نهش الدولة
نسمع عن سرقات المال العام يوميا، هذا السمع يأتي من خلال الجلسات المتناثرة في مواقع مختلفة، ويتشعب الحديث عن أنواع سرقة المال العام وأساليب سرقته المتخفية كي لا تطفو فضيحة السارق على السطح، باتباع أساليب قانونية في ظاهرها بينما باطنها هي سرقة مغلفة قانونيا.
ويزداد هلع المتحدثين حين يسمعون أن تلك السرقات تصل عند بعض اللصوص إلى مليارات الريالات والتي يتم بلعها في غياب قانون من أين لك هذا؟، حيث ينتفخ السارق فجأة ويصبح مسؤولا حكوميا وأسرته تدير الشركات والصفقات بمئات الملايين (على حسه) أو بمباركته، فإذا دارت حوله الشكوك خرج من منصبه باستقاله لا تكلفه ثمن الحبر الذي كتب به استقالته بينما يكون قد بلع (ناقة الله) وسقياها.
هذه السرقات المتوالية للمال العام جعلت غير القادرين على فعلها يتمنون لو أنهم ينهشون من كتف أموال الدولة قدر استطاعتهم ثم يتوبوا إلى الله بعد ذلك.
وكم من سارق نهب البلد حتى إذا أصبح إمبروطورية مالية تخذ من سمة الصالحين درعا تقيه سهام من يعرف أنه سارق بدرجة امتياز، وانطلق ذلك السارق في تنمية أمواله وإذا تذكر الآخرة بنى مسجدا أو تعهد بأعمال خيرية كنوع من تنظيف سيرته.
ويوميا هناك لصوص يسرقون المال العام وبطرق مختلفة. ومانشرته جريدة الجزيرة قبل أيام لن تكون هي آخر السرقات والتلاعب بالمال العام حيث تم الكشف عن تزوير لأكثر من (41) معلمة دون مستندات نظامية، وتم تقديم تقرير يؤكد إدخال أربعة أسماء أدخلت بياناتها كمعلمات على المستوى الخامس بالإضافة إلى إدخالها كمعلمات بديلات وبالتالي يصرف لكل منهما راتبان، وخمسة وثلاثون اسما أدخلت بياناتها كمعلمات بديلات بموجب صور مستنسخة من بعضها بعد التحريف في بياناتها الأساسية كأسماء البديلات والمجازات والأرقام والتواريخ، وقد تمت مراجعة الأسماء وتطبيقها مع سجلات وبيانات شؤون المعلمات، وخلص بتقرير مفصل عن عملية تزوير تسجل لأول مرة بهذا الحجم. كما تم إيقاف مبالغ مالية بحدود نصف مليون ريال على وشك صرفها للمعلمات المزيفات، كما تمت مطالبة الأطراف المتورطة بإعادة المبالغ التي تتجاوز المليون ومائة ألف ريال، وتم إيقاف مبالغ مالية قدرت بـ(444) ألف ريال قبل صرفها.
ولو لاحظنا أن هؤلاء اللصوص سرقوا مبالغ بسيطة خلال سنوات لم يتم التنبه لهم إلا أخيرا، ومثل هذا الفعل يحدث في كثير من المواقع حيث تصرف رواتب لموظفين وهميين ولأن المسروق ضئيل فإنه لايتنبه له إلا بالصدفة، بينما هناك وفي جهات متعددة تكون السرقات على أشدها والنقلة أو التحميلة بملايين الريالات لكل نقلة حتى إذا خرج المسؤول يكون في جيبه مليارات من أموال البلد.
ولولا هذه السرقات لربما لم نعد في حاجة للحديث عن إرساء البنى التحتية، فكم هي الفوائض والطفرات المالية التي عبرت بالبلد والتي لو صرفت في محلها ووفق المخطط لها لتحولنا إلى دولة من الدرجة الأولى، وليس كما يحدث الآن بأننا لازلنا نبني البنى التحتية.!
وللأسف هذه السرقات المتوالية علمت البعض منا البحث عن كتف الدولة لتنهش من لحمها وتستريح بقية حياتها منعمة بالمال والجاه، أما تأنيب الضمير فقد أوجد له مخدرا من خلال صندوق إبراء الذمة.
هل تصدقون أن الكثيرين الآن يبحث عن المواقع التي يمكن من خلالها سرقة المال العام، موقنا أن العيون النائمة لن تفتح أجفانها قريبا.
abdookhal@yahoo.com http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/2009...0613284434.htm