بقلم : مصلح جميل
يسرد لنا العجوز الدكتور ديفيد ويب، أستاذ التاريخ الأمريكي، قصة حفلة الشاي في عام 1773، عندما قرر بعض سكان القارة الأمريكية
مقاطعة البضائع البريطانية التي كانت تسوّق في المستعمرات البريطانية أو ما كان يسمى بالعالم الجديد. وكان الشاي من أهم تلك البضائع.
وقصة حفلة الشاي هي قصة مجموعة من رجال مدينة بوسطن تسللوا ليلا إلى البواخر البريطانية التي أتت بالشاي من بريطانيا ورست في ميناء بوسطن، ليتم بيعه بسعر رخيص لتفكيك
المقاطعة وإغراء "الشريبة." وأسباب اتخاذ الأمريكيين قرار
المقاطعة هو
غلاء أسعار المنتجات البريطانية
والضرائب وعدم وجود
تمثيل للمستعمرات في البرلمان البريطاني.
وما حدث أن أطنانا من الشاي أتلفت برميها في المحيط. ومن ثم
انطلقت شرارة الحرب بين بريطانيا وسكان المستعمرات، انتهت
باستقلال أمريكا. يضيف الدكتور ويب، "من ذلك الزمن بدأنا بشرب القهوة بدلا من الشاي، ونحن سيعدون بذلك، كما أعتقد". وهذه القصة أشعلت في رأسي سؤالا عن
مقاطعة الطماطم.
وقصة الطماطم أو (القوطة) كما نسميها في جنوب المملكة: هي أن أحد الأقرباء يشتكي من سعر الطماطم في بعض المواسم. إذ يصل سعر الـ(كرتون) إلى عشرات الريالات. وعندما قلت له: لا تشتر الطماطم، وانتظر أسبوعا أو أسبوعين. قال، "
ما نستغني عنها في كل الوجبات." وعندما اقترحت عليه خيار
التحول إلى معجون الطماطم
كبديل لفترة معينة حتى تنخفض حمى أسعار الطماطم المجنونة. رفض الاقتراح بقوله، "ما ينفع!
تعودنا على القوطة".
المقاطعة كفعل أو كردة فعل ليست بالشيء الجديد على الإنسان. فهي أقرب لأن تكون غريزة طبيعية. حتى الحيوانات تقاطع بطريقتها، فعندما يشعر الحيوان بخطر في مكان ما فإنه يقاطع المكان. ولكن
المقاطعة فن وثقافة أيضا.
وفن المقاطعة يكمن في متى وكيف
أعبر عن نفسي بفعل
المقاطعة، وكيف أستثمر هذا الفعل في
إيصال صوتي وتحقيق هدفي.
وهذا الفن يمكن أن يكون فنا فرديا يؤديه الفرد بطريقته وأسلوبه، ويمكن أن يكون فنا جماعيا متناسقا مؤثرا أو جماعيا همجيا غير فاعل.
و
المقاطعة ليست فعلا سهلا. فهي تتطلب الصبر والتضحية والتغيير، وكل هذه لها تبعات نفسية ومادية وحياتية. وليست
المقاطعة وسيلة "عنترية" لإثبات وجهة النظر.
ففن
المقاطعة هو وسيلة صامتة مؤدبة في اتخاذ قرار والالتزام به واحترام وتقبل تبعاته.
وأفضل ما يمكنني أن أصف
المقاطعة أنها من
أرقى أساليب التعبير عن الرأي. وعندما قال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت "أنا أفكر، لذا أنا موجود،" في بحثه الطويل عن الحقيقة المؤكدة، فأنا أقول، "
المقاطعة مؤثرة ووسيلة تعبير عن الرأي. أنا
أقاطع، إذا أنا مؤثر وأعبر عن رأيي".
لا نريد حفلات طماطم! فقط تعبيرا راقيا عن الرأي.
قاطعوا ما تشاؤون كل يوم: الطريق المزدحم، البنك المتغطرس موظفيه، المطعم غير النظيف، "حبة القوطة" الغالية. لا تكترثوا بمن لا يقاطع أو من يحصد النتائج. فقط استمتعوا بالتعبير عن أرائكم
http://www.alwatan.com.sa/news/write...9740&Rname=300