدفتر الواحد لعشرة ريالات لصالح دفتر يؤدي ذات الغرض بريالين. دعونا، فوق هذا، ندع كل أسرة أن تعيد جدولة مصروفها لشهر وأن تقرر فيه خفض مشترياتها للنصف ثم تسأل نفسها في النهاية ما الذي تغير. لا شيء: ادخلوا اليوم خزائن نسائكم ودواليب أطفالكم ومستودعات منازلكم وأدراج مطابخكم ثم اسألوا أنفسكم: هل من نقص يستحق سواد الراتب؟ دعونا نؤدب السوق لستة أشهر كي يرضخ لنا بدل أن نرضخ له كل العمر.

جريدة الوطن
http://www.alwatan.com.sa/news/write...=2027&Rname=22