اقتباس:
قرأت شكوى المواطن التي نشرتها (الوئام) ، ضد شركة عبداللطيف جميل ، وما وصفه بـ"تعديها" على راتبه ، واستقطاعها قسطين من راتب شهر واحد ، بموجب شيكات مؤجلة الدفع اتفق مع الشركة على صرف شيك واحد شهرياً ، يمثل قسطاً من قيمة السيارة التي ابتاعها من الشركة .
وحقيقة الأمر أن الخطأ مشترك ، فالمواطن أخطأ حين حرر شيكات مؤجلة ، وأخطأ أيضاً حينما تأخر في سداد بعض الأقساط ، والشركة أخطأت حين خالفت نظاماً صريحاً من أنظمة وزارة التجارة يمنع التعامل بالشيكات المؤجلة لتحصيل الأقساط ، وأخطأت أيضاً "باستيلائها" على معظم راتب المواطن –مصدر دخله الوحيد- ، دون مراعاة لأي جانب إنساني أو أخلاقي ، وكان بإمكانها استخدام أساليب أكثر لطفاً واحتراماً لعميلها ، كجدولة الأقساط المتأخرة ، أو اللجوء للجهات القضائية إن لم تجد تجاوباً من عميلها ، أو تتوصل معه إلى حل .
لكن أن "تصادر" راتبه الذي لايملك حتى هو حق التصرف فيه طالما أنه رب أسرة ، فهذا تجاوز لاتقبله حتى الجهات القضائية ، سواءً الإدارية منها أو المحاكم الشرعية وفق الأنظمة المعمول بها في السعودية .
وفي حقيقة الأمر وبنظرة أشمل ، نجد أن المواطن دائماً هو الحلقة الأضعف في أي علاقة ، أو تقاضٍ يكون خصمه شركة أو مؤسسة أو رجل أعمال ، فالأنظمة التي تحكم علاقة المواطن بالقطاع الخاص –عموماً- ، سواء كانت علاقة عمل ، أو علاقة تجارية ، أو أياً كانت ، دائماً مايكون المواطن هو الخاسر الأكبر فيها ، لأن من (ينظّم) هذه العلاقة ويقعّد لها ، هو القطاع الخاص ، والمواطن لايملك تحت وطأة الحاجة ، وميل "النظام" دائماً للأقوى سوى أن يرضخ مرغماً .
أسباب عدة تقف وراء هذا الاختلال في العلاقة بين المواطن والقطاع الخاص ، لعل أهمها غياب صوت المواطن ، وتغييب حقه في صياغة عقود العلاقة التي تربطه بأي جهة أهلية ، فهو لايملك حتى مجرد حق الاعتراض على بند صغير في أي عقد يرى أنه مجحف في حقه ، أو غير منصف له ، فالعقود معدة سلفاً ، ومعدوها متفقون على تطابقها ، كي لايكون للمواطن خيار آخر سوى القبول ، والقبول على مضض.
سبب آخر مهم ، ألا وهو ضعف الثقافة المعرفية بالأنظمة والعقود ، والتي أسهمت في غياب ثقافة التقاضي ، فكثير من المواطنين أضاعوا حقوقهم من بين أيديهم ، وكثيراً ما سكتوا على "الغبن" ، لأنهم يجهلون أبجديات التقاضي ، ولايعرفون كيفية الدفاع عن حقوقهم ، فضلاً عن المطالبة بها متى سلبت منهم .
إضافة إلى ما سبق فإن الجهات التي يفترض أن تحفظ حقوق المواطن وتدافع عنه كالنقابات المهنية أو العمالية ، والجمعيات الأهلية ، ليس لها وجود ، وإن وجدت فهي معطّلة ، ..وجود شكلي بلا فاعلية .
في نهاية الأمر فإن هذا الاختلال "العلاقاتي" ، جزء من النسق الاجتماعي العام في العلاقات ، وهو في عمومه جزء من الثقافة الاجتماعية "المشوهة" للإنسان السعودي ، التي تشكلت منذ عقود قليلة من الزمان ، في ظل طغيان الماديات على كل الجوانب الإنسانية في نفسه ، فتوارت القيم النبيلة ، وغابت –أو غيّبت- قيمته أمام نفسه ، وقيمة الآخرين أمامه !
كل هذا يحدث في ظل انعدام القوانين والتشريعات التي تنظّم بعدل علاقة المجتمع بالمجتمع أفراداً ومؤسسات ، فكانت النتيجة الطبيعية هذه الفوضى التي نعيشها اليوم ، والتي حولتنا إلى مجتمع غاب ، يقتات قويّه على ضعيفه .
مايحدث لدينا اليوم ، رغم أننا في دولة "القانون" و"المؤسسة" ، أن الأقوى هو سيد "النظام" وعرّابه ، ولو أردنا أن نأخذ ملمحاً صغيراً من مشهدنا الاجتماعي يختزل معظم ملامح علاقاتنا المشوهة ، فلن نجد أفضل من (زواج المسيار) ، لنعرف كم نحن مُستغِلون ، ومُستغَلون ، تبعاً لقربنا وبعدنا من مركز القوة ، تلك القوة التي ربما نصنعها بأنفسنا ، أو "نكتسبها" بـ"نفوذ" ما ، أو نستمدها من "ضعف" الآخرين وحاجتهم لنا !
عوداً على بدء أقول ، شركة عبداللطيف جميل رغم كل تجاوزاتها هي "الأفضل" ، أو لنقل هي الأقل سوءً ، إذا ما استحضرنا في أذهاننا علاقتها الجيدة –نوعاً ما- مع المجتمع من خلال برامجها الخدمية التي تقدمها له ، رغم أنها تحمل ملمحاً من زواج المسيار بطريقة أو بأخرى ، لكن ما رأيناه منها تجاه المواطن صاحب الشكوى ، ليس سوى رأس جبل الجليد ....، فدعونا إذاً نبحث عن الجبل المغمور !
* والشيء بالشيء يذكر ، وطالما أننا في سيرة التقسيط ، الذي سيحولنا إلى مجتمع التقسيط الأول في العالم ، أستغرب كثيراً موقف الجهات الرسمية والتزامها الصمت تجاه ظاهرة تقسيط بطاقات (سوا) والصابون وخلافه ، التي هي التفاف "مشرعن" على الربا ، من أجل توفير السيولة -التي تزداد شحّاً- للمقترض ، فهي تعمل بلا ترخيص ، وليست مشتركة في مركز المعلومات الإئتمانية (سمة) ، وتستخدم أساليب مخالفة للنظام وللشرع ، من شيكات مؤجلة ، وكمبيالات ، وإدخال عدة عقود في عقد واحد ، والأسوأ أن مقدمي هذا النوع من "التمويل" يستغلون حاجة المستفيد في ظل شح السيولة ، ليحمّلوه فوائد طائلة تصل إلى 70% من رأس المال !
السؤال الذي يطرح نفسه ، طالما أن مؤسسة النقد ضيّقت على المواطن من جهة اقتراضه من البنوك وشركات التقسيط النظامية –التي هم أرحم بكثير رغم أنها تعمل وفق هامش ربحي هو الأعلى عالمياً- ، بخفض سقف التمويل ، وهو قرار بلا مبرر ، بعد أن كان مرتفعاً جداً وبلا مبرر أيضاً إبان طفرة الأسهم ، السؤال... كيف تترك مؤسسة النقد والجهات ذات العلاقة المواطن بين سندان الحاجة ومطرقة الاستغلال والجشع ، بهذا الشكل الذي أقل مايوصف به أنه "بلطجة" بماتعنيه الكلمة من معنى ، تحت حماية النظام أو سكوته ، أو ربما تواطئه ؟؟؟!
|
المصدر
http://www.alweeam.com/news/articles...how-id-913.htm
مقال رائع وتشبيه طريف لحالة ابو جميل
ادعوكم لقراءته