العودة   منتدى مقاطعة > ملتقى الأعضاء العام > المناقشات العامة > قال الشعب لشارل ديغول: "لا " فاستقال وعاد إلى بيته احتراما لكلمة شعبه

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-02-2011, 12:07 AM   #1
د. سليمان السماحي
خبير التخطيط الإستراتيجي
عضو اللجنة الإستشارية لمقاطعة

 
رقـم العضويــة: 14722
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشـــاركـات: 399

افتراضي قال الشعب لشارل ديغول: "لا " فاستقال وعاد إلى بيته احتراما لكلمة شعبه

قالوا له: "لا"، فعاد إلى بيته



هنري زغيب








ما يَشهَدُه الشارع العربي في أكثر من عاصمة ومدينة عربية، يذكّرني بالظاهرة التاريخية التالية:

كان ذلك بعد المظاهرات التي عَمَّت شوارع پاريس وبعض فرنسا، في ما سُمي يومَها "أحداث أَيار 1968".
وفي 24 من ذلك الأَيّار، أعلن رئيس الجمهورية الجنرال شارل ديغول عن إجراء استفتاءٍ في الشهر اللاحق حول إصلاحات جامعية واجتماعية واقتصادية.
في الثلاثين من أيار عاد فأَجّل موعد الاستفتاء بناءً على اقتراح رئيس وزرائه جورج پومپيدو، لمصادفة الفترة مع الانتخابات النيابية اللاحقة.
وجرت الانتخابات وتتالت الانهماكات السياسية، إلى أن عَيَّن الجنرال ديغول موعد الاستفتاء في 27 نيسان 1969، حول إصلاحات في مجلس النواب وبعض الإصلاحات
التشريعية الأُخرى، وَفْقاً للمادة الحادية عشرة من الدستور الفرنسي.
وصرّح ديغول أنه، إن لم يَنَلْ موافقة الأكثرية من الشعب، سيستقيلُ من منصِبِه.
ظنَّ الكثيرون يومها أنّ ديغول، بتصريحه ذاك، يلتَمِس العاطفة الشعبية لقبول اقتراحاته الإصلاحية من الشعب الذي كان يرى في ديغول مُنقِذَ فرنسا، وباني فرنسا الحديثة،
ومؤسسَ الجمهورية الخامسة فيها.
في اليوم التالي، 28 نيسان، كانت نتيجة الاستفتاء: 52،41% قالوا "لا"، و47،59% قالوا "نعم".
وسقط الاستفتاء.
وحبسَت فرنسا أنفاسَها لترى ما سيكون قرار مُنقِذ فرنسا شارل ديغول.
بعد عشر دقائق من منتصف الليل، صدَرَ عن "كولومبيه لي دوزيغليز" بيانٌ موجَزٌ من سطرين، سمعَهُ الفرنسيون والعالم، جاء فيه حرفياً:
·"أُعلِنُ توَقُّفي عن مُمارسة مهامي رئيساً للجمهورية. يصبحُ هذا القرار نافذاً عند ظهر اليوم: 29 نيسان 1969".
كان ذلك صوتَ الجنرال شارل ديغول.
وسادَ صمتٌ وَوُجومٌ في فرنسا والعالم.
تولّى مَهامّ الرئاسة بالوكالة رئيسُ مَجلس الشعب آلان پوهير، وهيَّأَ انتخاباتٍ رئاسيةً جاءت إلى الإليزيه بِجورج پومپيدو خلفاً لشارل ديغول الذي حَكَمَ فرنسا عَشرَ سنواتٍ ذهبية،
ولم يورّث للرئاسة ابناً ولا صهراً ولا فرداً من عائلته أو حزبه أو مناصريه، ولَم يسعَ إلى التجديد ولا إلى التمديد.
انسحب الكبير شارل ديغول إلى دارته في "كولومبيه لي دوزيغليز"، يُمضي سنته الأخيرة من حياته في سكينةٍ وهدوء.
وتُوُفِّيَ في السنة التالية (مساء 9 تشرين الثاني 1970) تاركاً وَصِيَّتَين:
الأُولى ألاّ يحضرَ جنازتَهُ رؤساء ولا وزراء ولا سياسيون،
والأُخرى ألاّ يُحفَرَ على قبره إلاّ ما يلي: "شارل ديغول 1890-1970".
كانت هذه نبذةً عن عظيمٍ من العالم أنقذَ بلاده حتى إذا قالت له بلاده "لا"، انْحنى لِمجد فرنسا وانسحب إلى عُزلته احتراماً لِمشيئة الشعب.
فلو كان الاستفتاء بين مُمثّلي الشعب، لربما كانت اختلفَت النتيجة، لأن مُمثّلي الشعب قد يُدْلون بصوتهم تحت ضَغْطٍ أو قَسْرٍ أو مصلحة، فيَخونُون حاكِماً أو يَطعَنُون حليفاً.
لكنّ ديغول كان يَعلَم أنّ مشيئةَ الشعب من مشيئة الله،
وأنّ الحاكم العادل هو الذي يَنصاعُ إلى مشيئة الشعب إن كانت مُحِقّةً، وأنه، ببقائه القَسريّ في الحُكْم، يقهر غاصِباً تلك المشيئة!

د. سليمان السماحي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:55 PM.