بقلم


علي سعد الموسى

ديوان المراقبة: لماذا لا يفضح خلايا الفساد؟

أقصر الطرق لوأد الأخطاء هو أن تكشفها. أسرعها حلولاً لكشف التجاوزات هو أن تعريها وتفضح رموزها أمام العامة. فهمت أخيراً، وأخيراً جداً وظيفة ديوان المراقبة العامة بعد أن همس لي صديق بطبيعة مهمته منتصف مساء خافت. مهمة ديوان المراقبة العامة أن يراقب حركة استخدام المال العام في قنواته المخصصة له نظاماً في بنود وأبواب الميزانية العامة للدولة. كنت قبل همسة الصديق أرتجف عند مروري بلوحات هذا الديوان ظاناً أنه قد يراقبني في شيء من كلمات اسمه الثلاثي ثم اكتشفت أنني أستطيع أن أمضي أمام بابه بثوب شفاف، لأنني، ولسوء الحظ، لم أحظ في حياتي بوظيفة إدارية تضعني على أطراف وليمة المال العام. أكثر من أربعين عاماً خلت دون أن يكون لتوقيعي قيمة رسمية. وبالطبع، لن ألوم نفسي، عقلاً أو جيباً، على غبائي في فهم وظيفة هذا الديوان الموقر العتيد، وأجزم أن معي مئات الآلاف من أبناء وطني الذين لا يعرفون وظيفته من قبل لأن فخامة الديوان في الأصل لم يعرفنا على شخصه ولا عن مهمته. وإذا أراد ديوان المراقبة العامة أن يأخذنا إلى جسارة المهمة الجبارة التي يضطلع بها فليكشف لنا جميعاً تقريره السنوي عن صيرورة المال العام. عن الفساد الذي كشفه وعن التجاوزات التي وضع يده عليها وعن أسماء الإدارات والأفراد الذين كانوا في أوراق هذا الديوان تحت المراقبة والمساءلة. وإذا كنا بدءاً من هرم القيادة الأعلى حتى أصغر مواطن نتحدث عن وجود فساد ومحاربة تجاوزات وانتهاكات، وإذا كنا جميعاً نؤمن أن الفساد حتمية اجتماعية أنثروبولوجية فلماذا يظل ديوان المراقبة وكأنه قطعة من دهاليز – الكرملين –؟ ولماذا يظل مخبأً سرياً لعشرات الأوراق والإثباتات التي كان يستطيع بكشفها أن يردع أخطر أمراضنا الاجتماعية؟ فساد المال العام هو السرطان القاتل في بنية مشوارنا التنموي وجسدنا الإداري فلماذا لا يطلعنا هذا الديوان على خريطة هذا المرض في جسدنا وعلى خلاياه البيضاء والحمراء وكراته الدموية الشرسة؟ إذا كان المفسد المختلس مكتوباً في أوراق الديوان فلماذا لا نعرفه بالاسم؟ وإذا كانا لمال العام هو حق الجميع فلماذا لا نعرف طبيعة الذي يسرقنا وكيف ولماذا ومتى؟ وإذا كان الديوان يعتقد أنه بالخطأ سيزلزل الكراسي والمكاتب بنشره التقرير فعليه أن يدرك أن المرحلة قد نشرت ما هو أجرأ منه: تقرير حقوق الإنسان بكل ما فيه من صراحة ووضوح فلم يزدنا نشره إلا وعياً ونضجاً واحتراماً لأنفسنا أمامها وأمام الغير

http://www.alwatan.com.sa/news/write...11372&Rname=22