من هو التاجر الذكي الخبيث؟
(هو الذي ابتكر "الموضة")، كان تاجراً ذكياً جداً. . فهو الوحيد الذي استطاع أن يقنع المرأة بأن تلقي جميع فساتينها بدون سبب.
إذا كانت فساتينها طويلة أخرج لها موضة قصيرة.
وإذا كانت جميع فساتينها قصيرة أخرج لها موضة طويلة.
وبهذه الخدعة اللطيفة يهمس في أذنها في حنان وكأن المصلحة هي مصلحتها: سيدتي إن فستانك لا يتماشى مع الموضة!
وهكذا استطاع أن يجعلها تُلقي بفستانها الجديد الذي اشترته من شهر لمجرد أنه أزرق والموضة بنفسجي. . أو أصفر والموضة أحمر. . أو شِوال والموضة ضيق. . أو ضيق والموضة واسع.
وألاعيب الموضة لا تنفد في الضحك على ذقن المرأة وإثارة غرورها. . مرة تكشف لها صدرها، ومرة تكشف لها ظهرها، ومرة تشلح لها ساقها، ومرة تُبرز لها سحرها، ومرة ترسم لها حلمة على صدرها تخرق الفستان. . ومرة تكشف النهر المثير بين الثديين. . ومرة تكشف كتفاً وتغطي أخرى.
من أيام الفراعنة لأيام العصور الوسطى، للعصر الفيكتوري، لعصرنا الذري. . رحاة تثير العجب. . وتثير الضحك (والحق أنها تثير البكاء أيضاً).
الفرعونية التي كانت تلبس الشوال الضيق وتقول لرجلها تغازله: "تعال انظر إليّ وأنا خارجه من النهر، وثوبي لاصق بجسدي يبرز كل تفاصيله".
إلى زوجة لويس الرابع عشر التي تضع على رأسها ريشة وتلبس لحافاً وبطانية ومشدات وأحزمة وزنها طن.
إلى امرأة الواحات التي تلبس المجرجر والخلاخيل والشخاشيخ، وتضع في أنفها حلقة.
إلى الهندية التي تلبس الساري، والباريسية التي تلبس البكيني، وبنت اليوم التي تلبس الميني جيب والماكسي جيب، وتضع على عينيها نظارة ضخمة لها عدسة من الزجاج كأنها قمرة سفينة. لعبة أشبه بلعبة المهرج.
ولا أستبعد أن تظهر موضة جديدة تصنع للمرأة ذيلاً طويلاً في مؤخرتها. . وأن تدور المشاجرات في البيوت. . وتهدد الزوجة زوجها بطلب الطلاق؛ لأنه لم يشترِ لها ذيلاً لائقاً مثل ذيول باقي صديقاتها. . وأنها لا تستطيع أن تمشي في الشارع بدون ذيل. . وأن كل الناس يشيرون عليها ويضحكون؛ لأنها فلاحة متأخرة تمشي بدون ذيل.
إن كل شيء ممكن في عالم الموضة.
سذاجة النساء وذكاء التجار يمكن أن يؤدّيا بنا إلى أي شيء.
والموضة لم تنسى الرجل واستطاعت أن تستدرجه. . بعد أن جعلت منه أنثى بقصات الشعر البناتي، والقمصان المشجرة، والبنطلونات الممزقة.
ويبدو أن التجار يخططون للضحك على ذقن العالم كله.
ولعلهم اليهود الأذكياء (والخبثاء أيضاً).
ولو قالوا: إنها جزء من بروتوكولات آل صهيون لصدّقتُ. . فهي شيء أشبه بالمؤامرة؛ للسخرية من الإنسان واستنزاف وقته وثروته واهتمامه، وإثارة شهوته وغريزته ليظل في حال حيوانية بإستمرار حتى يمكن ركوبه واستغلاله كما يُركَبُ الحمار ويُستغل وتُقضَى به الحوائج.
وأكثر الموضات لا هدف لها سوى الاحتفاء بالغرائز وإثارة أشواقها، وتجميل مكامن الفتنة المستورة، ولفت النظر، بالألوان الباهرة والخطوط المثيرة والعطور المشهية. . وهي دائماً مؤامرة على الحواس لإيقاعها في حبال الغريزة.
والتاجر المستغل غير ملوم وحده في بناء هذا الصرح من سرك المجاذيب. . وإنما كلٌ منا ملوم رجلاً وامرأة. . حينما يترك عنقه لتقوده شهوته وغريزته، وليترك يد اليهودي تدلك له ذلك الضُعف لتستولي عليه وتستغله. . فيخر كما يخر قط على الأرض يهزُّ ذيله متلذذاً من الأصابع التي تتحسسه، ويُسلم حافظة نقوده لتُنشل.
صدقوني. . إنه لأمرٌ مخجل جداً. . ذلك الشيء الذي اسمه "الموضة".
مقالة للدكتور مصطفى محمود