«الشريف» لمكافحة الفساد
بدر بن أحمد كريِّم
قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز باختيار محمد بن عبدالله الشريف، رئيسا لهيئة تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، قرار صائب، وحكيم، وموفق، فالرجل ــ من واقع معرفتي به، عندما زاملته في الدورة الثالثة لمجلس الشورى ــ واحد من أعضاء شوريين فاعلين، يصوغ آراءه ومداخلاته بأطر مرجعية، وخبرة طويلة في مجال: الإدارة، والمراقبة، ولذلك فاختيار المليك نابع من إحساسه بقيم: العدالة، والحق، والكرامة، ودفع الفساد، وتصحيح اختلال موازين الحقوق والواجبات.
أمام رئيس الهيئة ملفات كثيرة، لن يكون أولها «ملف اتهام وكالة وزارة البترول والثروة المعدنية، بالتواطؤ مع شركة معادن، المشغلة لمنجم الذهب، في تقديم المصلحة المالية الخاصة، على المصلحة الصحية العامة، من خلال إحداث تلوث عام في محافظة المهد، جراء انتهاك الشروط البيئية، الذي أثبتته عدة جامعات ومراكز بحث علمية في المملكة، وخارجها، بعد تحليل التربة، واكتشاف نسب تركيز عناصر ثقيلة فيها، تتجاوز النسب المسموح بها بصورة فاضحة» (صحيفة عكاظ، 17 ربيع الآخر 1432هـ، ص 43) بل أمامه ملفات: لأشخاص مرتشين، ومفسدين في المعاملات اليومية، وفي البنية التحتية للمجتمع، ومتاجرين بالنفوذ، ومسيئين لاستعمال السلطة، وأثروا ثراء غير مشروع، وأهدروا المال العام، وتلاعبوا به، واختلسوه، وبددوه، وغسلوا الأموال، وارتكبوا جرائم محاسبية، وزوروا، وزيفوا عملات، وغشوا غشا تجاريا، وأصبحوا أداة معاونة لتحقيق الخطط الإفسادية، لا الخطط الإصلاحية، وأطلقوا العنان لرغباتهم في التسلط على الناس، ونفذوا مشروعات البنية التحتية بغنائم ومساومات، واستغلوا مناصبهم.
«محمد بن عبد الله الشريف» في موقف يبدد هيمنة أناس لا يخافون الله، ويؤدي إلى ارتفاع مستوى الرفاه الاجتماعي والاقتصادي، هو مسؤول أمام الله، ثم أمام ولي الأمر عن تكميم أفواه الفاسدين، والفسدة، والمفسدين، وكشف مداخل الفساد ومخارجه، وزواياه، ومنعرجاته، وطرقه، وأنصاره، والموالين له، ومنع صفقات الظلام، وتعزيز المساءلة بوصفها معيارا ضابطا للأداء الحكومي، وإيجاد بيئة تلفظ كل مفسد، وتقديم تقرير لخادم الحرمين الشريفين (الملك عبد الله بن عبد العزيز) عن حالة الفساد، لاستمرار مكافحته بالمساءلة، والمحاسبة، وإحالة المفسد للقضاء ليقول كلمة الله فيه، لا تأخذه في الله لومة لائم، من أي كائن كان، فدوام استقرار المجتمع السعودي، وعدم الإضرار بأدائه الاقتصادي، يعزز شرعية الهيئة، وفعالية مكافحتها للفساد، كي لا يتحول إلى حالة متجذرة، تستظل بالفساد، وتتحكم في المجتمع تحكما قسريا.
أمام «محمد بن عبد الله الشريف» تحديات كثيرة، تستدعي إعادة تشكيل منظومة القيم، ووضع قيم الشرف والنزاهة، في مقدمة سلم أوليات الهيئة، وليس ثمة شك أن اختيار الرجل، لكشف الآثار الكارثية للفساد، يعني إصلاحا هيكليا، يؤول في آخر الأمر لمصلحة الوطن والمواطن، فلا تتسع فرص الفساد، ولا يستشري شراء النفوس والضمائر، بل يتم تحصين الناس بلقاح ضد الفساد، قوامه القيم الدينية، والأخلاقية، والتربوية، وتوجيه المواطن والمقيم، نحو التحلي بالسلوك، واحترام النصوص الشرعية، والنظامية، وتوفير المناخ الملائم، لنجاح خطط التنمية: الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والإعلامية.
وحتى يتحقق الأمان الشخصي للمواطن والمقيم، وحتى لا تكون هناك سوق رائجة للفساد، وحتى لا يكون الفساد عنصرا مضرا بالأداء الاقتصادي، أو يضعف شرعية مؤسسات الدولة، ونزاهتها، وفاعلية السياسات العامة، كانت استراتيجية تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد.
كاتب هذا المقال لا يهنئ «محمد بن عبد الله الشريف» بل يسأل الله أن يحيطه ببطانة صالحة، تدله على الخير فيفعله، وعلى الشر فيجتنبه، أعانه الله، وأمده بتوفيقه.
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...0328408530.htm