العودة   منتدى مقاطعة > مجتمع مقاطعة التفاعلي > مناقشات المستهلك > النمو الراسي للعمران - منقول

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-05-2011, 05:46 AM   #1
هامور
مشرف
 
الصورة الرمزية هامور
 
رقـم العضويــة: 9984
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشـــاركـات: 2,777

افتراضي النمو الراسي للعمران - منقول

بحث منشور في مجلة العلوم الهندسية، كلية الهندسة، جامعة أسيوط، المجلد 30، العدد3، يوليو 2002م.

التصميم الاجتماعي للمجمعات السكنية العالية



د/ نوبي محمد حسن*


ملخص
لقد تجمعت مجموعة من العوامل جعلت الانطلاق بالمباني إلى ارتفاعات عالية ضرورة ملحة وأمراً ممكناً، كما جعلت من الاتجاه نحو المباني الضخمة والعالية التي تحوي أعداداً كثيرة من المستخدمين تكاد تكون هي النمط المعماري الغالب متى سمحت ذلك ظروف الأرض المخصصة للمشروع وقوانين البناء، ومن أهم هذه العوامل؛ التقدم التكنولوجي في صناعة البناء، واختراع المصاعد الرأسية، بجانب تناقص المعروض من الأرض الصالحة للبناء وارتفاع ثمنها، إضافة إلى التضخم السكاني الهائل وما يتطلبه من الحاجة الملحة إلى أعداد رهيبة من المساكن التي يلزم توفيرها لهؤلاء السكان.
إلا أن الاتجاه نحو الرأسية والضخامة معاً في البناء انقلب من كونه مجرد حالات خاصة اختصت بها مواقع بعينها (كالمواقع السياحية ومراكز المدن) أو ظروف مباني ذات طبيعة خاصة (كالمباني الإدارية والمراكز التجارية) إلى ظاهرة تكاد تكون أصبحت عامة للعمران في المدينة المعاصرة، وخصوصاً الاستخدامات السكنية.
وتتمثل إشكالية هذه الدراسة في أن المجمعات السكنية العالية قد أوشكت على أن تصبح هي النمط السائد في عملية البناء في معظم المناطق داخل عدد كبير من المدن المعاصرة وخصوصاً في البلاد النامية، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول جدوى هذا النمط وتأثيره على مختلف الجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.
ولهذا يفترض البحث أنه وبسبب الطبيعة التي ينطوي عليها تصميم نمط المجمعات السكنية العالية من احتوائه على عدد كبير من الوحدات السكنية والسكان، وابتعاد الإنسان عن الأرض والبيئة المحيطة به، بجانب الاعتماد في الحركة والاستخدام على الأنظمة الميكانيكية، فإن ذلك قد ساعد وبشكل مباشر في حالة فقدان العلاقات الاجتماعية التي يعانى منها أفراد المجتمع في المدينة المعاصرة.
ومن هنا يتحدد هدف هذه الورقة البحثية في محاولة التوصل إلى صياغة مناسبة وأسس يمكنها أن تساهم في رفع كفاءة المجمعات السكنية العالية من الناحية الاجتماعية.
ولتحقيق هدف هذه الورقة البحثية فقد اعتمد البحث على المنهج التحليلي مع تدعيم المعلومات التي تم الحصول عليها بنتائج استبيانات لدراسة ميدانية أجريت لتقييم استخدام المباني المرتفعة في مشروعات الإسكان[[1]] أجريت لتقييم استخدام المباني المرتفعة في مشروعات الإسكان. وقد انقسم البحث إلى أربعة أجزاء، يضم الجزء الأول توضيحاً لإشكالية البحث وفرضية الدراسة ومنهج البحث، ويضم الجزء الثاني التحقق من فرضية البحث ويدرس العلاقة بين ظاهرة المجمعات السكنية العالية ومظاهر فقدان العلاقات الاجتماعية، بينما يقدم الجزء الثالث إطاراً مقترحاً لبيان كيفية تحقيق الجوانب الاجتماعية في مجتمع المجمعات السكنية العالية، ويشمل ثلاث أطروحات؛ تحتوي الأولى على مثالين لمجمعات سكنية ضخمة ومرتفعة صممتا على أساس تحقيق العلاقات الاجتماعية بين السكان، والثانية مقترحات عامة يمكن أن تطبق على المباني القائمة والجديدة، والثالثة مقترحات عامة للموقع السكنى الذي تبنى فيه هذه المجمعات بشكل عام، ثم ينتهي البحث بالجزء الرابع والذي يشمل مجموعة من النتائج العامة والتوصيات، ومن أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة أن النمو الرأسي للعمران تعد واحدة من الأسباب المهمة التي ساعدت في ظاهرة فقدان العلاقات الاجتماعية، كما أن نمط المباني السكنية البسيطة والمنخفضة الارتفاع (والتي تتمثل في المساكن الخاصة أو العمارات السكنية ذات الارتفاع المنخفض والكثافة السكنية القليلة) مازال يمثل الإجابة المقنعة لعملية البناء لما يحققه من كثافة سكنية عالية (في حالة استخدام نمط التخطيط المتضام) بجانب تحقيق مظاهر الترابط الأسرى والاجتماعي بين السكان.

1- المدخل التمهيدي: إشكالية البحث، فرضية الدراسة، منهج البحث
1-1 إشكالية البحث
إن ظاهرة الانفجار السكاني التي تعانى منها الدول العربية - ومثيلاتها من مدن العالم الأخرى المتقدم والنامي على حد السواء - لهى من أهم الظواهر التي أثرت بشكل واضح في تحديد مظاهر النمو العمراني داخل المدن سواء في الاتجاه الأفقي أو الرأسي، كما أنها لعبت دوراً كبيراً في تحديد نمط البناء السائد داخل المدن، وكذلك التنوع في الوظائف التي تحتويها المباني التي أصبحت تعرف باسم المجمعات.
ويتمثل أهم تأثير لظاهرة التضخم السكاني على حركة العمران داخل المدن في الكم الهائل من المساكن المطلوب توفيرها لإسكان هذه الأعداد الرهيبة من السكان، بالإضافة إلى الحاجة الماسة من الخدمات وتنوع الأنشطة الإدارية والتجارية وحاجتها إلى مباني ضخمة تؤويها، فتضخمت المدن في الاتجاه الأفقي وتخطت قيود التخطيط العمراني المتوقع لها، بل ولم تعترف حركة التوسع الأفقي بأية موانع طبيعية أو صناعية، فنمت المدن فوق الجبال وبين الوديان وحول خطوط السكك الحديدية وعلى جوانب الأنهار، والتهمت حركة العمران المسافات الواقعة بين المدن المختلفة فظهرت المدن الإقليمية، والتي زاد تعداد سكانها عن الثلاثين مليون نسمة في بعض الأحيان.
من هذا المنطلق كان ولابد من الاتجاه نحو حركة التمركز الرأسي للمباني في محاولة لامتصاص التضخم الأفقي، فانقلبت الصورة من زيادة أفقية في حركة البنيان إلى زيادة رأسية ومتضخمة للمباني العالية والأبراج المرتفعة، والتي بدأت تتلاصق بجوار بعضها في كثير من الأحيان، وبعد أن كانت المباني تتلاصق على المستوى الأفقى، أصبحت تتناطح في الاتجاه الرأسي، وعبرت الصورة النهائية المدركة عن وجود كابوس عمراني مخيف يقلب حركة العمران في المدينة، بل وقد وصلت الصورة إلى حد القول بأنه قد وجدت مدن أخرى فوق المدن القائمة.
1-2 فرضية الدراسة
تفترض الدراسة أن نمط وأسلوب تصميم المجمعات السكنية العالية السائدة حالياً يعد من أهم الأسباب المباشرة التي أدت إلى حالة فقدان العلاقات الاجتماعية على مستوى الأسرة والمجتمع في مجتمع المدينة المعاصرة، وأن ذلك قد نتج بسبب غياب البعد الاجتماعي أثناء تصميم هذه المباني.
1-3 منهج البحث
بناءً على الإشكالية المعروضة أمام البحث والفرضية المطلوب إثباتها، تحدد هدف الدراسة في محاولة إثبات العلاقة بين التطور في ظاهرة المجمعات السكنية العالية وبعض المظاهر التي تعبر عن ظاهرة فقدان العلاقات الاجتماعية على مستوى الأسرة والمجتمع.
ولتحقيق هذا الهدف فقد تم تجميع المعلومات النظرية من المصادر ذات الصلة بالموضوع، كما توفرت نتائج دراسة ميدانية أجريت بمعرفة الباحث لتقييم آثار جدوى استخدام نمط المباني المرتفعة في الإسكان، أجريت على سكان مجموعة من العمارات السكنية المرتفعة (والتي لا يقل ارتفاعها عن ستة طوابق) في بعض مدن جمهورية مصر العربية، وقد اعتمد البحث بصفة أساسية على المنهج التحليلي لهذه المعلومات، للتحقق من الفرضية واستخلاص النتائج والتوصيات المهمة.

2- التحقق من الفرضية: مظاهر فقدان الترابط الأسرى والاجتماعي المرتبطة بظاهرة المجمعات السكنية العالية
مجموعة من المظاهر تؤكد أن هناك ثمة علاقة مباشرة ما بين سيطرة نمط المجمعات السكنية العالية على عملية بناء المساكن في المدينة المعاصرة، وبين مظاهر حالة فقدان الترابط السري والاجتماعي التي أصبح يعانى منها إنسان المدينة المعاصرة. يركز البحث على أهم هذه المظاهر في محاولة للتحقق من هذه العلاقة التي تفترضها الدراسة، ويسعى من أجل إثباتها أو دحضها. وإذا كان هناك العديد من المظاهر المرتبطة بظاهرة النمو الرأسي للعمران في النواحي البيئية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، فإن البحث يركز في هذا الجزء على استعراض للمظاهر التي يرى أنها تمثل في مجملها جوانب لحالة فقدان العلاقات الاجتماعية على مستوى الأسرة والمجتمع.
2-1 فقدان الترابط الأسرى
يؤدي ضيق المسكن في المجمعات السكنية ذات الارتفاعات العالية - وخصوصاً تلك المبنية لتحقيق أهدافاً اقتصادية واستيعاب أكبر عدد ممكن من الوحدات السكنية والسكان والتي قد يصل فيها مساحة المسكن إلى 60 متراً مسطحاً - إلى تزاحم أفراد الأسرة وعدم التقائهم، فالمسكن في ظل هذه الظروف يفقد الهدف من بنائه، ويتحول من مكان هادئ يستقر فيه أفراد الأسرة إلى مكان مكدس يحس فيه الإنسان بالضيق والضوضاء وفقدان الخصوصية، بل وتنقلب وظيفته من مكان لتجمع الأسرة ولم شملها وجذب أفرادها إلى مكان طارد ومهدد للإحساس بالألفة والتواد والتراحم بين أفراد الأسرة الواحدة.
وكون المسكن مزدحماً فإن فرص تقابل الأهل والحوار بينهم والتدخل في شئون بعضهم واشتراكهم أحياناً في المخصصات بالمنزل يزيد من حدة التوتر بينهم، خاصة إذا كان كل فرد يرغب في أن يحتفظ لنفسه بأفضل الانتفاع من الوحدة السكنية التي تنوء بهم، دون التضحية بأي شئ في سبيل تعايشهم سلمياً. وقد ذكر بعض الشباب الذين يشاركهم أخوتهم في الحجرة الخاصة بهم أنهم عندما كانوا صغاراً كانت متعلقاتهم قليلة، وكانت الحجرة تستوعبهم ومناسبة لهم، ولكن عندما كبروا زادت حاجاتهم ومتعلقاتهم، وكل واحد منهم لا يرغب في أن يتنازل عن أي شئ أو يخفض من ممتلكاته بالرغم من عدم زيادة مساحة الحجرة، ولذلك أصبحت الحجرة ضيقة عن ذي قبل، كما نشأت مشاكل لم تكن موجودة من قبل. وإذا فرض وأن تدخل الوالدان في فض المنازعات بين الأبناء، بسبب نتائج هذا التزاحم وعدم التفاهم على تقسيم المساحات المخصصة لكل فرد منهم، فإن ذلك يؤدى في أغلب الأحيان إلى تأنيب الوالدين لأحد الأبناء ومساندة الآخر، أو فرض العقاب عليهم جميعاً. وكل هذه المواقف تشيع جواً كئيباً من القلق في المكان، وتؤدي إلى القيام بتصرفات قد تكون من شأنها حدوث شغب واتخاذ مواقف عدائية، أو الانطواء والشعور بالإحباط[[2]]. فالمساكن المزدحمة تؤدى إلى تقييد حرية الفرد في الاختيار، أين يجلس؟ ومتى يخلو بنفسه؟ ومتى يشارك في الأنشطة الخاصة؟ ومتى يشاهد التليفزيون مثلا؟
كما يؤدي الازدحام داخل المسكن إلى تجنب تبادل النظرات مما يساعد في التفكك الأسرى (انعزال الأشخاص)[[3]].
2-2 فقدان العلاقات الاجتماعية
أثبتت الدراسات أن نسبة العلاقات الاجتماعية بين السكان لا تزيد بكثرة عددهم، وإنما تعتمد على الزيادة في نسبة تقابلهم. إن سكان المباني العالية قد يجدون صعوبة في عمل علاقات مع الجيران أو قد تكون علاقاتهم ذات عمر قصير، وتنمو هذه العلاقات عند التقابل في المناطق المشتركة مثل المصاعد وصالات المداخل والجراج، وقد دلت الدراسات على أن جيرة المداخل الخارجية في المساكن المنفردة الأفقية تزيد من فرص التعارف أكثر من جيرة المداخل الداخلية بالمباني العالية، وأثبتت الدراسات أيضاً أنه كلما كان مستخدمو صالة مدخل الوحدات السكنية قليلاً كلما زاد التعارف بينهم[[4]].
ومن نتائج الدراسة الميدانية[[5]] وجد أن حوالي 20% من عينة البحث ليست لديهم أية علاقات مع جيران آخرين يسكنون معهم في نفس الدور، وعند سؤالهم عن أسباب عدم وجود هذه العلاقة أجاب 20% منهم بأنه لا توجد صلة قرابة، وأجاب 30% بأنهم يخافون من عمل علاقات مع الغرباء، بينما أرجع 80% منهم ذلك إلى انشغالهم وعدم وجود الوقت الكافي لإنشاء مثل هذه العلاقات. كما أجاب 30.36% من عينة البحث بأنه ليست لديهم أية علاقة مع جيران آخرين يسكنون معهم في نفس المبنى (في طوابق مختلفة)، وقد أرجع 93.75% منهم ذلك إلى انشغال الوقت. كما أجاب 67.24% من عينة البحث بأنهم يعتقدون بأن السكن في المباني المرتفعة قد تسبب في فقدان العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، وعند السؤال عما إذا كان لدى الواحد منهم صديق يسكن في دور مرتفع ولا يوجد مصعد في العمارة التي يسكن بها صديقه، فهل يؤدى ذلك إلى قلة الزيارات بينهم؟ أجاب 53.45% منهم بالإيجاب.
فالمباني المرتفعة والأبراج العالية بنيت لتأوي المستخدمين لها كأفراد أو كأسر مستقلة، لا لتجمعهم كمجتمع واحد تربط بين أفراده علاقات اجتماعية متبادلة. لقد أدت المباني العالية إلى قلة العلاقة بين داخل البيوت وخارجها كما أدت إلى عدم تجاوب السكان مع الخارج، وقللت من فرص تقابل الناس مع بعضهم وتعاملهم على مستوى الشارع والحي. وعدم انتماء الناس إلى بعضهم وعدم تعاملهم على مستوى الحي، قد يساعد على تحلل حضارتهم واكتسابهم قيماً جديدة لم تكن مناسبة للناس السابقين ولم تظهر في المجتمعات التي سبقتهم[[6]].
2-3 العزلة النفسية والاجتماعية
من أبرز أضرار السكن في المباني المرتفعة مشكلة انعزال الإنسان عن المجتمع في طبقات الجو. بيد أن هذا الإحساس يولد مع الطفل الذي يعيش في الأدوار العلوية من المبنى، حيث لا يستطيع أن يمارس حياته واكتساب الخبرة في التعامل مع الآخرين والاحتكاك بهم، وكذلك الإحساس بجمال الطبيعة، ومن هنا يتولد الإحساس بتباعد الإنسان عن الطبيعة وعن الآخرين خلال نموه غير السوي، وخصوصاً مع مخاوف الأهل على الطفل من الاقتراب من النوافذ والأبواب والبلكونات خوفاً عليه من السقوط أو الخطر، وبالتالي يتولد مع الإنسان الإحساس إما بالانطواء، وإما بالميول العدوانية تجاه الآخرين[[7]].
ففي حالة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، فإنه في حالة المباني السكنية المنفردة فإن الطفل يستطيع أن يلعب في الحديقة تحت إشراف أهله، وتكون له علاقات مع الأطفال من الجيران الذين يقابلهم مع أهله أو يشاهدهم من خلال حواجز الحديقة أو يسمع أصواتهم، إنه يستطيع أن يلعب ويحفر ويدق ويجري ويحدث ما يشاء من الضوضاء فلن تمثل مشكلة لأنها تكون خارج المنزل وتمتص بواسطة النباتات والأشجار وتتشتت بواسطة الحواجز. أما في حالة المباني العالية فإن سكانها يقرون بأنهم يضطرون إلى كبح جماح أطفالهم وتحديد لعبهم في الوحدات السكنية وبهدوء لتجنب الضوضاء والمضايقات التي قد يسببونها للجيران، فلا يستطيع الأطفال اللعب إلا في البلكونات أو المداخل والممرات وهذه الأماكن غير ملائمة لتواجدهم، فقد يخاف الأهل من محاولة الطفل التسلق لرؤية ما حوله مما يؤدي إلى سقوطه، كما إن الجيران - وخصوصاً الذين ليس لديهم أطفال - قد يشعرون بالضيق من لعب الأطفال في المداخل والممرات وصالات السلالم، بالإضافة إلى أن البلكونة أو الممرات لا توفر المسطح الكافي أو الحرية الكافية للأطفال الصغار[[8]]. كما يؤدى لعب الأطفال في المداخل وصالات الحركة إلى حدوث تخريب للممتلكات العامة وزيادة تكلفة الصيانة، كما تعد المصاعد عناصر جديدة للعب مما يؤدي إلى حدوث أعطال كثيرة لها[[9]].
وفى حالة الأطفال الذين تزيد أعمارهم عن خمس سنوات أو من هم في سن المدارس، ورغم أنهم يذهبون إلى المدارس إلا أنهم يحتاجون إلى أماكن للعب بعد وقت المدرسة وفى العطلات، وفى حالة المباني السكنية المنفردة يجد الأطفال المكان المتوفر لهم، حيث الحدائق وركوب الدراجات على الممرات المجاورة للمنازل بعيداً عن حركة السيارات، كما يحس الأطفال بزملائهم عند بداية اللعب، ويمكنهم التردد على المنزل لقضاء حاجة أو تناول وجبة خفيفة، مع إمكانية الأهل في اللحاق بهم عند حدوث أية مشكلة أو إصابة للطفل. أما في حالة المباني المرتفعة فرغم أن الأطفال في هذه السن يستطيعون استعمال المصاعد وكذلك اللعب دون مراقبة من الأهل لفترات محدودة إلا أن هناك بعض المشاكل المهمة نتيجة الانفصال الرأسي للوحدات السكنية، ومن هذه المشاكل أن الأهل لا يستطيعوا استدعاء أطفالهم بسهولة لتناول الطعام أو أداء بعض الواجبات، كما لا يستطيع الطفل تبين بداية اللعب مع أقرانه، وفى حالة إصابة الطفل أو تورطه في مشكلة لا يمكنه طلب النجدة من أهله بسهولة[[10]].
وقد دلت نتائج الدراسة الميدانية[[11]] على أن 70.91% من عينة البحث لا يتوفر بجوار العمارات التي يسكنون فيها أماكن للعب الأطفال، كما أجاب 46.34% منهم بأنه حتى لو توفرت هذه الأماكن فلن يسمحوا للأطفال باللعب فيها، وقد أرجع 84.21% منهم سبب ذلك إلى الخوف على الأطفال من الحوادث، بينما أرجع 47.37% سبب ذلك إلى بعد المكان عن مراقبة الطفل، في حين أرجع 15.79% منهم سبب ذلك إلى عدم قدرة الطفل على استخدام المصعد بنفسه، و 15.79% بسبب صعوبة طلب الطفل للراحة أو تناول الوجبات. وقد أجاب 73.58% من عينة البحث بأن الأطفال يقضون معظم أوقات لعبهم في الوحدة السكنية، وقد أجاب 71.93% بأن هذا اللعب يكون تحت رقابة؛ بسبب حدوث ضوضاء 50%، وبسبب الخوف من مضايقة الجيران 37.5%، وبسبب الخوف من إتلاف الأشياء 62.5%. كما يعتقد 71.43% من عينة البحث بأن السكن في المباني المرتفعة قد تسبب بشكل مباشر في حرمان الأطفال من اللعب.
كذلك تؤدي المجمعات السكنية العالية إلى ابتعاد كبار السن عن الأماكن العامة وأماكن الالتقاء مع أقرانهم، وتبتعد السيدات عن أماكن الخدمات المختلفة، كما يبتعد الرجال عن أماكن عملهم، وكل ذلك من شأنه أن يسبب الشعور بالضيق والإحباط. فقد أبعدت المباني المرتفعة الإنسان عن طبيعته وعن أرضه وسكنه في طبقات مرتفعة ومتباعدة في الاتجاه الرأسى، فأصبح محلقاً في الفضاء، وكان نتيجة ذلك إبعاده عن العلاقات الاجتماعية. وقد ساعد على ذلك التقدم في وسائل المواصلات والاتصالات، فقد كان لظهور السيارة والهاتف آثاراً على العلاقات الإنسانية، حيث أصبح بمقدور الإنسان الابتعاد عن مراكز التجمع الإنساني مستعيناً بالسيارة وعن العلاقات الاجتماعية مستعيناً بالهاتف، وبذلك تحقق للإنسان القدرة على أن يعيش بمفرده منعزلاً عن المجتمع لا تربطه به إلا صلات العمل والمصلحة الشخصية. كما أصبح بمقدوره العيش منعزلاً عن الطبيعة، فهو كائن في طبقات مرتفعة في حيز محدود ومنعزل، اختيرت له صفة الحركة الميكانيكية، فبدأ منظوره للأشياء يختلف عن الماضي، فأصبح ينظر للأشياء من أعلى بعد أن كان ينظر إليها من أسفل (على سطح الأرض) لذلك كان له هذا الخلل الحسي والفكري وأصيب بأمراض عصبية قضت عليه إنسانياً[[12]].
وقد أصبح الناس من كثرة تأقلمهم على هذه الحياة المنغلقة داخل مساكنهم يجدون صعوبة كبيرة في العيش وممارسة الحياة خارجها، ففي دراسة أجراها "لوري" وجد أن الناس المنغلقين على أنفسهم نفوسهم منكسرة وغير قادرين على النظر إلى الناس، وفي عيونهم ومن طول فترة بقائهم داخل مساكنهم أصبحت مشاكل العالم الخارجي أقل إلحاحاً عليهم من المسائل البسيطة التي يقابلونها داخل مساكنهم، وفى دراسة أخرى أجراها "آبل" على فتيات فرض عليهن البقاء في الوحدة السكنية فترات طويلة معزولين عن المجتمع الخارجي تبين أن اختلالاً حدث في مقدرتهن على التفكير المستقل والقيام بأنشطتهن اليومية، وأصبحن يتقبلن الحكم والسيطرة من المسئولين عنهن[[13]].
2-4 الصراع المادي والطبقي
الصراع عموماً هو نوع عنيف من التنافس بين الأفراد، وعن طريقه تحاول كل جماعة أن تدمر جماعة أخرى أو تقلل من شأنها ومركزها الاجتماعي[[14]]، أو التقليل من دورها الاجتماعي وتهميشها، واعتبار الحياة الاجتماعية هي خاصة بها وحدها، وأن باقي الجماعات الأخرى لم توجد إلا من أجل خدمتها فقط.
وقد تكون المساكن الخاصة والمواقع المتميزة التي تحدد مجموعة من الفئات داخل طبقة بعينها في المجتمع، من العوامل التي تساعد على وضوح الطبقية في المجتمع، إلا أن ظاهرة العمران الرأسي تساهم بشكل أكثر فعالية في وضوح هذه الطبقية، فالدعوة الاستثمارية وراء ظاهرة المباني العالية - وخصوصاً الأبراج السكنية ذات شقق التمليك المميزة والفاخرة والتي تبلغ أسعارها أرقاماً مليونية - جعلت الأغنياء هم الذين يسكنوها، وبالتالي فإن هذه الظاهرة قد أظهرت الميل الاجتماعي لوجود فئات جديدة من الناس تصنف على أساس الحالة الاقتصادية المرتبطة بحالة السكن وبتميز الموقع.
ومن هنا تزداد الهوة بين الفقراء والأغنياء، وكأننا عدنا إلى زمن الإقطاعية الاجتماعية بكل ما في النظام الإقطاعي من ظلم وإهانة للكرامة الإنسانية، وهذا ما يبدو غريباً إذ أن المدينة التي تمثل قمة التطور الحضاري والاجتماعي، والتي وجدت وبنيت أصلاً لتكون موئلاً لجماعات من المواطنين يعيشون فيها متكافلين متعاونين، تتحول إلى بيئة يسودها نفور الناس من العيش في وئام وتعاون، ويتفجر فيها الصراع الطبقي بكل مآسيه[[15]].
فالسكن في هذه المباني المرتفعة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمثل إجابة مقنعة للمسكن المنخفض التكاليف والذي يعد مشكلة في البلاد النامية على وجه الخصوص. فقد أثبتت الدراسات أن سعر الوحدة السكنية يكون مرتفعاً في المباني العالية عنه في حالة المباني المنخفضة وتظهر هذه الزيادة بشكل واضح بداية من الدور السادس[[16]].
كما أن هذه المباني العالية تحتاج إلى تجهيزات معقدة من الإمداد بالمياه والصرف والإضاءة والتهوية والتسخين والتبريد والحركة وأنظمة الحماية من الحريق ووسائل الهروب، وهى تتطلب مستوى عال من الميكانيكية قد لا يتوفر في بعض البلاد النامية، أو أن الحاجة إلى توفره بمستوى عال من الجودة تعني زيادة في تكلفة البناء والصيانة[[17]]. وبالتالي فإن تكلفة بناء هذه المباني في البلاد النامية لا تقل عن مثيلاتها في البلاد المتقدمة، وعلى سبيل المثال فقد وصل سعر المتر المربع حوالي 3 آلاف دولار في مبنى Cairo Plaza Tower في القاهرة عام 1986م، وبالتالي فإن قيمة التأجير أو البيع تكون مرتفعة وأعلى من إمكانات السوق[[18]].
وقد دلت نتائج الدراسة الميدانية[[19]] على أن 69.64% يعتقدون بأن هذه النوعية من المباني لا تمثل الأسلوب الأنسب للسكن. رغم أن ملاكها يعتقدون بأنها وجدت لحل مشكلة الإسكان!!!
2-5 زيادة معدلات الجريمة
أثبتت الدراسات أن مشاريع الإسكان الضخمة التي تحتوي على عمارات عالية تشجع على ارتكاب الجرائم، لأنها تقوى الشعور لدى الأفراد بالغربة والعزلة وعدم المسئولية، وعدم الاهتمام بما يحيط بالشخص من أحداث[[20]].
فقد وجد أن معدل الجرائم Felonies قد زاد من 8,8 لكل ألف شخص في حالة المباني ذات ارتفاع ثلاثة طوابق إلى 20.2 لكل ألف شخص في حالة المباني ذات الستة عشرة طابقاً، شكل رقم (1)، كما وجد أيضاً أن معدل السرقة Robbery قد ازداد من 2.6 لكل ألف شخص في المباني ذات الستة طوابق إلى 11.5 لكل ألف شخص في المباني التي يزيد عدد طوابقها عن 19 طابقاً أو أكثر[[21]].
إن النسبة الكبيرة من الجرائم التي تقع في حالة المواقع ذات المباني المرتفعة تحدث في الفراغات العامة - الخاصة في نفس الوقت - الداخلية وهي المداخل، وصالات الحركة، والطرقات، والمصاعد، وسلالم الهروب، وغيرها. ويوضح شكل رقم (2) زيادة في نسبة الجرائم التي تحدث في هذه الأماكن بزيادة ارتفاع المباني، فقد بلغت هذه النسبة 17.2% من جملة الجرائم في حالة المباني ذات الثلاثة طوابق، كما بلغت 40.2% في حالة المباني ذات الستة والسبعة طوابق، بينما وصلت إلى 54.8% في حالة المباني ذات الثلاثين طابقاً فأكثر[[22]].







شكل رقم (1) العلاقة بين ارتفاع المبنى ومعدل السرقة في مدينة نيويورك[[23]]











شكل رقم (2) العلاقة بين ارتفاع المبنى وارتفاع نسبة الجرائم في الفراغات الداخلية بالمباني المرتفعة[[24]]





وفى دراسة مقارنة بين مشروعين في مدينة "نيويورك" New York الأول هو "برونسفيل" Brownsville ذو مباني سكنية منخفضة من ثلاثة إلى ستة طوابق، والثاني هو "فان ديك" Van Dyke خليط من مباني ثلاثة طوابق وأربعة عشر طابقاً (يقع حوالي 87% من وحدات الشقق في المباني ذات الأربعة عشر طابقاً)، المشروعين متطابقين في الحجم والكثافة، حوالي 6000 شخص وبكثافة قدرها 288 شخص/هكتار، وهما متجاوران حيث يفصل بينهما طريق واحد، شكل (3)، وقد أظهرت الدراسة أن موقع "فان ديك" يزيد عن النسب التي سجلها موقع "برونسفيل"، بحوالي 50% في نسبة الحوادث، وبنسبة 284% في السرقات، وبنسبة 64% في الجنايات والجنح، وبنسبة 185% في الأذى الذي يسببه الأشخاص المجرمين[[25]].
ويعد المصعد هو الفراغ الخاص في المبنى العالي الأكثر عرضة للهجوم من قبل المجرمين، فهو يمثل مساحة ينقصها الإشراف، وقد سجل نسبة 31% من جرائم السرقات التي تحدث في المباني المرتفعة، حيث يمكن أن يقتاد المجرم ضحيته تحت وطأة القوة إلى الشقة، وصالات المدخل ليست أكثر أمناً فهي قد سجلت 12% من معدل السرقات[[26]]. كما دلت الدراسات على أن تعدد المداخل في المبنى العالي من شأنه أن يؤدى إلى رفع نسبة الجرائم التي تحدث عنها في حالة المبنى ذو المدخل الواحد[[27]].
كما تبين من الدراسة الميدانية أن 12.5% من عينة البحث قد تعرضت وحداتهم السكنية إلى حوادث سرقة، بينما أجاب 23.21% بأنه قد حدثت سرقات في شقق في نفس العمارة التي يسكنون فيها، هذا مع العلم بأن المباني التي أجرى عليها الاستبيان يزيد ارتفاعها عن ستة طوابق[[28]].








شكل رقم (3) مجموعة إسكان "برونسفيل" و"فان ديك" فى نيويورك[[29]]





وقد بينت نتائج الدراسة الميدانية[[30]] أن 43.86% من عينة البحث لا يمكنهم تمييز سكان العمارة وأقربائهم عن الغرباء بسبب كثرة الناس التي تسكن المبنى وتتردد عليه في أوقات مختلفة نهاراً وليلاً، فقد يصل سكان المبنى فقط إلى حوالي 2000 شخص أو أكثر بخلاف أقربائهم وأصدقائهم، وإذا كان هذا يحدث بالنسبة للعمارة التي يسكنها الفرد، فهل يستطيع الشخص تمييز سكان العمارات المجاورة له في نفس الشارع أو زوارهم من الغرباء !!
· خلاصة: مناقشة الفرضية البحثية
مما سبق نستطيع القول بأن ظاهرة المجمعات السكنية العالية والتي أصبحت سمة غالبة لعملية بناء المساكن في الفترة الأخيرة، قد صاحبها العديد من الظواهر التي ارتبطت بفقدان العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة والمجتمع، شكل رقم (4)، وبذلك فهي تعد من الأسباب المباشرة التي أدت إلى ذلك.





















شكل رقم (4) مظاهر فقدان العلاقات الاجتماعية على مستوى الأسرة والمجتمع

المرتبطة بظاهرة المجمعات السكنية العالية


3- إطار مقترح لتحقيق الجوانب الاجتماعية في نمط المجمعات السكنية العالية
يعرض البحث في هذا الجزء إطاراً مقترحاً لتحقيق الجوانب الاجتماعية في نمط المجمعات السكنية العالية، ويضم هذا الإطار ثلاث أطروحات؛ الأولى تبحث عن الكيفية التي يتم بها تحقيق هذه الجوانب، والثانية توضح إمكانية التحقيق على المباني سواء القائمة أو التي يتم تنفيذها، بينما توضح الثالثة الإمكانية على الموقع السكنى بشكل عام.
3-1 الأطروحة الأولى: كيفية تحقيق الجوانب الاجتماعية، أمثلة تطبيقية
وتعرض هذه الأطروحة لتجربتين من المجمعات السكنية العالية التي روعي في تصميمها تحقيق الجوانب الاجتماعية، وما يميز هذين المثالين أنهما من النماذج الأولى التي أنشئت بنمط المجمعات السكنية العالية في نتصف القرن العشرين، وهما المجمع السكنى بمرسيليا، ومشروع شقق بارك هيل.
3-1-1 المجمع السكنى بمرسيلياUnite, D’habitation, Marseille
صمم هذا المبنى "لوكوربوزييه" (الفترة من 1946 - 1952م) في مرسيليا بفرنسا. كتلة المبنى أبعادها حوالي 165× 24 متر، وقد صمم المجمع لسكنى حوالي 1600 شخص، يحتوى المبنى على 23 نوعاً مختلفاً من الوحدات السكنية تبدأ بغرفة للعزاب وحتى شقة لثمانية أفراد، وقد احتوى المبنى في طابقيه السابع والثامن على بعض الخدمات الضرورية مثل محلات البقالة (خضار - لحوم - أسماك - .. الخ) ومغسلة، وخدمات تنظيف، ومصفف شعر، وبائع صحف، ومكتب بريد، وكافيتريا، وبعض الغرف الفندقية، أما في الطابق السابع عشر فتوجد حضانة تسع حوالي 150 طفلاً، وقد تم تنسيق سطح المبنى على هيئة حديقة يحتوي جزء منها على أماكن لعب الأطفال وحمام سباحة، والجزء الآخر عبارة عن أنشطة اجتماعية للكبار (جمنزيوم - مسرح مكشوف)[[31]]، شكل رقم (5).



شكل رقم (5) المجمع السكني بمرسيليا[[32]]




إن وجود مثل هذه الخدمات في هذا المجمع السكنى من شأنه أنه يزيد من فرص تقابل السكان والتقائهم في هذه الأماكن، وتزيد من فرص التعارف بين السكان وتحقيق الترابط الاجتماعي بينهم، وبالتالي تحقيق مطلب الأمن والأمان بجانب تحقيق الجو الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية الضرورية بينهم، كما تمثل حديقة السطح مكاناً ترفيهياً يلتقي فيه السكان ويعوضهم عن المناطق الخضراء التي تختفي بسبب ظاهرة المجمعات السكنية الضخمة ونمط البناء على كامل مسطح الأرض.
كما تتوفر حول المبنى مساحة كبيرة مفتوحة ومزروعة يمكن أن تستغل كحدائق عامة ومكان للعب الأطفال والتقاء مختلف فئات السكان.
وقد أثرت فكرة المجتمع المتكامل لهذا المجمع على نظريات التخطيط العمراني في العصر الحديث، يقول "وليام كيرتز" : "لقد انتشرت فكرة المجمعات من تأثير تلك الفكرة في ذلك الوقت، وقبل إتمام تنفيذ المبنى .. لقد كان النموذج الجديد مطلوباً ليعبر عن شكل المدينة الحديثة والسلوك الاجتماعي بين أفراد يجمعهم مكان واحد .. وقد أدت هذه الفكرة إلى ظهور بعض المصطلحات في مجال تخطيط المدن مثل المجاورة السكنية Neighborhood والمجموعة Cluster"[[33]].
3-1-2 مشروع شقق بارك هيلPark Hill Flats
وقد أقيم هذا المشروع في شيفيلد Sheffield عام 1961م، وكانت فكرة هذا المشروع من نتاج تأثير فكرة المجمع السكنى بمرسيليا، وفى هذا العمل قدم "لويس وميرسلي" Lewis Womersley وباقي فريق العمل تطويراً كبيراً للفكر السابق، فالمشروع يتكون من مجموعة من البلوكات الطويلة، والمرتبطة بواسطة ممرات معلقة تربط المباني في مستويات مختلفة، كما ترتبط الشقق ببعضها عن طريق ممرات عرض الواحد منها حوالي ثلاثة أمتار، تمثل العمود الفقري للمشروع، شكل رقم (6)، ويستخدم الممر بواسطة الناس ولتسليم السلع الخفيفة، تماماً مثل الشارع التقليدي، ولكن ليس للمرور فقط، بل ليسمح للناس بالتقابل وللأطفال باللعب، وطابعه يتشابه مع الشارع الداخلي للمجمعات السكنية، ولكن بصورة أكثر تقدماً[[34]]، فهو مفتوح على الخارج ولا يؤدي وظيفة التسوق فقط، بل وظائف اجتماعية أخرى كتقابل الناس ولعب الأطفال.
كما يحتوى الموقع أيضاً على مساحات خارجية مفتوحة يمكن أن تستغل كحدائق ومتنزهات للسكان.
3-2 الأطروحة الثانية: كيفية تحقيق الجوانب الاجتماعية، المبنى السكنى
وتقدم هذه الأطروحة بعض المقترحات الخاصة بكيفية تحقيق الجوانب الاجتماعية في مجتمع المجمعات السكنية العالية، في المباني سواء القائمة حالياً (بإجراء تغييرات في بنية هذه المباني) أو التي يتم إنشاؤها في المواقع الصالحة للبناء ولا تؤثر على البيئة الاجتماعية أو الاقتصادية أو شبكات البنية الأساسية وتوزيع الخدمات بالمدينة (بمراعاة هذه الأسس في عملية تصميم هذه المباني)، ومن أهم هذه المقترحات ما يلي:
1- تجميع مداخل الوحدات السكنية: إن وضع مداخل الشقق السكنية بجوار بعضها قد يتيح فرصة لتعارف الساكنين في كل وحدتين متجاورتين على الأقل، أكثر مما لو عملت مداخل الشقق بشكل متباعد في ممر الحركة الخارجي.
2- تحديد عدد الشقق وارتفاع الطوابق: إن تقليل عدد الشقق في الدور قد يحقق تقارب السكان وتعارفهم أكثر مما لو كان عدد الشقق كبير. لقد أظهرت نتائج الدراسة الميدانية أن حوالي 31.03% من عينة البحث يرون أنه لا يجب أن يزيد عدد الشقق في الدور عن شقتين، في حين يرى 24.14% بأنه لا يجب أن يزيد عن ثلاث شقق، و32.76% يرون أنه لا يجب أن يزيد عن أربعة وحدات في الدور. كما أظهرت نتائج الدراسة الميدانية أن غالبية السكان لا يرغبون في أن يزيد ارتفاع المباني عن ثلاثة طوابق[[35]]. كما أن هذا من شأنه أن يقلل من عدد السكان وبالتالي تحقيق التعارف بينهم وتمييزهم عن الغرباء.








شكل رقم (6) مشروع شقق بارك هيل[[36]]





3- توفير أماكن لالتقاء السكان: محاولة الاستفادة من سطح المبنى في وضع بعض الخدمات التي تجمع السكان وتساعد على التقائهم (ويمكن تطبيق هذا المقترح في المجمعات السكنية الحالية) كما أنه من الممكن التفكير في هذه الحالة في تخصيص أحد طوابق المبنى وليكن الطابق الأوسط - وخصوصاً في حالة الأبراج العالية - لوضع مثل هذه الخدمات، ويمكن أن يشجع ملاك المباني على هذه الفكرة من خلال إضافة طابق زيادة عن الارتفاع القانوني للمبنى عوضاً عن هذا الطابق.


3-3 الأطروحة الثالثة: كيفية تحقيق الجوانب الاجتماعية، الموقع السكنى
إن العمل بنظام الكثافة البنائية في تحديد النسبة بين المسطح المبني من الموقع والمسطح المتروك كفراغ محيط، وبالتالي فإن تحديد حجم المبنى يمكن أن يلعب دوراً في تحقيق نمط عمراني مناسب للمجمعات السكنية، وتجدر الإشارة إلى أن بداية التفكير في إدخال نمط المباني المرتفعة داخل المدينة كان من خلال هذا الفكر وخصوصاً في أفكار "لوكوربوزييه" عن تخطيط المدينة عام 1922م، حيث اقترح مجموعة من الأبراج السكنية التي تحيط بها مساحات مفتوحة، يمكن أن تستغل كحدائق يلتقي فيها السكان وتمثل مكاناً ملائماً للخدمات الاجتماعية والترفيهية المتنوعة.

4- الخلاصة: النتائج، التوصيات
4-1 النتائج
مما سبق يمكن التوصل إلى النتائج التالية:
1- إن ظاهرة التضخم السكاني والحاجة إلى أعداد كبيرة من المساكن لاستيعاب هذه الزيادة الرهيبة من السكان، ومع نقص المعروض من الأراضي وارتفاع أسعار المواقع المناسبة للبناء، كانت من أهم الأسباب التي دعت إلى الاتجاه نحو الرأسية في عملية البناء.
2- لقد أدت ظاهرة المجمعات السكنية العالية إلى العديد من المشاكل الاجتماعية، بل وساعدت في تفكك العلاقات بين سكان المدينة المعاصرة، سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع.
3- إن الأفقية في البناء ما زالت تمثل الإجابة المقنعة للنمو العمراني؛ فهي بجانب تحقيق كثافات سكانية عالية، فإنها تحقق النواحي الاجتماعية بين السكان، وتساعد في تحقيق مجتمع مترابط على المستوى الأسري والاجتماعي، وخصوصاً في حالة استخدام فكرة التخطيط العمراني المتضام للمواقع.
4- إن تخفيض ارتفاع المبنى وتقليل عدد الوحدات السكنية به من شأنه أن يقلل من عدد السكان وبالتالي تحقيق التعارف ونمو العلاقات الاجتماعية بينهم، بجانب تحقيق مطلب الأمن والأمان.
5- إن العمل بأنظمة الكثافة البنائية يمكن أن يحقق علاقة مناسبة بين حجم المبنى والفراغ المحيط، وبالتالي تحديد عدد السكان، وإتاحة أماكن عامة مفتوحة يمكن أن تستغل كأماكن للالتقاء الكبار بجانب لعب الأطفال.
4-2 التوصيات
بناءً على ما سبق فإنه يمكن تقديم التوصيات التالية:
1- العمل على تحديد ظاهرة المجمعات السكنية العالية وعدم إطلاق حرية البناء بالشكل الحالي، فنمط العمران الرأسي المخطط له والمدروس اجتماعياً وبيئياً واقتصادياً يختلف كثيراً عن العمران الرأسي العشوائي المصحوب بالعديد من المشاكل الاجتماعية والنفسية والبيئية والاقتصادية.
2- مراعاة الجوانب الاجتماعية عند تخطيط مواقع الإسكان الرأسي وتصميم المجمعات السكنية العالية (متى اقتضى الأمر تنفيذ مثل هذه المباني).
3- العمل على شق محاور جديدة ومتعددة للتنمية العمرانية - بخلاف المدن القائمة - يمكن أن تستوعب الزيادة السكانية، في مناطق ومدن جديدة يتم تخطيطها على أسس عمرانية وإنسانية سليمة، يتمكن الإنسان من أن يعيش فيها كإنسان وأن يحيى في فراغاتها الحضرية والمفتوحة ككائن حي له متطلباته الخاصة على المستوى النفسي والاجتماعي.

المراجع العلمية
1- إبراهيم، حازم محمد. "المباني المرتفعة"، مجلة عالم البناء، العدد (87/88)، القاهرة، 1988م.
2- إبراهيم، محمد عبد العال. "العمارة البيئية وأثرها على البنية الإنسانية"، مجلة عالم البناء، العدد 82، القاهرة، 1987م.
3- إسماعيل، عصام رجب. "مفهوم الخصوصية وتأثيره على تصميم المسكن في مصر"، رسالة ماجستير، كلية الهندسة، جامعة أسيوط، 1992م، أسيوط.
4- الكرمي، زهير. "البيئة الطبيعية والبيئة المشيدة"، ندوة المدينة والبيئة (دور البلديات في حماية البيئة بالمدن العربية)، في الفترة من 5-12 ديسمبر، الكويت، 1981م.
5- بيتر، لاند. "المدينة الأفقية .. اتجاه جديد في العالم"، مجلة عالم البناء، العدد 67، القاهرة، 1986م.
6- بيجنال، برنو. "التطور الحضري والتخطيط العمراني للقاهرة العصرية"، مجلة عالم البناء، العدد 84، 1987، القاهرة.
7- جعيص، عزة محمد أحمد. "اقتصاديات تصميم المباني"، رسالة ماجستير، قسم العمارة، كلية الهندسة، جامعة أسيوط، 1987م، أسيوط.
7- حسن، نوبي محمد. "التفكير الإبداعي في عملية التصميم المعماري"، رسالة دكتوراه، قسم العمارة، كلية الهندسة، جامعة أسيوط، 1997، أسيوط.
9- حسن، نوبي محمد. "تقييم استخدام المباني المرتفعة في مشروعات الإسكان"، دراسة ميدانية.
10- عطوى، عبد الله. "الإنسان والبيئة .. في المجتمعات البدائية والنامية والمتطورة"، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، بيروت، 1993م.
11- مقال فني. "التضخم الحضري ظاهرة تستحق الدراسة"، مجلة عالم البناء، العدد 51، القاهرة، 1984م.
12- نادر، أحمد نشأت. "دراسة المباني العالية وأثرها على الإنسان والبيئة المحيطة"، رسالة ماجستير، كلية الفنون الجميلة، الإسكندرية، 1984م.
13- يوسف، وجيه فوزي. "العمارة القاسية"، المجلة المعمارية، السنة الثالثة، العدد (7،8)، القاهرة، 1987م.
14- يوسف، وجيه فوزي. "المهندس المعماري والناس"، مجلة المهندسين، العدد 380، القاهرة، 1986م.
15-Banham, R. “Guide to Modern Architecture”, The Architectural Press, London, 1962.
16-Chotmarada, A. “Tall Buildings in Developing Countries”, Fourth World Congress (Tall Buildings:2000 and Beyond), November 5-9, 1990, Hong Kong, p158.
17-Curtis, W. JR: “Modern Architecture, (Since 1900)”, Phaidon Press Limited, Oxford, 1982.
18-Giedion S. “Space, Time and Architecture” Cambridge, Massachusetts Harvard University Press, 1967.
19-Lang, J. “Designing for Human Behavior, Architecture and the Behavioral Sciences”, Halsted Press, U.S.A, 1974.
20-Moharram, A. “Tall Buildings in the Developing Countries with Special Reference to Cairo”, Fourth World Congress (Tall Buildings: 2000 and Beyond) (Collected Papers), November 5-9, 1990, Hong Kong.
21-Newman, O. “Defensible Space, people and Design in the Violentcity”, Architectural Press, London, 1972.
22-Risebero, B. “The History of Western Architecture”, The MIT Press, Cambridge, Massachusetts, 1979.







The Social Design


For high Residential Complexes



Dr. Nouby Mohamed Hasan*



Abstract:

This paper focuses on: (1) the relationship between the design of high housing buildings and absence of the social relationships in the society of the city; (2) the absence of social dimension on the design of tall and high housing buildings.
The paper hypothesizes that the design order of tall and huge housing buildings is one of the most reasons of absence the social relationships in the society of the city.
The main aim of this research is to demonstrate how we can make the tall housing buildings is very sociality.
In this respect the paper is comprised of four parts: (1), an introduction approach which contain the problematic, hypothesis, aim, and methodology of research; (2), verify the hypothesis of research; (3), how we can make the tall housing buildings is very sociality. (4), results and recommendations.







*أستاذ مساعد، قسم العمارة وعلوم والبناء، كلية العمارة والتخطيط، جامعة الملك سعود، الرياض.
[[1]] أجرى الباحث دراسة ميدانية موسعة شملت تأثير نمط المباني السكنية المرتفعة (لا تقل عن 6 طوابق) على مختلف الجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، وذلك في بعض مدن جمهورية مصر العربية، وقد تضمن هذا البحث الإشارة إلى جانب من نتائج هذه الدراسة الذي يخص المتطلبات الاجتماعية في المجمعات السكنية العالية.
[[2]] يوسف، وجيه فوزي. "المهندس المعماري والناس"، ص110
[[3]] إسماعيل، عصام رجب. "مفهوم الخصوصية وتأثيره على تصميم المسكن في مصر"، ص8
[[4]] نادر، أحمد نشأت. "دراسة المباني العالية وأثرها على الإنسان والبيئة المحيطة".
[[5]] حسن، نوبي محمد. "تقييم استخدام المباني المرتفعة في مشروعات الإسكان"، دراسة ميدانية.
[[6]] يوسف، وجيه فوزي. "العمارة القاسية".
[[7]] إبراهيم، حازم محمد. "المباني المرتفعة"، ص22
[[8]] نادر، أحمد نشأت. المرجع السابق. ص 199-200
[[9]] Newman, O. “Defensible Space, people and Design in the Violentcity”, p 191
[[10]] نادر، أحمد نشأت. المرجع السابق. ص204-206
[[11]] حسن، نوبي محمد. "تقييم استخدام المباني المرتفعة في مشروعات الإسكان"، دراسة ميدانية.
[[12]] إبراهيم، محمد عبد العال. "العمارة البيئية وأثرها على البنية الإنسانية"، ص42
[[13]] يوسف، وجيه فوزي. "العمارة القاسية". المرجع السابق.
[[14]] عطوي، عبد الله. "الإنسان والبيئة .. في المجتمعات البدائية والنامية والمتطورة".
[[15]] الكرمي، زهير. "البيئة الطبيعية والبيئة المشيدة".
[[16]] جعيص، عزة محمد أحمد. "اقتصاديات تصميم المباني"، ص41
[[17]] Chotmarada, A. “Tall Buildings in Developing Countries”, p158
[[18]] Moharram, A. “Tall Buildings in the Developing Countries with Special Reference to Cairo”, pp227,228
[[19]] حسن، نوبي محمد. "تقييم استخدام المباني المرتفعة في مشروعات الإسكان"، دراسة ميدانية.
[[20]] يوسف، وجيه فوزي. "العمارة والجريمة"، المرجع السابق.
[[21]] Newman, O. Ibid, p29
[[22]] Ibid. p29. Newman, O.
[[23]] Ibid. Newman, O.
[[24]] Ibid. Newman, O.
[[25]] Ibid. pp38-42. Newman, O.
[[26]] Newman, O.Ibid. pp33,34
[[27]] يوسف، وجيه فوزي. "العمارة والجريمة"، المرجع السابق.
[[28]] حسن، نوبي محمد. "تقييم استخدام المباني المرتفعة في مشروعات الإسكان"، دراسة ميدانية.
[[29]] Ibid. Newman, O.
[[30]] حسن، نوبي محمد. "تقييم استخدام المباني المرتفعة في مشروعات الإسكان"، دراسة ميدانية.
[[31]] Giedion S. “Space, Time and Architecture”, p545.
[[32]] حسن، نوبي محمد. "التفكير الإبداعي في عملية التصميم المعماري"، ص 155،167
[[33]] Curtis, W. JR: “Modern Architecture, (Since 1900)”, p288
[[34]] Risebero, B. “The History of Western Architecture”, p249
[[35]] حسن، نوبي محمد. "تقييم استخدام المباني المرتفعة في مشروعات الإسكان"، المرجع السابق.
[[36]] Risebero, B. “The History of Western Architecture”, p248 and Banham, R. “Guide to Modern Architecture”.
*Assistant professor, Department of Architectural and Building Sciences College of Architecture and Planning, King Saud University, Riyadh.

___________________________

هامور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:54 PM.